حرية أم ارتزاق ؟!

32

من حق تركيا أن ترسل قواتها إلى حيث تعتقد أنها تخدم مصالحها، وليس من حقنا رفض ما تقرره، ما دمنا لسنا طرفا فيه، ولا نتأثر به. ومن حق رئيسها أن ينتزع دورا خاصا بها في نظام دولي جديد يتخلق في منطقتنا والعالم، ويريد احتلال موقع فيه، وإن أدخل بلاده في تجاذبات تتصل بالأدوار التي يريدها لها، وبردود الأفعال على ما قرر اقتطاعه من  مساحات جغرافية وسياسية في البحر المتوسط، الذي لا يستبعد أن ينقلب التنافس عليه إلى صراع يبدو أن أردوغان قرر خوضه، لاعتقاده أن بلاده تمتلك فائض قوة يمكّنها من فرض أجندتها في صراع الإرادات الذي استعر بين دول البحر الابيض المتوسط، بعد اتفاقه مع الرئيس فايز السراج على تقاسم ما فيه من غاز، لم تعد أنقرة تطيق أن يقتصر نصيبها منه على رائحته وحدها، وخلو شواطئها منه في ظل امتلاء بحر الآخرين به، بمن فيهم المجاورين لتركيا.

وكان رئيس تونس الراحل بورقيبه قد أصيب بقلق مماثل لقلق الرئيس أردوغان، وهو يتأمل بحسد وفرة نفط الصحراء في ليبيا والجزائر، وخلو تونس منه، وحين طالب بجزء من صحراء ليبيا، وسمع قرقعة سلاح جيش المليون شهيد الجزائري عبر الحدود، صاح بيأس: يعني تونس وحدها طاحت من السما بلا صحرا! ولو قيض لرئيس أنقرة أن يعبر عن موقفه من خلو تركيا من الغاز لصاح بغضب: يعني تركيا وحدها طاحت من السما ببحر بلا غاز!

ليس من حقنا رفض سياسات الآخرين، إذا لم نتأثر سلبيا بها، وتهدد أمن وسلام العالم. وليس من حق غيرنا أيضا أن يزج بنا في حرب اقتصادية يريد لنا خوضها بوسائل عسكرية، نيابة عنه، ويعلم الله وحده إن كانت ستنتهي خلال قرننا الحالي، وكم مليون إنسان سيقتل فيها، ومن هي الأطراف التي ستخوض معاركها إلى جانب تركيا ومصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا وإيطاليا وتونس والجزائر والسودان وأميركا… الخ، وهل ستكون حرب الأعوام التسعة السورية مقارنة بها غير مجرد مقبلات خفيفية تسبق عادة الوجبات الثقيلة، والدليل وصول طباخين سوريين إلى فرنها الذي ستلتهمهم نيرانه، إن كانوا من الناجين من أفران صيدنايا وحمص والجوية والعسكرية …الخ، لكنهم ذهبوا، أو أرسلوا، إلى حرب لا شأن لهم بها، ولن ينالوا منها غير ضياعهم بين أرجل جبابرة لن يتردّدوا في حرق الأخضر واليابس بأجسادهم، ومواجهة كل واحد منهم بعشرات المرتزقة الدوليين، الذين تدفق آلاف منهم إلى ميدان القتل الليبي.

لا يقترب الحلّ من سورية، فهل سئمت الحرب تحقيقه، وقررت الهجرة إلى ليبيا، حيث سيبلغ التدمير حدوده القصوى بالأسلحة التي دمرت سوريا، بعد أن جربها جيش ومرتزقة بوتين فيها، وأعادت معظم مناطقها إلى العصر ما قبل الحجري، مع أنها لم تترك فيها حجرا على حجر؟ وهل أخذت الحرب معها إلى ليبيا المنكوبة بقايا الدم السوري، الذي نزف إلى أن صار شحيحا، وتحتاج سوريا إليه، كي لا تهزم الثورة بالسلاح أو بالحل، ويخرج الشعب، الذي قدم مليون شهيد على مذبح حريته صفر اليدين من معركته لاستعادة وطنه من غاصبيه، الذين لن يقروا بحقه في تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي، إذا ما تخلى الذاهبون إلى ليبيا عن مكانهم على خط النار، وتحولوا إلى مرتزقة يتخلون عن قضيتهم،  ويذهبون إلى حرب لا ناقة لشعبهم فيها ولا جمل، ترسلهم إليها جهة غير سورية، ليخوضوا حربا لم يقرروها، طرفها الآخر شعب ليبيا، الذي يحتاج إلى مساعدته على نيل حقوقه، عبر حل يحقق له ما نطالب نحن أيضا به من حرية وعدالة وحكم قانون، بدل أن ننخرط في حرب عليه لن يترتب عليها غير تكثيف آلامه، وانتهاك حياته، وتدمير وطنه، فهل من أجل هذا قامت الثورة السورية؟ وهل يجوز أن نسكت على المشاركة في حرب هدفها شعب عربي ليس، ولا يجوز أن يكون، عدوا لنا؟ وهل ممثلونا الرسميون موافقون على هلاك من بقوا أحياء من شباب سوريا، أم هم خائفون من إعلان موقفهم، وفي هذه الحالة: على ماذا يخافون؟ وهل فقدوا الجرأة على مطالبة تركيا بإرسال جنودها وضباطها إلى حرب قرر رئيسها خوضها، ويخشى أن يرسلهم إليها، لاعتقاده أنهم سيواجهون أخطارا ستكون لها ارتدادات انتخابية سلبية عليه؟

هل نسي الممثلون أنهم لا يسيطرون إلا على قرابة ١١ بالمئة من مساحة وطنهم، ويحتاجون إلى كل سوري للدفاع عن ملايين المواطنين العزل المحاصرين فيها، ويتعرضون للتهجير والقتل اليومي؟ وهل نسي الذاهبون أن الحرية هي هدف الثورة السورية، وأن معركتها تستهدف كل من ينتهكها، في بلادنا وأي بلاد، وأن الثوري لا يعتدي على من يطالبون بها ويضحون من أجلها، وأن ما يجب ان يجمعه بأهلها هو الدفاع عنهم، وليس الفتك بهم، واجتياز البحار لقتلهم.

أيها السادة، انتبهوا، فقد صرنا على مشارف تطور سيجبرنا على ان نقول في فترة غير بعيدة: وداعا يا حلمنا الجميل، وداعا يا ثورة الحرية!

 

الكاتب:ميشيل كيلو  – المصدر:بروكار برس