حقيقة برامج دعم النازحين: نصفها للبنانيين.. والأزمة في الدولة

38
ثلاث سنوات من عمر أزمة لبنانية لم تتّضح معالم حلِّها بعد، وَجَدَت في النازحين السوريين “فشّة خلق”، وشمّاعة تُعَلَّق عليها مسؤولية عدم توفُّر فرص عمل ورواتب لائقة. ومع عِلم اللبنانيين أن جذر أزمتهم داخليّ، إلاّ أن خاصرة النزوح الرخوة تستقطب نقمتهم. وتصويباً للمسار، يقتضي التوضيح أن برامج دعم النازحين السوريين لا تشملهم وحدهم كما يُصَوَّر، بل تشمل البيئة التي يعيشون فيها، ومن ضمنها اللبنانيون.

استجابة مزدَوَجة
أكثر من جهة دولية تعمل على خط مساعدة النازحين السوريين وتنمية البيئة المحيطة بهم. لكن أكبر البرامج تنفِّذها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين UNHCR. وتعمل المفوّضية على تأمين الخدمات الأساسية، التعليم، حماية الأطفال، المياه (الشرب، الخدمة، الصرف الصحي)، الأمن الغذائي والزراعي، الصحة، سبل العيش، المأوى، حماية الأطفال، الاستقرار الاجتماعي.. وغيرها من الاحتياجات ضمن برامج مستمرة.

واللافت للنظر أن تلك الخدمات تؤمَّن لنحو 3.2 مليون شخص. فهل كلّهم سوريون؟

حسب أرقام برنامج الاستجابة لأزمة النزوح للعام 2022 (نسخة العام 2023 لم تصدر بعد)، يستفيد عدد متساوٍ من اللبنانيين والسوريين، وتحديداً 1.5 مليون لبناني و1.5 مليون سوري. بالإضافة إلى 29100 فلسطيني قادم من سوريا و180 ألف فلسطيني في لبنان.

تتنوَّع طرق الاستفادة بين اللبنانيين والسوريين. وهذا ما يؤدّي لنقمة الكثير من اللبنانيين على السوريين الذين يحصلون على أموال شهرية بالدولار. لكن التدقيق في برامج المساعدات، تُفضي إلى أن ما يحصل عليه السوريون، لا يؤخَذ من درب اللبنانيين، بل على العكس، يحصل الأكثر فقراً من اللبنانيين على مساعدات بالدولار من ضمن المشروع العام لخطة الاستجابة.

ويشرح مصدر إداري مشرف على تنفيذ برامج الـUNHCR أن النازحين “يحصلون على قسائم لشراء مواد غذائية وعلى تغطية صحية مموَّلة من الخارج وليس من الدولة اللبنانية. وباستثناء هذه الخدمات، يستفيد المجتمع المحيط بالنازحين من باقي الخدمات بشكل مباشر وغير مباشر، إن على مستوى الأفراد أو المؤسسات الخاصة أو البلديات”.

استفادة متعدّدة الأقطاب
من الزراعة والمساكن والتعليم وغيرها، يحصل اللبنانيون على مساعدات كثيرة. أمّا البلديات، فلها حصّة كبيرة من التنمية. وليس سرّاً أن الكثير من البلديات “تحصل على مساعدات تتخطّى ما هو مرصود من برامج الاستجابة، بحجّة عدم قدرتها على تمويل ما يُناط بها من مسؤوليات حيال المشاريع المنَفَّذة ضمن نطاقها الجغرافي”، يقول المصدر لـ”المدن”. ومع إعلان البلديات عجزها “تضطر الجهات المنفِّذة للمشاريع، إلى دفع تمويل إضافي”.

ولتسليط الضوء على تلك البرامج، يعطي المصدر أمثلة تبيِّن بوضوح استفادة اللبنانيين اقتصادياً واجتماعياً. فمن ضمن برامج الأمن الغذائي “هناك مشاريع زراعية يستفيد منها السوريون عبر حصص غذائية زراعية، لكن المشاريع تُنَفَّذ بأراضٍ يملكها لبنانيون، فيؤمِّن البرنامج اليد العاملة السورية، ويدفع أجرتها اليومية ويحصل صاحب الأرض مجاناً على معدّات ومستلزمات زراعية”. وأصحاب المزارع الحيوانية يستفيدون أيضاً إذ “يقدِّم المموِّل مستلزمات ولقاحات للحيوانات، إلى جانب توفير اليد العاملة السورية”.

أيضاً، هناك مشاريع مموَّلة لتأهيل الأراضي الزراعية للأفراد ومشاريع لتأهيل أراضٍ تابعة للبلديات بهدف الاستفادة منها زراعياً. وفي بعض المناطق، جرى استصلاح الأراضي وتركيب خزانات وبرك لمياه الريّ، وتعهَّدَت البلديات بتأمين كميات من الأتربة، لكنها لم تؤمِّنها، فبقيت الأراضي على حالها، ولم يستفد العمّال السوريون الذين كان من المفترض تشغيلهم في تلك الأراضي. ولم تحصل الجهات المموِّلة على إجابات واضحة من البلديات حول عدم وفائها بالتزاماتها، رغم أن المشاريع كانت قبل الأزمة الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة”.

فضلاً عن ذلك، استفاد اللبنانيون من برامج موَّلَت تعاونيات زراعية ومشاريع تحضير المونة بمشاركة يد عاملة سورية مدفوعة الأجر. وهي كلّها برامج تحت عنوان تدعيم البيئة الحاضنة للنزوح”.

مناصفة وتوظيف
وللمشاريع البيئية حصّتها من التمويل، فجزء أساسي من برامج الدعم تطال تنظيف الشوارع ومساحات واسعة تحيط بتجمّعات النازحين في القرى والبلدات والمدن “وتستفيد البلديات من توفير يد عاملة مجانية، بالإضافة إلى توظيف عمّال لبنانيين بأعداد توازي العمّال السوريين. والمناصفة أتت استجابة لتفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وكجزء من المساهمة في دعم العمّال اللبنانيين، إذ كانت نسبة اللبنانيين قبل الأزمة تصل إلى نحو 30 بالمئة من مجمل أعداد العمّال، وذلك لعدم مبادرة اللبنانيين للعمل في التنظيفات”.

وكما جرى تعديل نسبة التوظيف “تم رفع الأجر اليومي من 30 ألف ليرة إلى 50 ألف ليرة، ثم إلى 7 دولارات حالياً، تقبض نقداً”. ومن ضمن ملف التنظيفات “تحصل البلديات على بعض المعدّات، ويدفع برنامج التمويل كلفة المحروقات للآلات المستخدمة، أي لا تدفع البلديات أي شيء، بل تحتفظ بالمعدات المستعملة بعد انتهاء المشروع”.

بالتوازي، هناك برنامج يتعلّق بالمسكن، وتقوم على التعاقد مع لبنانيين يملكون منازل غير منجزة بالكامل، وتقوم الجهة المموِّلة بإنهاء الأعمال المطلوبة في المنزل، وبقيمتها يتم تأجير عائلات سورية لفترة زمنية، ثم يستعيد المالك منزله، وإن أراد يمكنه تجديد العقد ببدل إيجار يدفع شهرياً حسب الاتفاق.

المساعدات لا تشمل كل السوريين
نقطة التركيز الأساسية على المشاريع المتعلّقة بالنازحين، هي دفعها مبالغ مالية بالدولار. علماً أن اللبنانيين يستفيدون بمبالغ مشابهة “عبر برامج الحماية الاجتماعية للعائلات الأكثر فقراً وبرنامج شبكة أمان الذي تديره وزارة الشؤون الاجتماعية. وهذه البرامج هي من ضمن خطة الاستجابة للنزوح لتخفيف العبء على البيئة المحيطة”.

وكما أن المساعدات الاجتماعية لا تشمل كل اللبنانيين، بل مَن تنطبق عليهم الشروط المطلوبة “كذلك لا يحصل كل النازحين السوريين على المساعدات ومن ضمنها المبالغ المالية والحصص الغذائية. فالجهات المموِّلة لديها لوائح بأسماء يتم تعديلها سنوياً، وتتضمَّن عدد أفراد الأسرة والحالات الصحية والاجتماعية داخلها، وإذا ما كان هناك مرضى أو كبار السن.. وقد تفقد بعض العائلات حقّها بالاستفادة.

ومن شروط التمويل تنويع الأسماء المستفيدة. كما أن مَن يثبت من السوريين حصوله على إجازة عمل في لبنان، يفقد حقّه بالحصول على المساعدات. فالقول بأن كل السوريين يحصلون على أموال ومساعدات، غير دقيق، فمن مصلحة الجهة المموِّلة توفير الأموال وعدم تبديدها”.

استهتار الدولة
تتعامل الدولة اللبنانية باستهتار مع الأزمة الاقتصادية، وكذلك مع أزمة النزوح منذ العام 2011. وعوض تأمين الأرضية الملائمة لامتصاص الاحتقان بين النازحين والبيئة المضيفة، تعزّزها لتحويل الأنظار عن فشلها في إدارة الأزمة المستمرة منذ 3 سنوات، فيلتقي الغضب اللبناني بالحلقة الأضعف، أي النازح السوري الذي يعاني أيضاً. إذ تسجّل تقارير الأمم المتحدة أن “حوالى 60 بالمئة من العائلات السورية تعيش في مساكن معرّضة للخطر أو من دون المعايير المطلوبة. كما أن بدلات الإيجارات للمساكن ارتفعت في جميع المحافظات اللبنانية، ناهيك عن آثار التضخّم وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبذلك اضطر ثلثا العائلات السورية إلى تقليص حجم حصص الطعام أو تقليل عدد الوجبات المستهلكة يومياً”.

المصدر: جريدة المدن