حين يكون الاعتقال السياسي عقاب السلطة لكم الأفواه الثائرة

33

لطالما كان الاعتقال السياسي في كثير من بلدان العالم أداة الدولة لمعاقبة معارضيها وقمع الأصوات الحرة المطالبة بنظام ديمقراطي شفاف وبكرامة إنسانية وبتوفير أبسط مقومات الحياة الكريمة التي تنص عليها القوانين الدولية.. في تلك البلدان يعتبر الصوت الحر نشازا من شأنه أن “يشوّش على سياسة السلطة” ويزعج سباتها العميق وحرصها على جعل الشعب آلة تستهلك وتعمل دون أن تعبّر وتطالب.
ولم تكن سورية استثناءً في العيش صلب نظام ديكتاتوري، لكن ماعاشه شعبها منذ 2011، كان كارثة لا يمكن أن تمرّ بسلام أو يطويها النسيان بعد قتل الألاف من أبنائها الحالمين بالحرية والكرامة، وتشريد ألاف آخرين، علاوة على الاعتقالات التعسفية والتغييب القسري لآلاف لا نعلم مصيرهم إلى اليوم.

ولم يعرف النظام السوري غير أسلوب القمع والاعتماد على آلة التغييب في تعامله مع معارضيه من السياسيين والحقوقيين والطلاب، وبات الحديث عنهم قبل الثورة وبعدها “مناسباتيا” فقط، والأكثر إيلاما ومأساة أن تعمل المؤسسة القضائية قبل الثورة وبعدها في القضايا المتعلقة بالهبة الشعبية التواقة إلى الحرية والديمقراطية، تحت سلطة النظام وتكيّف أحكامها ضمن سياسته فتحوّل قضية الاعتقال إلى اتهام قانوني عنوانه التطاول على الوطن والخيانة والتهجم على سلطة قائمة.. لا نستغرب فعلا أن عالمنا الثالث البائس، تداس فيه مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الانسان وتدفن الإنسانية وتلبس اللون الأسود حدادا على أرواح أبرياء حلمهم أن يعيشوا أحرارا كما ولدتهم أمهاتهم.. فالنور عذب جميل، والنور ظل الإله، على رأي الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي،الذي حرض على الانتفاض ضد الاستبداد، إيمانا بقدرة الشعوب على الفكاك من كل عوامل الظلم والإستبداد: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد ان يستجيب القدر.
ليس قدرا أن يظل شعبنا بائسا يموت جوعا وفقرا وألما ومرتعا لكل من هب ودب.. مدارس تقصف، وأبناؤنا يزج بهم بين السجون ويدفن مصيرهم مع أنّات ذويهم..
ونحن في المرصد السوري لحقوق الإنسان نجدد الدعوة إلى أصحاب الضمير الإنساني العالمي والمنظمات الحقوقية إلى مواصلة الضغط والنضال لفك أسر أبناء الشعب السوري المعتقلين في غياهب السجون، الذين استجابوا لنداءات شعبهم المتكررة بعيش حر كريم واحترام آدمية الإنسان، انسجاما والتزاما بالمواثيق الدولية.
كما نجدد مطالبنا الأممَ المتحدة والمجتمع الدولي بالسعي إلى تنفيذ القرارات الأممية وخاصة تلك التي المتعلقة بالكشف عن مصير المعتقلين والمغيبين قسريا..
ويرى أمين سرّ اللجنة السوري للمعتقلين والمعتقل السابق مروان العشّ في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ماشوهد في معتقلات نظام بشار الأسد قبل وبعد الثورة مؤلم وقاهر، لافتا إلى ان ما وثّقته اللجنة بالتعاون مع المنظمات الحقوقية السورية قد أظهر أنّ أعداد المعتقلين لسورين لدى النظام والجهات الداعمة له ولدى الجهات الأخرى قد يفوق 300ألف معتقل ومخطوف ومختف قسريا.
وأفاد العش بأن النظام قد وقّع عديد الإتفاقيات الدولية منذ عقود من بينها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1969 واتفاقية منع التعذيب وغيرها إلا أنه لم يكن وفيّا لتلك الاتفاقيات، لافتا إلى أن تجاوزات النظام للخروقات قد تضاعفت مع قيام الثورة ضد الاستبداد والظلم وقد تمّ توثيق تلك الانتهاكات بالصور والفيديو والشهادات الحيّة لمعتقلين سابقين تخدثوا عن القتل والحرق والتعذيب وسوء المعاملة للمدنيين داخل المعتقلات؟
وأكّد المعتقل السابق ان الجهود الدولية لم تفلح في رفع مستوى قضية المعتقلين إلى أن يكون ‘فوق تفاوضي’ إنساني وحقوقي، بسبب تلاعب النظام بالملف والتقصير الدولي في إيجاد الحلول للملف الشائك.
وبحسب العش لا يهتم النظام ومن يدعمه بأيّ حلّ جدّي أو بادرة حسن نية تجاه الشعب السوري في ملفّ المعتقلين، معتبرا أن الحق الأخلاقي والقانونية يؤكد أهمية إطلاق سراح معتقلي ومعتقلات الثورة السورية، وهم معتقلو رأي وضمير، ويجب ضمان محاكمتهم في محاكم مدنية، وفق قانون العقوبات السوري، وضمان حقّهم بالدفاع والاستئناف وحضور محاميهم وممثّلي الهيئات الدولية الحقوقية والإنسانية.
ويقول الحقوقي جوان عيسو، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الانسان، إن هذا الملف مرتبط بالحل الشامل للأزمة السورية، معربا عن استيائه من تنصل عديد الأطراف من الإلتزام بالمعايير والقوانين الدولية التي تنص على كيفية التعاطي والتعامل مع ملفات الومة السورية وبخاصة قضية المعتقلين والأسرى، في وقت لم تثمر جولات أستانا سوى ست حالات لتبادل الأسرى، طبعا لمكاسب سياسية فقط بعيداً عن الحالة القانونية والانسانية ، كالإفراج عن بعض الأشخاص من درعا حسب رغبة النظام ووفقا لمصالح معينة.
أما بالنسبة للمعارضة أو “قوى الائتلاف” فترى أن غالبية المعتقلين مصيرهم مجهول والبعض منهم قضوا تحت التعذيب في السجون التركية والمعتقلات في المناطق المحتلة بعيدا عن أي محاكمة ،وظل حتى الآن مصير المئات من المعتقلين في مناطق المحتلة من قبل تركيا مرهونا بدفع فدية مالية أو التنازل عن ممتلكاتهم وحتى أفكارهم.
ويؤكد عيسو، أن السبب وراء الاعتقال لايزال قائما وهو غياب الحل السياسي وتمسك كل طرف برؤيته في الحل بعيدا عن البحث عن أرضية مشتركة لحلول ناجعة لمصلحة هذا الشعب الذي تعرض لشتى أنواع الانتهاكات والمظالم والعنف والتهجير،في ظل غياب نظام ديمقراطي وفق دستور جديد وقوانين نافذة واضحة تحمي الانسان وتصون حقوقه المدنية والثقافية وحق المساواة في المواطنة .
وعن كيفية التأثير للكشف عن مصير المعتقلين يدعو محدثنا إلى ممارسة المزيد من الضغط على طرفي الصراع بكل السبل،وفصل ملف المعتقلين عن الملفات الأخرى وعدم المقايضة بينها، حاثّا الجهات الدولية والمنظمات الحقوقية على الدفع نحو هذا الاتجاه من خلال تسخير الجهات التي تستطيع ان تؤثر على مواقف مختلف الأطراف
بدوره تحدّث السياسي السوري المعارض شكري شيخاني، للمرصد السوري لحقوق الانسان، عن مساعي النظام السوري ومنذ العام 2012 لحسم الحرب الدائرة في سورية، وفي الوقت ذاته يحرص على طي ملف المعتقلين، بل واستبعاده من مباحثات التسوية والسلام ، سواء الجارية في جنيف أو أستانا وحتى سوتشي، في حين ظلت العائلات السورية تنتظر مصير أبنائها طيلة سنوات، لافتا إلى أن النظام يعمد إلى تسريب مقولات وشائعات كون أن الأهالي صار بوسعهم مراجعة مكاتب السجل المدني للحصول على تأكيد بشأن وفاة أبنائهم، مشددا على عدم جدية دمشق وموسكو في فتح ملف المعتقلين السياسين.

وأرجع شيخاني ذلك أيضا إلى عدم رغبة الطرفين في مواجهة طلبات منظمات حقوق الانسان وباقي المنظمات الدولية بفتيش المعتقلات خشية منهما وتجنبا لفضح الحقيقة أمام العالم وكشف ظروف الاعتقال التي ترتقي إلى جرائم الحرب.
وأردف السياسي السوري قائلا:” لايخفى عن الجميع أن الحكومة السورية حريصة كل الحرص على طمس قضية ملف المعتقلين السياسيين كونها تدرك أن أي عملية طلب تفتيش لفروع المخابرات أو المعتقلات والسجون ستقود إلى الكشف عن وضع “فظيع”، بشأن جرائم النظام بحق عشرات الآلاف من المعتقلين، وتعمدّ النظام ارتكاب عمليات تعذيب وحشية..
واستطرد محدثنا:” يتفاخر النظام بأنه استطاع أن يسترجع أغلب المناطق في البلاد وأنه انتصر على شعبه الأعزل ولكنه في ذات الوقت يطمس وقائع مفادها أنه أعدم 13 ألف شخص، بينهم ناشطون بسجن صيدنايا مع بداية الثورة السورية سنة 2011″ ويظل ملف المعتقلين السياسيين في سورية يشكل حالة رعب وهلع للنظام السوري وحليفيه روسيا وإيران وهما شركاؤه في معظم الجرائم المرتكبة بحق المعتقلين على مدار السنوات العشر من عمر الانتفاضة الشعبية بوجد النظام الطائفي”.
لقد بات الاعتقال السياسي عقاب دولة تجاهلت واجباتها تجاه شعبها، من أجل كرسي لن يدوم، فهذا النظام الذي لم يسقط قد تحول إلى نظام من الزمر، بعد أن أصبحت المؤسسة العسكرية والأمنية الحامية له والموالية عبارة عن ميليشيات تحكم وتنهب ، فقط لحماية سقوطه ميدانيا بعد أن سقط أخلاقيا وإنسانيا..
ويبقى ملف المعتقلين بمثابة النار التي لن تنطفئ إلا بالكشف عن مصير المعتقلين ومحاسبة كل من تلطخت يداع بدم بريء “ذنبه” الوحيد أنه قال لا للظلم والتسلط.. نعم للحرية بمضامينها الإنسانية كطيف النسيم. .