حقوق الإنسان في سورية إلى أين في ظل الانتهاكات المستمرة وهل من منقذ؟!

56

من أبرز القضايا التي طفت على السطح منذ 2011 على المستوى الإقليمي والعالمي، قضية الانزلاق الخطير في انتهاكات حقوق الإنسان بصورة هزّت الضمير العالمي من خلال تتالي الانتهاكات الجسيمة لحقوق المدنيين في أغلب المناطق السورية، وهي ممارسات تحدّثت عنها الأمم المتحدة على أنها ترتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية، وهذه التجاوزات ليست صنيعة جهة واحدة بل تداخلت فيها السلطة وأنظمة وقوى أجنبية، ومليشيات وعناصر إرهابية حملت أسماء متعدّدة، وظلّت هذه الجرائم تمر دون عقاب من المجتمع الدولي ودون نجدة حقيقية للضحايا من قبل هذا المجتمع.
برغم كل المواثيق الدولية المتعلّقة بحقوق الإنسان والشعوب والتي ضربت بها أطراف عدة عرض الحائط، في وقت تسعى الأمم المتحدة جاهدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه انطلاقا من المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكل قراراتها في هذا الشأن.
وما فتئ المرصد السوري لحقوق الإنسان كمنظمة حقوقية سورية، يواصل جهوده لمتابعة ورصد مختلف التجاوزات وفضحها، بغية النجاح في التأثير على الرأي العام الإقليمي والدولي لمزيد التكاتف لصون كرامة الإنسان وحقوقه ولمحاسبة المتجاوزين للقوانين الدولية، ويدعو إلى وضع خطة وإستراتيجية واضحة تجرّم منتهكي هذه الحقوق في سورية خاصة في ظلّ تواصل الصراع واحتدام المعارك في عدة مناطق ما سهّل القيام بالانتهاكات التي لم تستلم منها النساء والأطفال وكافة المواطنين العزّل.
ويرى المعارض السياسي دنان الدبس، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه طالما عانى الشعب السوري ويلات انتهاك حقوق الإنسان منذ أكثر من ستين عاما ولا يزال، وزاد المشهد ليكون أكثر مأساوية بعد اندلاع الاحتجاجات على السلطة السورية ومنظومتها الأمنية عام 2011 ليصبح شعار حقوق الإنسان تحت ‘بسطار’ الجيش والأمن السوري، وكذلك الجماعات الإرهابية، والذي زاده حدّة وأجّج ناره الصراع المسلّح الكارثي الذي ساد البلاد كلها إضافة إلى الفلتان الأمني وتفشّي ظاهرة السلاح في كافة الأرض السورية ، حتى بات الحديث عن الحقوق أحد ترهّات المأساة السورية في ظل العنف والعنف المضاد .
ويقول الدبس،إنّه في خضم المأساة أصبحت مطالب السوريين وقف الحرب والقتل والفلتان الأمني أكثر من مطالبتهم بحقوقهم وخاصة عندما لاح الانهيار الاقتصادي للدولة وتراجعت قيمة الصرف لليرة السورية إلى درجة الانهيار ما يعكس حالة الإفقار الشديد للغالبية العظمى من المواطنين السوريين .
واعتبر المعارض السوري أن ذلك بالطبع في خدمة السلطة وتوابعها في تمييع الحقوق وطيّ الانتهاكات حيث يصعب في مثل هذه الظروف الوصول إلى العدالة ومبتغاها لتتحوّل من انتهاك سلطة مستبدة إلى انتهاكات بالجملة تتشارك بها السلطة مع قوى التدخل الخارجية بجيوشها وميليشياتها فتصبح المساءلة ضمن لعبة الحلول السياسية المرتجلة إقليميا أو المشرعنة أمميا، بعد أن باتت المصالحات “الوطنية” هي الصوت الذي يعلو الحق والعدالة والمحاسبة لأنها ستخدم جميع الأطراف التي تلوثت أياديهم بجرائم ضد الإنسانية ناهيكم عن جرائم حرب موصوفة من جميع الأطراف من حملة السلاح وعلى رأسها السلطة الديكتاتورية الحاكمة.
وأردف:” الحروب وآثارها على الشعوب ليس من السهل نسيانها أو تناسيها لأنها ستتمدّد لأجيال في ظلّ عدم المحاسبة وستظل تؤرق حال المُنتهكة حقوقهم خاصة أن سورية فيها أرقام مهولة من المعتقلين والمختطفين والمغيّبين قسريا من قبل السلطة والفصائل الإسلامية الجهادية” .
واستطرد قائلا: “لا يخفى عن أحد أن المساءلة والعدالة تتطلب عملا وجهدا لتوثيق ما سبق وهذا ما يعمل عليه نشطاء ومنظمات حقوقية في سورية حيث لايتجاوز حد الفعل لديها سوى التوثيق وهذا في حد ذاته مهم جدا لكنه لا يرقى إلى المحاسبة الجادة مع ما يتطلبه ذلك من إنشاء محكمة لجرائم الحرب والانتهاكات الإنسانية في سورية تكون قادرة على تحقيق العدالة دون تسييس والتي تحتاج إلى تكاليف مادية باهظة هذا في حال تم إقرارها أمميا وهذا مستبعد جدا ومحض خيال لمعرفتنا بمآلات الوضع الدولي والصراع الدولي الاقتصادي بين قطبين أحد أطرافهما الولايات المتحدة والآخر روسيا والصين، ناهيك عن التعقيد الاقليمي للوحة الصراع في سورية إيرانيًّا وتركيًّا بشكل رئيسي”.
وأوضح عدنان الدبس أنه يجري تغييب فاضح للانتهاكات في سورية وتعتيم فاقع لمصير المعتقلين والمغيبين قسريا إلى حين أن تحط حرب المصالح للمتدخلين أوزارها ويتم التوافق على حل يفضي إلى إنهاء الأزمة السورية ، وهذا ما سوف يكون على حساب العدالة والمحاسبة بكل تأكيد.
ويختتم قائلا، ” عملية الحلّ السياسي التي بات ذكرها ممجوجا في سورية ميعتها القوى الدولية المتفقة على الأزمة السورية والمختلفة على مصالحها في قضايا دولية يدفع السوريون ثمن تلك الاختلافات قتلا ونزوحاً وتهجيراً واعتقالاً ليصبح طلب العدالة والمحاسبة بعيد المنال، وليس بريئا أبدا ظهور مصطلح العدالة التصالحية في إحاطة المبعوث الأممي أمام مجلس الأمن وفي أروقة وزارات خارجية الدول المتدخلة لطمس الجرائم والانتهاكات بحق الانسانية في سورية”. .
بدوره يعتبر الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السوري عبد الله حاج محمد، في حديث مع المرصد السوري، أن من السخف التكلّم عن حقوق الإنسان في بلد مزّقته أكثر من عشر سنوات حرب طاحنة شنّت على الشعب السوري بعد أن طالب بحرية تكفلها كافة الشرائع السماوية والأرضية.
وأّكد حاج محمد، أن حق الحياة وحق الأكل وحق المسكن قد تم سلبهم في سورية،. واصفا الوضع بالسيّء جدا في كافة المناطق السورية بدون استثناء مع سطوة الفصائل المسلحة وقوات النظام، موضحا أن” مناطق سيطرة بشار الأسد هي الأسوأ، حيث لم يتراجع النظام قيد أنملة عن سياسة القبضة الحديدية التي اتّبعها منذ عام 1970 برغم الثورة” ، وأقول “إنّ روسيا وإيران لا يعترفان بحقوق الإنسان، والنظام متسلح بصمت الدول التي تتدّعّي حماية حقوق الإنسان من أي انتهاكات”.
ولفت القيادي اليساري إلى أن التقارير الواردة من مناطق سيطرة الإدارة الذاتية ومناطق هيئة تحرير الشام تؤكد على الانتهاكات الجسيمة بحق المواطن السوري في تلك الرقع الجغرافية.
وعن محاسبة منتهكي حقوق الإنسان، يفيد محدثنا بأن المحاسبة قادمة لا محالة لا سيما وأن الشعب السوري لا يزال مصراً على نيل حقوقه وإقامة دولة العدل والقانون والديمقراطية والتعددية بعيدا عن الحكم والرجل الواحد.
وبخصوص الصمت الدولي إزاء الانتهاكات الفظيعة، ذكر محدثنا أن النظام ينتهك الحقوق منذ أكثر من خمسين عاماً وكان المجتمع الدولي يرعاه ويحميه من السقوط.
بدورها شددت الناشطة في مجال حقوق الإنسان لارا عيسى، في حديث مع المرصد، على ضرورة الاستمرار في بذل الجهود الكافية للكشف عن الحقيقة وتحقيق العدالة والتعويض لضحايا حقوق الإنسان في بلد مفكّك دمرته الحرب وشردته طيلة 11 عاما، لافتة إلى أن الوضع الحقوقي في سورية صعب للغاية ووجب الوقوف عنده لا للتنديد والتوثيق بل أيضا لإيصال المعاناة والمأساة إلى المجتمع الدولي ولفتح تحقيقات وكشف الحقائق ومحاسبة المجرمين من مختلف الجهات.
وأضافت الحقوقية، أن العنف الذي تفاقم وأمسى حربا وأدى إلى مقتل الآلاف من السوريين، وتشريد الملايين بين لاجئين ونازحين ، وجب إيقافه ومحاسبة مرتكبيه، مشيرة إلى أن من المؤلم أن تتحول ثورة سلمية إلى نزاع مسلح “متأسلم” دمار سورية وتخريبها .
وتابعت، ” الحقوق مهضومة ومعدومة في ظل الحرب المجنونة وسيطرة الفصائل الإرهابية المجرمة واليوم نكافح لكشف الحقيقة ومحاسبة المنتهكين “.
ودعت لارا عيسى الحكومة السورية إلى الكشف عن جميع أماكن المحتجزين وتقديم لوائح كاملة بأسماء جميع المختفين والمسجونين والسماح لأهاليهم بالتواصل مع أسرهم وزيارتهم للتخفيف من معاناتهم المريرة طيلة سنوات.
واعتبرت أن من غير الإنساني إن يُسجن شخص من أجل رأيه وكلمته، مطالبة المنظمات الحقوقية بالتدخل لتعرية الوضعية الخطيرة لحقوق الانسان في سورية حتى يعلم العالم ماذا يعاني السوريون في صمت وألم.
وختمت بالقول: ” لا شيء أغلى من الفكرة الحرة والرأي الحرّ وأن تعيش في بيئة ديمقراطية تعبّر بسلام ولا تقتل ولا تجرّ إلى مراكز الأمن للتحقيق معك والتنكيل بك..”