حكايات المعتقل، يكتبها غسان الجباعي على حلقات – الحلقة الأولى

60
حكايات المعتقل، يكتبها غسان الجباعي على حلقات
حكايات المعتقل، يكتبها غسان الجباعي على حلقات
غسان الجباعي
سجن تدمر- 1984

لن أنسى ذلك اليوم النادر الذي فتحوا فيه أبواب جميع المهاجع في سجن تدمر العسكري، بما في ذلك مهاجع الإخوان المسلمين، وطلبوا من الجميع أن يجلسوا على أرض الساحة، بمحاذاة الجدار الذي يحيط بكل مهجع. كان يوماً مشمساً، وكان مجرد الجلوس عقوبة لمعتقل يشتهي أن يتحرك ويمشي تحت الشمس.
كان الغموض يسيطر على الموقف. فالحراس الذين يعتلون سطح المهجع كانوا أكثر مما يجب.. والملفت أيضاً أنهم ثبتوا مكبّرات صوت بدائية خلف الأسلاك الشائكة التي كانت تحجب، حتى سماء الساحات، تحسباً لأي هجوم محتمل من الفضاء..
تبين لنا أخيراً أنهم سيبثون لقاءاً صحفياً للسيد رئيس الجمهورية «حافظ الأسد»، تجريه صحيفة أمريكية، لم أعد أذكر اسمها.. وما إن بدأ البث حتى وقف حراس السطح باستعداد، وطلب منا الحارس الأرضي أن نقف أيضاً، فوقفنا.. وخيم علينا صمت غامض مُقلق، وتوقنا جميعاً أن نسمع خبراً هاماً.. وتتالت الأسئلة والأجوبة نحو ساعة، ونحن نقف باستعداد وننتظر.. كان عدد مهجعنا فقط أكثر من 70 رجلاً, وكان عدد السجناء في تدمر وحدها، يفوق 10000 رجلاً وطفلاً وامرأة..
وكم كانت دهشتنا كبيرة عندما سألته المذيعة عن آلاف المعتقلين السياسيين في السجون السورية، وقال لها بالحرف: «لا يوجد لدينا معتقلون سياسيون في سورية. هذه الدعايات جزء من الحملة الإمبريالية الصهيونية المعادية لنا»…
لم نجرؤ على النظر إلى الحراس أو حتى في وجوه بعضنا.. كدنا نصدق أننا غير موجودين, وأن ما يقوله الأب القائد، على الملأ، هو الحقيقة! لكن الحارس الأرضي، ما إن انتهى اللقاء حتى صرخ بنا مستعجلاً: على المهجع.. يا لله فوتوا على المهجع.. بسرعة.. لكنه قال ذلك محاولاً ألا ينظر في عيوننا..