“حُماة” عفرين يواصلون نهب آثارها في تغاضي واضح وحماية مبطَّنة من السلطات التركية
حصل المرصد السوري لحقوق الإنسان على معلومات من عدد من المصادر الموثوقة أن عمليات النهب للآثار التي تحتويها منطقة عفرين، في القطاع الشمالي الغربي مستمرة، لا تزال مستمرة مشعلة استياء سكان منطقة عفرين ونازحيها، وبث البعض استياءهم بشكل متهكم قائلين:: “جاءوا بادعاءات تحرير عفرين وحمايتها فبات حاميها حراميها”، وأكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري أن قيادياً في فيلق الشام الإسلامي المقرب من السلطات التركية، يعمد لتنفيذ عمليات تنقيب عن الآثار في منطقتي ميدانكي والنبي هوري، حيث تجري عمليات نهب الآثار التي يجري العثور عليها أثناء عملية البحث، وسط تعامي تركي مقصود لإطلاق يد الفصائل لتغيير تاريخ المنطقة بعد أن جرى تحويل حاضرها ومستقبلها، وبات سكان المنطقة الذي يبلغ تعدادهم مئات الآلاف نازحين في مخيمات بشمال حلب، فيما منازلهم تنهب وتسلب ويستولى عليها من قبل فصائل قوات عملية “غصن الزيتون”، التي سيطرت على عفرين في أواخر الثلث الثاني من آذار / مارس الفائت من العام 2018.
المرصد السوري لحقوق الإنسان نشر في الثالث من تشرين الأول / أكتوبر من العام الجاري 2018، أن انتهاكات القوات التركية وقوات عملية “غصن الزيتون”، وصلت من النهب وإمحاء آثار تواجد سكان المنطقة فيها، إلى محو تاريخ المنطقة، عبر عمليات نهب عن سابق إصرار وترصد، يعمد فيها المحرضون على تحقيق غايات التغيير الديموغرافي ومحو التاريخ، كما جرى في مناطق سورية مختلفة، فيما يكسب المنفذون المال من عائدات بيع الآثار وما يعثر عليه من مواد أثرية، لتتضاءل الآثار وتقل نسبتها يوماً بعد الآخر نتيجة استباحتها من قبل الجانب العسكري المسيطرة على المنطقة، ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان بالصوت والصورة عمليات سرقة ونهب يقوم بها فصيل عسكري عامل في منطقة عفرين، وفي التفاصيل التي حصل عليها المرصد السوري لحقوق الإنسان فإن الفيلق الأول التابع للجيش الوطني، والذي يقوده العقيد المنشق عن قوات النظام معتز رسلان، والعامل تحت إمرة السلطات التركية، عمد لسرقة آثار في منطقة قلعة النبي هوري، حيث تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من رصد عملية الحفر والسرقة والنهب التي تجري في المنطقة الواقعة في الريف الشمالي لعفرين على مقربة من الحدود السورية – التركية، وأكدت المصادر الموثوقة للمرصد السوري أن قائد الفيلق هو من يشرف على عملية الحفر ونهب الآثار، ضمن حلقة جديدة في سلسلة نهب الآثار في المناطق السورية، حيث تجري عمليات بيعه في السوق المحلية والإقليمية ومن ثم نقله إلى مناطق أخرى، على غرار ما جرى في محافظة إدلب ومحيطها، خلال السنوات الفائتة من قبل الفصائل المسيطرة على المنطقة.
هذه السرقات والنهب لآثار منطقة النبي هوري في عفرين، تأتي بعد انتهاكات كبيرة شهدتها منطقة عفرين بحق المدنيين ومزارع الزيتون وممتلكات المواطنين والبنى التحتية، إذ كان المرصد السوري رصد قصف الطائرات الحربية منذ بدء عملية “عاصفة الزيتون” في الـ 20 من كانون الثاني / يناير من العام الجاري 2018، على 3 مواقع أثرية، هي منطقة دير مشمش الأثرية في جنوب شرق عفرين، ومنطقة النبي هوري في شمال شرق عفرين، كما أغارت على منطقة عين دارة الأثرية في جنوب عفرين، وتسببت الضربات في أضرار مادية بمنطقتي النبي هوري ودير مشمش، فيما خلفت دماراً كبيراً في موقع عين دارة الأثري، وأثارت عملية استهداف المواقع الأثرية من قبل الطائرات التركية، سخط الأهالي الذين اتهموا القوات التركية بمحاولة محو آثار وتاريخ المنطقة، وأنها تتعمد استهداف هذه الآثار التي تدل على الحضارات التي شهدتها منطقة عفرين.
أيضاً فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان قام بسلسلة من الجولات على مدار أشهر متواصلة، وتمكن من جمع معلومات هامة مع صور وأشرطة مصورة، تؤكد عمليات النهب هذه، فمحافظة إدلب، تعد واحدة من أغنى المحافظات بالآثار، والتي تعود لحقب زمنية تتبع لحضارات متلاحقة عايشتها المنطقة، بعضها يصل للألف الخامس قبل الميلاد، بدءاً من العصر الحجري الحديث “النيوليت”، مروراً بمملكة إيبلا والحقب الحثية والآرامية والآشورية واليونانية والرومانية والبيزنطية، وصولاً للعصر الإسلامي بمختلف مراحله حتى العهد العثماني، حيث تحتضن محافظة إدلب، أكثر من 400 موقع أثري من ضمنها 200 على الأقل، من التلال الأثرية، وتنتشر الآثار في محافظة إدلب ومحيطها، ضمن مناطق بابسقا وباب الهوى جسر الشغور ومعرة النعمان وريفها وباب النيرب وقميناس وسهل الغاب، بالإضافة لمناطق أخرى متناثرة داخل المحافظة، كما أن هذه المواقع تراوحت ما بين محفوظ بشكل كامل وبين قرى لم تبق منها سوى أطلال، بالإضافة لقلاع أو أوابد متناثرة، ومع بدء تبعثر الأمن الاجتماعي وتناثر المسؤولية بين طرفين تمثلا بالمعارضة والنظام، وغياب مسؤولية الطرف الأسبق وهو النظام، بدأت المواقع الأثرية هذه تتعرض للسرقة والنهب والتنقيب، دون رقابة أو سلطة لأحد، على من يمارسون هذه الأعمال، إذ كانت البداية مع أساليب بدائية في الحفر والتنقيب، حيث جرى نهب قطع أثرية ونقلها إلى تركيا، وبيعها لتجار مختصين بمثل هذا النوع من العمليات الربحية، فيما بدأت تتطور -مع مرور الأيام وتصاعد وتيرة التنقيب، وتوسع قاعدة الباحثين عن هذه الآثار- أساليب البحث والتنقيب عن الآثار، فتحولت من قضبان نحاسية وقراءة العلامات الموجودة على الصخور المجاورة للمواقع الأثرية، إلى أجهزة تنقيب حديثة، وأجهزة بحث عن معادن مدفونة، وفرض هذا الفلتان وعدم القدرة على ضبط عمليات التنقيب عن الآثار، استشراء هذه الأعمال بين سكان محافظة إدلب، وبات العاطلون عن العمل، يشغلون أنفسهم بالبحث عن لقى أثرية أو كنوز أو قطع أثرية مهمة، فيما لم يعتري أي أحد من المنقبين الخوف، من البحث عن هذه الآثار، لغياب الرقابة
بصمات الأصابع المحلية والإقليمية والدولية على آثار مهد الحضارات تفضح الاتجار الواسع بتاريخ البلاد
عمليات التنقيب لم تقتصر على المدنيين وجهات محددة تمتهن هذا العمل، إنما تعدى الأمر لإقحام بعض الفصائل العسكرية لنفسها في هذا المجال، نتيجة ضعف التمويل، وبحثاً عن مصادر لتمويل نفسها، عبر التنقيب ضمن مناطق نفوذها، في حين أن الكثير من الأشخاص المشرفين ليس لديهم خبرة أو معلومات حول القيمة الأثرية التي يجري العثور عليها، إذ لجأ بعضهم إلى تحطيم القطع لأثرية الفخارية أو الحجرية، فيما عمدوا لأخذ القطع الذهبية أو الأحجار الثمينة، ورصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تنفيذ 3 من أكبر عمليات التنقيب عن الآثار في محافظة إدلب، تركزت في 3 مناطق رئيسية، إضافة لعمليات تنقيب أخرى رصدها ووثقها، وكان لبعض الفصائل السورية وغير السورية، وقيادات عسكرية وعناصر تابعين لهم، اليد الطولى في عمليات التنقيب الرئيسية منها والفرعية، والكبيرة منها والصغيرة، وتوزعت هذه العمليات على الشكل التالي.
عملية التنقيب في بابسقا::
منطقة بابسقا الواقعة عند الحدود مع لواء إسكندرون، في الريف الشمالي لمدينة إدلب، تعرضت لأولى عمليات التنقيب الضخمة، حيث تضم هذه المنطقة، مواقع أثرية هامة، وأوابد تاريخية، وتبلغ مساحة المنطقة نحو 15 كلم مربع، وجرى السيطرة عليها من قبل الفصائل المعارضة للنظام، في أوائل العام 2012، فالمنطقة تضم آثار بابسقا وباب العمود والخطيب والخزانات إضافة لمواقع أخرى، والفصيل الذي كان مسيطراً عليها هو حركة أحرار الشام الإسلامية، التي استحضرت آليات وجرافات وسخرت العشرات من العمال في عملية التنقيب هذه، في المواقع الأثرية، بحثاً عن كنوز ودفائن ولقى أثرية، لتحصيل تمويل عسكري كبير، حيث جرى تجريف كل من بابسقا وباب العمود بشكل كبير جداً، وتم استخراج آثار ودفائن ثمينة، ومع الاقتتال الأخير بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام، تمكنت الأخيرة من السيطرة على المنطقة، وبدأت بعمليات التنقيب بحثاً عن دفائن لم تتمكن أحرار الشام من العثور عليها، وأكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن قيمة الموجودات في منطقة بابسقا وجبلها، بلغت نحو 200 مليون دولار، من ذهب وآثار، إذ أكدت المصادر أن العمال تلقوا أجور تنقيبهم فقط، دون الحصول على نسبة من الموجودات التي عثر عليها، حيث حولت المبالغ المالية إلى خزينة حركة أحرار الشام الإسلامية، كذلك جرى التنقيب في مناطق قريبة من بابسقا وجرى العثور فيها على كنوز ودفائن، وبيعت بمبالغ مالية كبيرة، فيما جرى تحويل المنطقة لمعسكرات تدريب للمقاتلين في وقت لاحق
عملية جسر الشغور::
لم تكن هذه العملية بالعادية قطعاً، إنما كانت مختلفة من حيث العائدات ومن حيث الجهة المنفذة ومن حيث حجم التنقيب، فكانت الأكبر على الإطلاق، ونفذت بأيادي الحزب الإسلامي التركستاني، فالأخير وبعد سيطرته على منطقة تل القرقور في الريف الغربي لمدينة جسر الشغور، بدأ بأعمال الحفر والتنقيب في المنطقة الأثرية، وبحسب مصادر موثوقة تواجدت في المنطقة خلال عمليات التنقيب، أنه جرى العثور على كميات ضخمة من الذهب الخام ومن التماثيل الأثرية، التي يرجح أنها مخزون لإحدى الدول الحاكمة للمنطقة في وقت سابق، وبلغت قيمة المستخرج من الآثار والذهب، أكثر من 800 مليون دولار، جرى توزيع قسم منها على عناصر الحزب والعمال، فيما حول الباقي إلى خزينة الحزب، وأكدت مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان أنه ونتيجة للكميات الضخمة التي عثر عليها من قبل الحزب التركستاني، لم يجد الأخير تجاراً في إدلب، يشترون الكمية كاملة، فاضطر لبيعها على دفعات
عملية تنقيب قميناس::
العملية في هذه المرة لم يستفرد بها من قبل فصيل معين، بل كانت نتاج تعاون بين هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، حيث جرت عملية التنقيب لتل دينيت الأثري، في منطقة قميناس، وجرى إزالة قسم كبير من التل، واستخراج الدفائن والكنوز الأثرية، وأكدت مصادر متقاطعة للمرصد السوري أن كمية المستخرجات كانت ضخمة، وجرى تحويل عائدات بيعها إلى كل من تحرير الشام والحزب التركستاني، كما أن عمليات التنقيب الكبرى، تبعتها وتزامنت معها عمليات تنقيب متفرقة، بعدها حظي المنقبون بلقى أثرية وآثار ثمينة، وبعضها الآخر ذو قيمة عادية، وبكميات متفاوتة، حيث جرت عمليات تنقيب عن الآثار في منطقة جبل الزاوية، إذ رصد المرصد السوري عمليات تنقيب متفرقة ومن ضمنها التنقيب في منطقة النخلة وتلتها الأثرية، والتي تخضع لسيطرة فصيل صقور الشام، حيث تجري عمليات التنقيب تحت حماية عسكرية من قبلها، كذلك أكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري أن تلال جسر الشغور والغسانية يعمل بداخلها منقبون من العناصر المغاربة والخليجيين، فيما تجري عمليات تنقيب من قبل أتراك وبوسنيين ومغاربة في قلعة الشغر، إضافة لعمليات التجريف التي نفذها العناصر التركستان مثلما جرى في تلال مشمشان والقرقور بريف جسر الشغور
كما أن المصادر الموثوقة أضافت للمرصد السوري أن سوق تصريف هذه الآثار والتماثيل والذهب وغيرها من المستخرجات، يتم عبر طريقين رئيسيين أحدهما إلى تركيا ومنها إلى دول أوروبية وغربية، وثانيها نحو لبنان ومنها إلى دول أوروبية، وفي بعض الأحيان يجري التوجه إلى دول آسيوية، والتي نشطت فيها عملية الاتجار بالآثار السورية، إضافة لنقلها إلى صربيا وروسيا وإلى أيادي مافيات عالمية، تمتهن هذا النوع من التجارة، فيما يعمد التجار لدفع مبالغ خيالية لقاء الحصول على قطعة أثرية نادرة، كما في حالة دفع أحد التجار لمبلغ 300 ألف دولار أمريكي مقابل الحصول على قطعة فضية تزن 41 غراماً من العهد الروماني، فيما يعمد التجار لشراء كل ما هو نفيس وحقيقي، من أواني وفخار وتماثيل وقطع عاجية وذهب خام وتماثيل أو لقى ذهبية، ولوحات فسيفسائية تعود إلى فترات زمنية قديمة، ونتيجة لتصاعد عمليات التنقيب، عمد البعض بحب مصادر أهلية إلى استئجار أو شراء أراضي والبحث والتنقيب فيها عن الآثار، وما أثار استياء الأهالي ليس فقط عمليات البحث والتنقيب، التي طالت المواقع الأثرية، وفرغت البلاد من تاريخها، إنما تعمد الإساءة لهذا التاريخ، عبر تحويل مناطق أثرية إلى قواعد عسكرية، كما هو الحال في منطقة إيبلا التي حولتها تحرير الشام لمعسكر لعناصرها، وحذا حذوها فصيل فيلق الشام، بتحويل منطقة مرديخ إلى موقع مماثل للتدريب العسكري، وتعمد تحويلها من قبل سكان إلى مناطق لجمع المواشي أو السكن فيها خوفاً من عمليات القصف الجوي التي كانت تطال محافظة إدلب بشكل مكثف، بالإضافة لقيام آخرين بقص الأحجار الأثرية وتحميلها وبناء منازل بها، كما جرى في بعض مناطق جبل الزاوية.
المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد كذلك حالات فردية، جرى توثيقها، لأشخاص عثروا على لقى أثرية وكنوز مدفونة أسفل منازلهم، إذ أكد (ح.م) من منطقة معرة النعمان، في القطاع الجنوبي، أنه عثر على مدفن خلال حفره لملجأ له في ريف إدلب الجنوبي، حيث عثر عليه خلال عملية الحفر، ما دفعه لبيع كل ما فيه وكسب مبلغ وصل لأكثر من 700 ألف دولار، الأمر الذي رفع من مستواه المعيشي، وأردف الرجل قائلاً:: “حرام كون فقير وبأرضي في كنز”، فيما ذكر (ع.أ.ح) أنه عثر في إحدى المغر خلال تنظيفها، على سرداب بهما جرتان ممتلئتان بالذهب، وقام ببيعها، وأرجأ سبب بيعها، لعدم وجود سلطة يمكنه تسليم الجرتين إليها، وأنه في حال سلمها لأية جهة كانت فإنها ستقوم ببيعها، فيما تحدث مواطن آخر (ع.ا.ش) أنه بحث مراراً وبشكل موسع إلا أن كل ما عثر عليه لم يتعدى مبلغ ألف دولار، كما أن عمليات التنقيب العشوائية، لم تقتصر على فترة سيطرة الفصائل المتواجدة في محافظة إدلب، وإنما سبقها عمليات تنقيب من قبل جهات عسكرية ومتنفذين في نظام بشار الأسد، حيث جرى نهب الكثير من محتويات متحفي معرة النعمان وإدلب، من قبل ضباط في قوات النظام، وجرى تبديلها بآثار مزيفة، وهذا ما كان باكورة عمليات التنقيب عن الآثار، التي امتنع النظام في كثير من الأحيان لتأمين عمل البعثات الدولية الأثرية، للتنقيب عنها.
المرصد السوري لحقوق الإنسان يرصد بالصوت والصورة، سرقة آثار عفرين من قبل الفيلق الأول الذي يتبع للجيش الوطني، ويقوده العقيد المنشق معتز رسلان، والذي يعمل تحت إمرة القوات التركية في المنطقة
https://www.facebook.com/syriahro/videos/812578219133809/?t=0