«حزب الله» في سورية… الصواريخ في لبنان

15

36750619hezbollah_syria_feb2014

بعيداً من التبسيط في تقصي الأسباب التي دفعت «حزب الله» إلى إعلان تعرّض أحد مواقعه للغارة الإسرائيلية ليل الإثنين الماضي، خصوصاً أن الحزب مشارك في الحكومة اللبنانية الجديدة، ويصر على دور المقاومة، فالأكيد أن تمسكه بثلاثية «الشعب، الجيش والمقاومة» لإدراجها في البيان الوزاري، سيجد عذراً جديداً في الاعتداء الإسرائيلي.

 

 

وأما تلويح «حزب الله» بردّ في «الزمان والمكان المناسبين» فإن كان مؤجّلاً نتيجة انغماسه في وحول الحرب السورية «لئلا يأتي التكفيريون إلينا»، فالأرجح أنه بيان صريح بجاهزية الحزب لسيناريوات تُخرِج الصراع في سورية وعليها، من سياقه الراهن- معركة وجود للنظام ومعركة وجود للحزب- إلى جبهات جديدة.

 

 

وإذا كان للسؤال حول دوافع «حزب الله» ليخرج عن صمته بعد ساعات طويلة على الغارة ما يبرره، خصوصاً وهو يقاتل مع النظام السوري «عدوّاً مشتركاً» أي «جماعات التكفير والإرهاب»، يصبح السؤال أكثر إلحاحاً إذ تمتنع حكومة بنيامين نتانياهو عن تبرير الغارة الجوية، لكن رأسها يَعِد عملياً بالمزيد «دفاعاً عن أمن مواطني إسرائيل».

 

 

ليست تلك، الضربة الجوية الإسرائيلية الأولى منذ الانتفاضة في سورية، والتي تطاول أهدافاً للحزب أو مواقع سورية، لكن موازين القوى تبدّلت بعد ثلاث سنوات من عمر الصراع، فيما إسرائيل لم تبدّل استراتيجيتها: بقاء الرئيس بشار الأسد أو رحيله شأن شعبه، والجولان خط أحمر، وكذلك عدم السماح لـ «حزب الله» بنقل منظومات صواريخ إلى لبنان، تمكّنه من امتلاك اليد الطولى في الرد على أي سيناريو لحرب إقليمية.

 

 

رغم ذلك، تتعامل الدولة العبرية مع «عاصفة يومية» على «كل محاور القتال»، ورغم تقديرات ترجّح تفادي الحزب الرد على أي غارة، بسبب تعقيدات تورطه بالقتال على الأراضي السورية، يجدر احتساب احتمالات التصعيد، في ظل تأهب النظام في دمشق لزحف المعارضة من درعا جنوباً، بالتنسيق مع «غرفة العمليات المشتركة» في الأردن. تندرج كذلك احتمالات استخدام «حزب الله» المنظومة الصاروخية البعيدة المدى التي تعتبر إسرائيل أنه بات يمتلكها، وينقلها إلى لبنان، حتى إذا حانت حرب إقليمية محدودة، وتدخّلت الدولة العبرية لمنع مفاجآت مع انهيار النظام في دمشق، أمكن للحزب أن يقول كلمته.

 

 

لكن هذه المعركة تفترض أولاً تحركاً عسكرياً غربياً كذاك الذي قد ينجم عن رفض النظام السوري التعاون في تأمين الإغاثة للمدنيين المحاصَرين، أو رفضه وقف الإبادة بالبراميل المتفجّرة. ومرة أخرى تعيد تعقيدات المأساة السورية الملف إلى المربع الأول، فلا مطرقة الفيتو الروسي ستختفي ببساطة لأن الكرملين شاخص الأبصار إلى أسوار أوكرانيا وصخبها، ولا الغرب متلهّف على وقف الإبادة وجرائمها، بعد سقوط حوالى مئة وأربعين ألف قتيل.

 

 

وأما «لا» الثالثة، فلعلها كما توحي القراءات الإسرائيلية، رفض الدولة العبرية الانصياع إلى أمر واقع تفرضه ترسانة «حزب الله» الصاروخية الجديدة. فالحزب يُقلِق إسرائيل فيما لا يزعجها تقاتُل الإسلاميين والأصوليين والتكفيريين والإرهابيين في سورية، ولا استمرار المذبحة الكبرى وتدمير ما بقي من هذا البلد. يُقلِق إسرائيل أن تتضخّم ترسانة «حزب الله» بحجم عتاد دولة، فيما لم تُحسَم بعد رهانات كبرى، مثل مفاوضات الملف النووي لإيران، وأي دور للحزب تريده طهران بعد التطبيع مع الغرب، وأي دور له تريده في سورية… في مواجهة ما يسمى «هجوم الربيع» انطلاقاً من درعا.

 

 

وسواء انتقل نصف صواريخ الجيش السوري أو ربعها إلى «حزب الله» في لبنان، أم كانت حملة التبريرات الإسرائيلية مجرد مبالغات للتمهيد لضربات «احتواء» جوية، فالحال أن الدولة العبرية تمدّد تعبئة بلا أجل، في ظل أفق مسدود لقطار جنيف، ومشاريع صفقات مؤجّلة. وفي إسرائيل مَن لا يُسقِط احتمال أن يقع «حزب الله» في ما وقع فيه عام 2006، من دون أن يقدّر العواقب.

 

 

وإذ بات لبنان باحة خلفية للحرب السورية، وبات القتلُ مشهداً عادياً في المنطقة، يكرّر ذاته بالمئات يومياً، السوري يُقتل بيد السوري، والعراقي بقنّاصة العراقي، واليمني بقذيفة اليمني، والليبي ببندقية الليبي، مَنْ سيعتَب على إسرائيل إذا أطبَقَت على لبنان بذريعة تدمير الصواريخ، فيما «حزب الله» في سورية، باقٍ «حتى النصر»؟

 

زهير قصيباتي