خلال النصف الأول من العام 2022: نحو 160 طفلاً قتلوا بأعمال عنف.. وما لا يقل عن 25 اختطفوا واعتقلوا بمختلف مناطق السيطرة

المرصد السوري يجدد دعوته لحماية حقوق الأطفال وتحييدهم عن الأعمال العسكرية

23

مُحاطون بالتهديدات والمآسي، ورائحة الموت والدم تلاحقهم، زادها الفقر والجهل لجيل كامل حمل هموما تنوء بها الجبال في سورية، هم أطفال سورية الذين باتوا فريسة للإرهاب والتشريد وشظف العيش والحرمان بسبب حرب مدمّرة أتت على كل مقومات حياتهم وأحدثت جروحا غائرة في نفوسهم ونفوس كل السوريين بفعل التسلّط الداخلي والعدوان الخارجي، هم فئة كان لون الدم القاتم عنوانا لمرحلة مهمة في حياتهم، ولا شيء قادر على جعلهم يتجاوزون تلك المآسي المحفورة في الوجدان والعقل.

فئة لم تتذوّق طعما للحياة في ظلّ الحرب المستمرة والمرهقة بالتدخلات الأجنبية وسطو التنظيمات التكفيرية التي عقّدت الأزمة التي أتت على كل مقومات الحياة.

بعد مرور 11 عاما من الكوارث المستمرّة التي تقاعست الدول العظمى عن إيجاد حلّ لها برغم وجود قرارات أممية وأبرزها القرار 2254 الذي يتحدّث عن دعم العملية السياسية بقيادةٍ سورية ورعاية من الأمم المتحدة للوصول في غضون فترة محدّدة لا تتجاوز الستة أشهر، إلى نظام حكم يقطع مع الطائفية والتمييز، لكن واقعيا بات من الصعب التنبؤ بتجسيد هذا القرار على أرض الواقع بسبب تعنت النظام من جانب والمعارضة من جانب آخر، ولم ترتقَ أطراف الصراع إلى المطالب الشعبية بإيجاد الحلّ السلمي الذي ينهي المأساة التي ظلت الفئات الهشة وفي مقدمتها الأطفال أول ضحاياها بين شهداء ومشردين في الطرقات ولاجئين بين المخيمات داخل البلاد وخارجها، في واحدة من أسوأ المآسي الانسانية في أكبر الحروب المدمّرة خلال القرن الحالي، وفق توصيف الأمم المتحدة.

فبعد أن غاب الكتاب والريشة والألوان عن حياة تلك الفئة الهشّة وأصبح حمل السلاح هدفها حتى يهابها الجميع وتدافع عن أهاليها في رقعة جغرافية باتت إحدى أخطر دول العالم، ذابت الأحلام والأماني انعكاساً للسموم التي اجتاحت العقل على مدار عقد كامل، برغم 11 عاما من المفاوضات والتنديدات بقتل الأطفال واستهدافهم والتنكيل بهم وقصف مدارسهم حيث زرع تجّار الحرب كل الأسباب لإضاعة هذا الجيل وباتت سورية بلدا مصنّعا للكبتاغون وغيرها من المخدّرات التي اجتاحت البلاد من شمالها إلى جنوبها.. تجارة ازدهرت على أنقاض بلد أنهكته الحرب والانقسامات.

158 طفلا قتلوا في النصف الأول من 2022
ومع استمرار الحرب، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان خلال النصف الأول من العام 2022 الحالي، استشهاد 158 من الأطفال (33 إناث و125 ذكور)، توزعوا على النحو التالي:
– 54 بينهم 7 طفلات إناث بمخلفات حرب
– 24 بينهم 7 طفلات إناث برصاص عشوائي واقتتال وغير ذلك
– 12 طفل بتردي الأوضاع الصحية والمعيشية
– 11 بينهم 4 طفلات إناث على يد قسد والقوات الكردية
– 11 بينهم 3 طفلات إناث يرصاص وقصف بري للنظام
– 11 بينهم 5 طفلات إناث بجرائم قتل
– 10 بينهم طفلتين إناث بظروف مجهولة
– 9 بينهم طفلة أنثى برصاص مجهولين
– 6 بينهم طفلة أنثى على يد الفصائل
– 3 بقصف التركي
– 3 طفلات إناث بقصف روسي
– 3 برصاص الجندرما التركية
– طفل بلغم/عبوة ناسفة

وإضافة إلى استمرار قتل الأطفال على أيدي كافة الأطراف العسكرية في سورية، وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان 23 حالة اختطاف لأطفال، هم طفل في مناطق نفوذ الفصائل الموالية لأنقرة، وطفلان في مناطق نفوذ النظام السوري، و20 حالة اختطاف لأطفال دون سن 18، على أيدي “الشبيبة الثورية” في كل من الحسكة والرقة وحلب ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية.
ووثّق المرصد السوري أيضاً اعتقال طفلين اثنين من قبل الفصائل الموالية لأنقرة بـ”مناطق غصن الزيتون”، في ضرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الذي تدّعي أنقرة حمايته.

أطفال يقذفهم الجوع
لايزال أطفال سورية يعيشون تحت وطأة الجوع والخصاصة حيث يحتاج6.5 مليون طفل إلى مساعدات إنسانية للعيش، وقالت اليونيسيف في تقرير لها هذا العام، إن هؤلاء الأطفال بحاجة إلى 20 مليون دولار أمريكي في مختلف المناطق التي تعاني أوضاعا مأساوية.

ولطالما نقل المرصد السوري معاناة هذه الفئة التي لم تتمكن من الحصول على أبسط مقومات الحياة الكريمة من أكل وملبس ودواء، حيث اضطرت الأمهات أحيانا إلى خلط الحليب بالماء لأبنائهن الرضّع ، في صورة لا يمكن مشاهدتها إلا في سورية.

ولا يخفى على أي متابع انتشار الأوبئة والأمراض المعدية في المخيمات بسبب نقص الأدوية وضعف وجود الإطارات الطبية وشبه الطبية وصعوبة الوصول إلى تلك المناطق سواء بمنعهم من قبل القوات العسكرية، هذا فضلا عن الغلاء الفاحش في الأسعار مع نزول حاد في قيمة الليرة السورية مقابل الدولار الوضع الذي فاقم المأساة وعمّق المعاناة.

أطفال معتقلون
الاعتقال السياسي للأطفال ظل ممارسة ممنهجة من قبل النظام والمعارضة منذ بداية الأزمة برغم توقيع سورية على مجموعة من الاتفاقيات الدولية، وأبرزها قانون الأحداث الجانحين رقم 18 الصادر عام 1974 الذي يمنع الزج بالأطفال دون سن 18 في غياهب السجون، إلا أن سياسة تكميم الأفواه استمرت وطالت حتى أطفال شاركوا في مظاهرات بتلقائية ودون فهم لمغزى ما تعيشه سورية.

هم أطفال حملتهم طموحاتهم الفطرية إلى العيش ضمن بلد حر يطيب فيه العيش برغم عدم فهمهم في الأغلب لهذه المفاهيم الجديدة في عالمنا الذي تعودنا العيش ضمن “الصوت الواحد والرأي الواحد ” دون نقاش وتعبير حرّ، ورفض لأي قرار حتى لو مسّ قوتنا اليومي، أمر اعتدناه وكذلك أطفالنا الأبرياء قبل 2011.

وحرصا على كرامة الإنسان وحقه في الحياة في أوطان آمنة ما فتئ المرصد السوري لحقوق الإنسان، يحذر وينبه إلى مأساة اعتقال الأطفال مع أمهاتهن وندّد بشتى أنواع التعذيب كنوع من الانتقام من أمهاتهن المعارضات وفق شهادات توثيقية، فضلا عن الاعتداءات بالضرب والاعتداءات الجنسية في خرق للقوانين المحلّية والدولية التي تنضوي تحتها سورية.

وقد أثبت مختلف الأطراف المتصارعة من نظام ومعارضة وجهات مسلحة وتنظيمات متشددة عنجهيتها وهمجيتها في التعامل مع الأطفال، ولا أحد ينسى حادثة أطفال درعا الذين لم يتجاوزوا العشر سنوات بعد أن دونوا عبارات ‘لا للنظام’ على جدران إحدى المدارس وكيفية تعامل مخابرات النظام معهم حيث تم اعتقالهم وضربهم ضربا مبرحا وحرق أجسادهم الجائعة بالسجائر واقتلاع أظافرهم في مشهد مأساوي يتنافى وإنسانية الإنسان التي قتلتها الحرب والصراع ومزقتها التجاذبات

أطفال ضمن مراكز التجنيد
وتحدثت تقارير المرصد مرارا عن خطورة إقحام القصّر في الصراعات وقد كان لهم نصيب كبير من المعاناة والاستغلال في الحرب المستمرّة في البلاد وتجسّدت في صورٍ عدّة أبرزها التجنيد المستمر من التنظيمات الجهادية ومن قوات النظام والميليشيات الموالية لها والفصائل الموالية لأنقرة وكذلك من”الشبيبة الثورية “في مناطق نفوذ الادارة الذاتية للزجّ بهم في مقدِّمة الصراعات بين الأطراف المتناحرة على الأرض السورية، إنّها صور من مأساة فئة تنتظر الخلاص والسلم والسلام والأمان، تنتظر انتصارا للحوار للعودة إلى مقاعد الدراسة والعيش بحريّة وطمأنينة بعيدا عن أصوات القصف والسلاح وبعيدا عن العنف والدم والفوضى.

ويجدّد المرصد السوري لحقوق الإنسان دعواته لكل أطراف الصراع إلى تحييد الأطفال عن مختلف المشاكل والصراعات، والدفع بإعادة الإعمار وبناء المدارس والمستشفيات وتقديم الخدمات الضرورية لهذه الفئة المتضررة من الحرب وتقديم الحماية النفسية والاجتماعية لها حتى لا يكون مستقبلها مظلما، ويشدد على أهمية التوصّل إلى حلّ سياسي سلمي من أجل أطفال سورية ونسائها ومختلف الفئات المتضررة، ويؤكد أن الحلّ لن يكون إلأ سوريا سوريا، بدعم أممي وبتضافر مختلف الجهود الدافعة بالحل، مساهمة في إنقاذ جزء من البشرية بحكم الارتباط المصيري المشترك فوق الأرض وتحت الشمس.