تمدُّد روسي في الشرق السوري: قاعدة في القامشلي.. وجسّ نبض للأكراد

114

في وقت تتابع فيه المقاتلات الروسية انطلاقها من مطار حميميم في مدينة اللاذقية، والتي يشارف ريفها الشمالي على الانتهاء من الوجود المسلح، إثر العملية العسكرية الواسعة التي يشنّها الجيش السوري والفصائل التي تؤازره، تحت غطاء جوي كثيف، بدأ الروس التمهيد للانتقال إلى خطوة لاحقة تتمثّل بالتمدّد نحو الشرق السوري، وتحديداً في المناطق المختلطة كردياً – عربياً، في محاولة لضبط العمليات العسكرية على إيقاع واحد موجه نحو محاربة «الإرهاب».
ويؤكد مصدر سوري أن الخبراء الروس بدأوا يتقاطرون، على دفعات، إلى مطار القامشلي منذ نحو شهر، آخرها دفعة وصلت قبل أربعة أيام تضم 30 خبيراً وضابطاً وتقنياً، أجروا لقاءات عدة مع قيادات عسكرية وأمنية سورية، وزاروا مواقع للجيش السوري، كما التقوا بقياديين أكراد وزاروا بعض المواقع التي يسيطر عليها الأكراد.
المصدر السوري الذي أكد أن الخبراء الروس باشروا بالفعل عمليات تأهيل وإعداد مطار القامشلي، ليتمّ تحويله إلى قاعدة عسكرية روسية جديدة، أوضح أن التحرك الروسي يتم على أكثر من صعيد، عسكري وأمني، وحتى اجتماعي، مشيراً، في هذا السياق، إلى الزيارة التي أجراها بطريرك السريان الأرثوذكس في العالم مار افرام الثاني لمدينته القامشلي قبل أيام، حيث أجرى لقاءات عدة مع وفود سريانية وكردية وعربية، وساهم بحلّ خلافات بين قوات «الأسايش» الكردية، وقوات «السوتورو» السريانية. ومن بين اللقاءات التي أجراها البطريرك، المعروف بعلاقاته القوية مع روسيا، لقاء تمّ مع القائد العام لقوات «الأسايش» جوان إبراهيم، من دون أن تتسرّب معلومات كافية عن فحوى اللقاء.
العمل الروسي المتصاعد في المناطق الشمالية الشرقية من سوريا، يأتي بالتوازي مع عمل آخر يتم شمالاً، حيث أكدت مصادر متطابقة أن وفداً روسياً قام بزيارة مواقع كردية شمال سوريا، ضمن عمليات التواصل الدائم وتبادل المعلومات من جهة، وزيادة الضغط الروسي على المقاتلين الأكراد للانخراط في المشروع الروسي «ضد الإرهاب» في سوريا، وفق ما أكد مصدر سوري كردي فضل عدم الكشف عن اسمه. وفي حين ذكر المصدر أن «مستوى التعاون الروسي – الكردي يسير وفق منحنى تصاعدي»، رفض الحديث حول ما تسرّب عن إنشاء «غرفة إدارة مشتركة روسية – كردية» في منطقة عفرين شمال حلب، من دون أن ينفي أو يؤكد صحة هذه المعلومة.
مصدر متابع للنشاط الروسي في المنطقة الشرقية من سوريا أكد، خلال حديثه إلى «السفير»، أن الروس «يستفيدون من طريقة تعامل التحالف الذي تقوده أميركا للأكراد، ويطرحون مشروعهم البديل»، موضحاً أن «التحالف ومنذ بدء تعاونه مع الوحدات الكردية وفي ما بعد قوات سوريا الديموقراطية يقوم بتسيير المعارك وفق رؤيته، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار الرغبات الكردية». وضرب المصدر مثالاً على ذلك «منع التحالف الوحدات الكردية من دخول معقل تنظيم داعش في مدينة الشدادي بريف الحسكة، رغم أنها كانت في المتناول، وتوجيه قوات سوريا الديموقراطية للتقدّم نحو سد تشرين ضمن معارك لا فائدة استراتيجية منها حتى الآن، قبل أن يقرّر التحالف توقيف العمليات على هذا المحور».
وفي وقت رأى فيه مصدر سوري كردي أن الشارع الكردي عموماً، والنسق السياسي منه بخاصة، بدأ يشهد تنامياً لـ «خطين متنافرين، الأول يدعو لتقوية العلاقات مع روسيا، والآخر يرى في التحالف الذي تقوده أميركا أفضل»، نفى الكاتب والسياسي السوري الكردي ريزان حدو ذلك، ورأى، خلال حديثه إلى «السفير»، أن المسارين العسكري والسياسي يتمّان بشكل متناسق روسي – أميركي. وقال «نحن نحارب قوى إرهابية تمتلك إمكانيات، لذلك نحن نرحب بأي جهة تقدم لنا مساعدات عسكرية مهما كان نوعها، ويبقى رهاننا على العامل البشري شجاعة و بطولة مقاتلينا».
وعلى الرغم من تأكيد الكاتب السوري الكردي على تكامل الدورين الروسي والأميركي، إلا أن المصدر المتابع للملف الروسي أكد أن «الأكراد سيقفون قريباً أمام خيارين يُعدّهما الروس يتمثلان بالتعاون معنا في معاركنا مع الإرهاب، أو البحث عن قوى بديلة في مناطق نفوذكم»، موضحاً أن اللقاءات التي جمعت بين الاستشاريين الروس والقياديين الأكراد تضمّنت تعهد موسكو بتقديم مساعدات كبيرة ضمن شروط بسيطة، أهمها «رفع العلم السوري إلى جانب رايات القوات الكردية المقاتلة على الأرض»، في تأكيد على أن الدعم الذي تقدّمه روسيا يأتي في سياق دعم الدولة السورية مع تقديم ضمان يفصل بين سياق المفاوضات السياسية، عن العمليات العسكرية، ما يضمن للأكراد تواجدهم كقوة سياسية فاعلة في المضمار التفاوضي لحل الأزمة السورية.
وتراقب القوى الكردية تنامي الوجود الروسي في الشمال الشرقي من سوريا بشكل يومي، بالتزامن مع اقتصار الدعم الأميركي على غارات مسيّرة وفق «العمليات المتفق عليها»، وقاعدة صغيرة للدعم اللوجستي تم تجهيزها قرب قرية رميلان شمال شرق مدينة الحسكة، قرب مدرج للطائرات الزراعية يصلح لهبوط الطوافات، حيث قامت قوة أميركية بتجهيز مقر صغير لها، أشبه بغرفة عمليات مصغرة ذات طابع تنسيقي مع القوات الكردية المقاتلة على الأرض.
ويراهن الأكراد على تحقيق توازن في العلاقات مع كل من روسيا وأميركا، بهدف كسب الطرفين في وقت واحد، على اعتبار أن القوات الكردية تحقق تقدماً مع كل معركة وقد أثبتت جدارتها في ميدان الحرب ضد «الإرهاب». وفي هذا السياق يقول الكاتب والسياسي الكردي ريزان حدو إن «داعش لو انتصر على طرف فسيتوجّه أوتوماتيكياً للقضاء على بقية الأطراف، وسيصبح حال كل الأطراف كمن ينتظر قدوم دوره ليلف حول رقبته حبل مشنقة الإرهاب.. الجميع بات مدركاً لحقيقة: أُكِلْتُ يوم أكل الثور الأبيض».
بدوره، يرى الكاتب والأكاديمي السوري محمد صالح الفتيح أن «الأحزاب الكردية نجحت، على مدار الأزمة السورية، في تحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات على الأرض بأقل الأثمان، وذلك من خلال الاستفادة من عوامل الفراغ وتناقض علاقات القوى الأخرى، وأيضاً من خلال الحفاظ على القنوات مفتوحة مع مروحة القوى المؤثرة في شمال شرق البلاد، من الحكومة السورية وصولاً إلى العديد من الفصائل المسلحة المعارضة، وعلى المستوى الإقليمي والدولي بقيت القنوات مفتوحة أيضاً مع تركيا وروسيا والولايات المتحدة والدول الأوروبية».
وأضاف «لكن مع نهاية العام الخامس للأزمة السورية يقف الأكراد، ربما للمرة الأولى، أمام مفترق طرق حقيقي. فمن ناحية أولى تعمل روسيا على إبقاء الأكراد حلفاء لها في أي حل سياسي ـ وهذا يمنح الأكراد بطبيعة الحال اعترافاً ضمنياً ببعض مطالبهم ـ ولهذا، على سبيل المثال، تحرص روسيا على حضور صالح مسلم اجتماعات جنيف 3. ولكن من ناحية أخرى يدرك الأكراد السوريون أنه لا يمكن تجاهل الولايات المتحدة التي قدمت دعماً عسكرياً مباشراً ومتصاعداً للأكراد، لكنها أيضاً لا تهتم بحضور الأكراد جنيف 3، ربما إرضاءً للأتراك والسعوديين».
ما قد يحسم الموقف الكردي باتجاه الاصطفاف التام مع إحدى القوتين العالميتين، وفق رأي الفتيح هو «العلاقة مع دمشق. القناة مع دمشق لم تقطع حتى الآن»، ولكن في المقابل لم ينجح الأكراد بالحصول على أي مكسب سياسي جديد منذ نيسان العام 2011. ويضيف «باختصار، السؤال هو هل سيحصل الأكراد من دمشق على مكسب يُبقيهم إلى جانب الروس، أم أن استمرار التعثر على هذا المسار سيدفعهم لقطع شعرة معاوية مع دمشق والانتقال كلياً إلى الطرف الأميركي؟»، رغم أن المؤشرات والتسريبات تدفع باتجاه الاحتمال الأخير.

علاء حلبي
صحيفة السفير