حرب القرابين

49

منذ بدأ التحرش الإيراني بأميركا والأخيرة لم ترد حتى يوم الخميس؛ وجهت الولايات المتحدة ضربة قوية لإيران، استهدفت فيها الجنرال الإيراني قاسم سليماني، وهو يعد قائد ميليشيات الولائيين العرب الذين يقلدون خامنئي تحديداً، قائد الأذرع العربية ذات الولاء الإيراني، سواء كانوا في العراق أو سوريا أو حتى لبنان واليمن، فسليماني كان قادماً من لبنان حين تمت تصفيته.
ومن اليوم، سنشهد تصعيداً، لا على الأراضي الإيرانية ولا بجيوش إيرانية، إنما على الأراضي العربية، وبقرابين عربية ستدفع بها إيران لفوهة المدفع، كما فعلت في مؤيديها للهجوم على السفارة الأميركية في بغداد، فهل سيتعظ هؤلاء ويفهمون ويدركون دقة المرحلة المقبلة أم سيتقدمون طوعاً وينتحرون كما الحيتان على شواطئ المعركة الأميركية – الإيرانية بالنيابة؟
أثبتت أحداث اقتحام السفارة الأميركية في بغداد أن الولائيين العرب سيكونون وقود إيران وقرابينها في المرحلة المقبلة، وستقدمهم لتحسم أمرها مع الولايات المتحدة، خاصة أن رهانها على سقوط الرئيس ترمب بدأ يتلاشى، ويبدو أنهم مقبلون على خمس سنوات عجاف شبيهة، إن لم تكن أشد، بالسنة الماضية التي خسروا فيها، وفقاً لتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، 200 مليار دولار. فكم ستكون خسارتهم في السنوات الخمس المقبلة إن استمر ترمب في الرئاسة؟
المسألة الثانية الملحة على النظام الإيراني أن المرشد علي خامنئي يريد أن يحصن نفسه من أي احتمالات لوصول أي شخص خارج مؤسسته الخاصة في هذا الوقت الحرج، فقام بـ«هندسة» الانتخابات من الآن، على حسب وصف كروبي، إذ إن إيران مقدمة الشهر المقبل على انتخابات برلمانية عسيرة، في ظل تعقيدات العقوبات الأميركية، وفي ظل المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة التي دفعت إيران إلى قتل 1500 إيراني من أجل قمعها، واستثناء أكثر من ألف مرشح بحجة صيانة النظام! كل تلك الإجراءات تمهيداً للانتخابات الإيرانية الرئاسية، وموعدها 2021؛ أي العام المقبل.
وهي فترة يحتاج فيها النظام إلى استمالة الشعب، وتمكين الولاءات، لذلك كله لا يمكن للنظام الإيراني أن يزيد الضغط على الإيرانيين، بخوض حرب جديدة وهم تحت ظل هذه العقوبات، وتذمرهم يزداد يوماً تلو يوم ولا يخضع إلا بالقمع الدموي، فلن تتحمل إيران أبداً زيادة العبء بالمخاطرة بالرد على مقتل سليماني الآن.
لهذا، فإن العرب الموالين لإيران مقبلون على حرب بالوكالة، يدفع بهم خامنئي قرابين إلى أن يحسم أمر الانتخابات النيابية والرئاسية. الكل يعرف أن العراق ولبنان واليمن وسوريا انتهى أمر كل منها «كدولة»، فلا حكومة ولا جيش ولا برلمان، وهذا ما فعلته إيران عن طريق وكلائها الذين هدموا تلك الأركان حين مدتهم بالسلاح والتدريب، ومكنتهم مادياً، ونجحوا بالتهديد وبالترغيب وشراء الذمم في أن يسيطروا على الدولة، فأصبحت لهم الكلمة الأخيرة فيها، وبإمكانهم الآن أن يحرقوا البلد لو شاءوا.
وتملك إيران ترسانة أسلحة في هذه الدول الأربع، وعمليات التهريب ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وهي مستعدة لأن تملأ مخازنها هناك كلما فرغت، وجيوب قيادتهم إن فرغت، ما دام وقود الحرب حفنة من العرب «السذج» الذين صدقوا أنهم يخوضون حرباً دينية ينالون بها الجنة!
وقد كان واضحاً أن حماس العراقيين البسطاء الذين حاصروا السفارة الأميركية حماس مفرط، لأنهم يظنون أنهم فعلاً يواجهون «الشيطان الأكبر»، تتقدمهم القيادات التي ملأت جيوبها من الأموال الإيرانية، كالخزعلي والمهندس والعامري، يتبعهم فقراؤهم من النساء والرجال الطامعين في الجنة، غرر بهم كما غرروا بالشباب الذين التحقوا بـ«داعش». 
المفارقة أن الترسانة الإيرانية المخزنة في الأراضي العربية معلوم حجمها، وأماكن تخزينها، وعدد عتادها، ومرصودة تحركات قياداتها للأميركيين، ولهذا كانت دقة الإصابة لقاسم سليمان دليلاً واضحاً؛ نقلتها إيران لتلك المواقع كما تنقل النملة مخزونها الغذائي، تحت سمع وبصر الأميركيين، حتى إذا ما اكتمل النقل، واعتقد النظام الإيراني أن الدنيا دانت له، بدأت عملية تقليم الأظافر، وإعادة التوازنات للمنطقة. ومثلما قادت الحماقات صدام حسين لحتفه، وأنهوا ترسانة الأسلحة العراقية التي كان يخزنها، اليوم جاء الدور على إيران، إنما الفارق أن النظام الإيراني أذكى من النظام العراقي، فإيران جهزت القرابين التي ستضحي بها كي تنجو هي وجيشها ومؤسساتها، لذلك ستقدم ترسانتها ووكلاءها ومن تبعهم من «المؤمنين» أولاً، حتى إذا ما انتهت دون نتيجة بعدها، ستبدأ هي بالتنازلات من أجل البقاء. وإلى أن تحين تلك اللحظة، فستضحي إيران بكل عربي في العراق ولبنان وسوريا واليمن مؤمن بولاية خامنئي عليه.

الكاتب:سوسن الشاعر – المصدر: الشرق الاوسط