خطّة أميركيّة لسوريا على خطى العراق… متى الحظر الجوّي؟

17

255346811365574861_damascusbattle

من يُتابع تصاريح الرئيس الأميركي باراك أوباما، ووزير الخارجية جون كيري وغيرهما، والتي تتقاطع مع تصاريح مسؤولين إقليميّين، مثل الرئيس التركي عبد الله غول وغيره، بشأن ضرورة إتخاذ إجراءات ضدّ ما يُحكى عن إستخدام النظام السوري لأسلحة كيماويّة، يشعر أنّ هناك تكراراً لسيناريو إعلامي سبق أنّ جرى إعتماده في العراق في حقبة التسعينات، ومهّد لفرض حظر جوّي فوق العراق(1)، ثم لتدخّل عسكري أميركي واسع أسقط حكم الرئيس صدّام حسين، بحجّة “خطر أسلحة الدمار الشامل” في العام 2003. فهل نحن أمام مسألة مشابهة في سوريا، بدأت بإثارة البلبلة الإعلاميّة، تمهيداً لفرض حظر جوّي أميركي بحجّة “خطر الأسلحة الكيماويّة”، على أن يليه تدخّل عسكري ميداني؟
الجواب السريع والبديهي هو بكل بساطة: كلا حتى إشعار آخر! وحتى لوّ أنّ الجيش الأميركي وضع بالفعل خطّة للتدخّل العسكري، فإنّ أسباب تنفيذها غير متوفّرة بعد. وحتى لوّ أنّ هذه الخطة ستبدأ بفرض حظر جوّي، فإنّ هذا الحظر يتطلّب جملة من المعطيات لا تزال شروطها معدومة حتى اليوم، وهي:
أولاً: وجود عدد كبير من الطائرات الأميركية لتنفيذ المهمّة، إن عبر حاملات طائرات داخل مياه  البحر الأبيض المتوسّط، أو عبر الإنتشار في قواعد لدول حليفة مثل تركيا، وربّما عبر إستحداث قواعد جديدة، منها في الأردن مثلاً.
ثانياً: وجود منظومة راداريّة متطوّرة، لكشف الطائرات السوريّة أثناء تحليقها فوق المنطقة أو المناطق التي سيُحظّر الطيران فيها، ما يستوجب نقل معدّات حديثة إلى المنطقة، ونقل طائرات Awacs (إختصار لعبارة Airborne Warning and Control System) أيّ نظام التحذير الجوّي وإدارة العمليّات من الجوّ، وطائرات تعبئة الوقود في الجوّ (من ضمن سرب طائرات KC المنوّعة) لتوفير الدعم اللوجستي للطائرات الأميركية التي يُفترض أن تجوب أجواء المنطقة لفرض الحظر.
ثالثاً: وجود مجموعة كبيرة من البوارج الحربيّة الأميركية لتأمين الحماية لحاملات الطائرات، بموازاة قوّات عسكرية ميدانية في دول الجوار السوري، لحماية أيّ قاعدة أميركية مستحدثة.
رابعاً: وجود وحدات إنزال وتدخّل سريع، لإنقاذ طاقم أيّ طائرة أميركية قد يتمّ إسقاطها فوق الأراضي السوريّة، وبالتالي لمنع وقوع هذا الطاقم في الأسر.
خامساً: وجود قوّة عسكرية أميركية تكون مهمّتها توجيه ضربات جويّة وصاروخيّة إلى المنظومة الراداريّة السورية، والدفاعات الجويّة، وقواعد وطائرات سلاح الجوّ السوري، قبل الشروع بفرض الحظر الجويّ، وإلا ستواجه الطائرات الأميركيّة صعوبات مختلفة هي في غنى عنها.
سادساً: وجود حشود كبيرة للمعارضة السوريّة المسلّحة في مناطق معيّنة، للإستفادة من الحماية الجويّة، ولفرض منطقة آمنة على الأرض.
أكثر من ذلك، إنّ فرض منطقة حظر جوّي يتطلّب تفاهمات سياسيّة مواكبة للإجراءات العسكرية المذكورة أعلاه، وهي:
أولاً: ضرورة إيجاد تغطية دوليّة للتدخّل، أقلّه من مجموعة من الدول الحليفة والصديقة، إذا كان الحصول على “ضوء أخضر” من الأمم المتحدة متعذّراً.
ثانياً: ضرورة إيجاد تفاهم مع الجانب الروسي الذي ينشر أسطولاً حربياً قبالة السواحل السورية، وتجوب سفنه وبوارجه مياه البحر الأبيض المتوسّط، وذلك منعاً لأيّ تصادم عسكري مباشر بين القوّتين الأميركية والروسية.
ثالثاً: ضرورة الحصول على “ضوء أخضر” عربي للتدخّل الميداني، وخصوصاً على تمويل أو أقلّه على دعم مادي للعمليّة الباهظة التكاليف.
وممّا سبق، من الواضح أنّ كل هذه المعطيات غير متوافرة حتى إشعار آخر. وبالتالي، إنّ كل ما يُحكى عن تكرار لسيناريو العراق، وعن قرب فرض منطقة حظر جوّي أميركي فوق سوريا، لا يزال حتى اللحظة، مجرّد غبار إعلامي يدخل في لعبة المعنويات، وفي عمليّات الكباش السياسي. وكما أنّ روسيا تنشر سفنها وبوارجها العسكريّة في المنطقة وقبالة الساحل السوري، تحاول أميركا الإيهام بإستعدادها لتدخّل عسكري وشيك في المنطقة، لإيجاد نوع من التوازن الإستراتيجي، لإستخدامه في حلقات التفاوض الحالية، وتلك الآتية وأبرزها اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين في إيرلندا في حزيران المقبل على هامش قمّة G8، ثمّ في روسيا في أيلول المقبل خلال قمّة دول G20.

 

 

(1) في العام 1991، وبعد عمليّة “عاصفة الصحراء”، قامت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا، بفرض منطقتين للحظر الجوّي فوق الأجواء العراقية، لحماية المناطق الكرديّة في الشمال، والمناطق الشيعيّة في الجنوب.

 

النشرة