تل رفعت السورية… تضارب حول انسحاب روسي وخفوت الوعيد التركي

25

تتضارب المعطيات الميدانية في سورية، حول انسحاب القوات الروسية من منطقة تل رفعت في ريف حلب الشمالي التي تسيطر عليها قوات النظام السوري و”قوات سورية الديمقراطية”(قسد)، والتي من المتوقع أن تكون مسرح عملية عسكرية تركية تلوّح بها أنقرة منذ أكثر من شهر.

وذكرت صحيفة “الصباح” التركية، أمس الخميس، أن القوات الروسية انسحبت من مدينة تل رفعت وأخلت مقارها. وأشارت إلى أن قوات “قسد” تتمركز “وحيدة في مدينة تل رفعت”، إلا أنها “رفعت أعلام النظام السوري والأعلام الروسية في بعض النقاط العسكرية”، وفق الصحيفة.

القوات الروسية في تل رفعت: تموضع لم يتغير

في المقابل، أكد مصدر في “قسد” لـ”العربي الجديد”، أن القوات الروسية تتموضع في محيط مدينة تل رفعت وليس لها مواقع داخلها. وأشار إلى أن الأوضاع لم تتغير بعد في المنطقة، على الرغم من انسحاب عناصر روسية من بعض المناطق في ريف تل رفعت، والذي قد يكون إجراء اعتيادياً بهدف استبدال هذه العناصر بأخرى.

من جهته، لفت مصدر قيادي في الجيش الوطني السوري التابع للمعارضة السورية، إلى أن قوات النظام لا تزال موجودة في تل رفعت. ولفت المصدر إلى أن مليشيات إيرانية تتمركز في مطار منّغ القريب. وبيّن أن القاعدة الروسية موجودة بين المدينة وقرية تل جمال، مشيراً إلى أن الشرطة الروسية تتجول أحياناً داخل المدينة، ولكن ليس لها أي مقر داخلها.

وأوضح المصدر القيادي في الجيش الوطني السوري أنه ليس هناك وجود عسكري روسي كثيف في منطقة تل رفعت. واعتبر أن الأنباء التي تتداولها صحف تركية عن انسحابات للروس من الممكن أن يكون هدفها “جس نبض الأطراف الأخرى ومعرفة ردود فعلها وبشكل خاص روسيا”.

تعقيدات العملية التركية وضبابية الموقف الروسي

وأعرب المصدر عن اعتقاده بأن القيام بعملية تركية في المنطقة لا يزال أمراً معقداً بسبب عدم سماح إيران لتركيا والجيش الوطني بالاقتراب من مدينتي نبل والزهراء، حتى لو حصلت تركيا على ضوء أخضر روسي. ويرجع ذلك لأن أي عملية في ريف حلب الشمالي والشرقي تجعل المدينتين اللتين ينتمي سكانهما للمذهب الشيعي، وتعدان الخزان البشري للمليشيات الموالية لإيران، على تماس مباشر مع مناطق سيطرة الجيش الوطني.

وتلوّح أنقرة منذ أكثر من شهر بشنّ عملية عسكرية واسعة النطاق ضد “قسد”، وهو ما استدعى تنسيقاً بين هذه القوات والنظام السوري الذي أرسل تعزيزات أخيراً إلى ريف حلب الشمالي، وخصوصاً إلى منطقتي تل رفعت ومنبج واللتين من المتوقع أن تكونا مسرح العملية التركية المقبلة.

وتندرج منطقة تل رفعت ضمن مناطق النفوذ الروسي منذ مطلع عام 2016، ولذلك تعوّل قوات “قسد” على دور روسي لمنع الأتراك من شنّ عملية في ريف حلب الشمالي والذي تحوّل إلى بؤرة الصراع الرئيسية في سورية بسبب التهديد التركي المستمر.

وتتمركز في هذا الريف كل أطراف الصراع على سورية، حيث تسيطر فصائل المعارضة السورية التابعة لتركيا على العديد من المناطق في هذا الريف، منها: عفرين وريفها شمالي غربي حلب، وأعزاز وريفها، وجرابلس وريفها، والباب وبعض ريفها. في موازاة ذلك، تسيطر قوات “قسد” على منطقة تل رفعت وقرى في محيطها، ومنطقة منبج شمال شرقي حلب وقسم من ريفها. وتتمركز قوات النظام والمليشيات التابعة لإيران ليس بعيداً عن مدينة منبج، ولها وجود عسكري كبير في منطقة تل رفعت وريفها.

وكان المبعوث الروسي الخاص إلى سورية ألكسندر لافرنتيف أكد أن موسكو حاولت إقناع أنقرة بإلغاء خطتها لشنّ عملية عسكرية في الشمال السوري، وذلك خلال محادثات الجولة 18 من مسار أستانة التي عقدت منتصف شهر يونيو/حزيران الحالي.

ورأى النقيب المنشق عن قوات النظام رشيد حوراني، وهو باحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك ضبابية في الموقف الروسي من العملية التركية، عكسها تصريح لافرنتيف بأن العمل العسكري لن يحل مشاكل تركيا”.

وأعرب حوراني عن اعتقاده بأن “هذه الضبابية التي تميل لصالح تركيا، سببها رغبة روسيا في الضغط إلى أقصى حد على قوات قسد، ومواجهة النفوذ الإيراني الذي استشعرت روسيا بأنه حاول تعزيز وجوده في ظلّ انشغالها بحرب أوكرانيا”. وأضاف أن روسيا تريد إعطاء حافز للأتراك للحفاظ على موقفهم المتشدد بما يتعلق بانضمام دول أوروبية جديدة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، في إشارة إلى السويد وفنلندا.

واصطدم الوعيد التركي لقوات “قسد” التي تعتبرها أنقرة خطراً على أمنها القومي، برفض روسي وأميركي وإيراني (للعملية التركية)، إذ من الواضح أن أطراف الصراع في سورية تريد الحفاظ على خرائط السيطرة على ما هي عليه اليوم. وباتت سورية مناطق نفوذ إقليمية ودولية، وتريد أنقرة توسعة دائرة نفوذها في الشمال السوري على حساب قوات “قسد” المدعومة من التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من تراجع حدة الوعيد والتهديد التركي في الآونة الأخيرة، إلا أن شرفان درويش، وهو قيادي في مجلس منبج العسكري التابع لقوات “قسد”، أشار في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن الجانب التركي “عندما يجد الفرصة سيهاجم مدينة منبج”.

ولطالما حاولت تركيا توسيع نفوذها على حساب “قسد” منذ عام 2019، سواء غربي نهر الفرات أو شرقه، إلا أنها في كل مرة تجد رفضاً روسياً أميركياً. وتحاول أنقرة استغلال الغزو الروسي لأوكرانيا وحاجة موسكو والغرب لها نتيجة ذلك، من أجل التعامل العسكري للمرة الثالثة مع قوات “قسد” التي تنظر اليها أنقرة على أنها امتداد لحزب العمال الكردستاني.

وتسيطر “قسد” على مجمل الشمال الشرقي من سورية، وهي مرتبطة بتفاهمات عسكرية مع الجانب الروسي أتاحت له التمدد في منطقة شرقي الفرات، إلا أن موسكو تبحث عن مزيد من التنازلات لصالح قوات النظام، بيد أن هذه القوات ترفض أي تنازل على الأرض لأي من الأطراف.

المصدر: العربي الجديد