خيانة لمخيم اليرموك بالجملة

23

في دمشق يجتمع اتحاد كتاب فلسطين بغياب قائده حمزة برقاوي، ويصدر جملة من القرارات، يطالب بتسليح من تبقى من المدنيين الفلسطينيين في سوريا وزجهم في الحرب، وتوجيه الفلسطينيين بفصائلهم ذات الوجود السياسي لحمل السلاح، والتوجه لمقاتلة «تنظيم الدولة»؟.
وهكذا نحل مشكلة فلسطينيي سوريا بضم مخيم اليرموك للتحالف الدولي ضد «تنظيم الدولة» والتوجه إلى الرقة. هذا الاتحاد ومعظم الجالسين في تلك الندوة، التي أصدرت القرارات، وبعضهم مهجرٌ من مخيمي الحسينية وسبينه، وهي مخيمات تحت سيطرة النظام، وليس فيها معارضة، ولكن الكاتب الفلسطيني لا يستطيع ان يطالب النظام بإعادته إلى بيته، لأنه ليس أحمد الزعتر، وليس مظفر النواب، في زمن تميل فيه الكفة لصالح السلاطين، وتصبح فيه الثورات بثوارها أدوات المرحلة فحسب.
هو الكاتب الفلسطيني في الضفة المحتلة، وبعض اولئك الكتاب الذين تحاورت معهم، من المناضلين السابقين، ومن خريجي السجون الاسرائيلية، ولما سألتهم عن مبرر قتل 400 فلسطيني من سكان مخيم اليرموك قبل دخول المعارضة إليه، ومنهم165 في قصف الطائرة الشهير، كانت الاجابة صامتة بحجم الممانعة، وكان الفعل مختلفاً فهناك على شاشات التلفزيونات المقاومة والممانعة، والصحافة الرسمية أصوات فلسطينية من الضفة، تقوم بالحديث عن العصابات التكفيرية التي تجتاح المنطقة العربية، وتريد تعطيل مشروع المقاومة النبيل، والطاهر والذي يمتد من الشرق حتى فلسطين، ويمكن من بوابة اليمن أيضاً.
المثقف الفلسطيني أيضا في غزة، هو مهتم كثيراً بالحصار الظالم على غزة، ومع ان غزة يوجد فيها بسكويت وشيبس وكوكا كولا، وشكولاتة فرنسية ايضا، لكن غزة هذه لا تعلم ان مخيم اليرموك منذ سنتين يحلم اطفاله بالخبز، ولا يعلم سكان غزة ان كلمة فاكهة لا يعرفها اطفال المخيم، ولا تعلم غزة، ان مخيم اليرموك بلا دواء ولا اطباء، ولا شيء من هذا القبيل.
وأما الكاتب الفلسطيني في لبنان، فهو مهتم أيضا باهتمامات بقية الكتاب من الضفة، إلى غزة وسوريا وغيرها من دول الشتات، وهو أيضا المفكر الفلسطيني البارز، الذي عليه اكتشاف ان تنظيم الدولة هو إرهابي، وهكذا تنشغل الفضائيات المقاومة والممانعة، بتقديم المفكرين الفلسطينيين، كمحللين استراتيجيين يتحدثون عن كوكب المريخ، أو حروب ما قبل التاريخ، وضرورات تصحيح المستقبل، وحرمان الإرهابيين من الذهاب اليه.
بالفعل هو ليس زمن أحمد الزعتر، واذا اردنا فقط أن نكتشف حجم العجز فينا، يمكن لنا فقط أن نقول، أين هم 2000كاتب فلسطيني فقط هم مسجلون في نقابة الكتاب في سوريا، وأمثالهم في الضفة وغزة وغيرها. بالضبط هذه هي المأساة، وباختصار فالجميع هم كتاب ومفكرون يجلسون في الصف الخلفي للفصائل الفلسطينية، وهذه الفصائل بالطبع هي صاحبة صندوق المال الذي يطعم المثقف الفلسطيني الجائع، وهنا يحق لنا أن نترحم على أب الفلسطينيين ياسر عرفات، الذي في زمنه كان حتى اولاد العملاء يتم انصافهم واطعامهم من صندوق الثورة، وأما فصائل اليوم فهي تطلق النار عليك وتحارب اطفالك بلقمة العيش اذا فقط فكرت لمرة واحدة وكتبت مقالاً واحدا خارج السرب.
وأما في عالم السلطة والسياسة، فالأخ أبو الوليد يحقق معجزة كونية فقد اكتشف وجود المكان الذي يقع فيه مخيم اليرموك، وبحسب أحمد جبريل، والذي يقول ان أبو الوليد اتصل به لأجل 75 عنصرا من مقاتلي ما يعرف بأكناف بيت المقدس، وهم من طردهم تنظيم الدولة من المخيم في الصراع الاخير، وبالطبع خطوة أبو الوليد مهمة للغاية، خصوصاً أنه نجح باكتشاف مكان مخيم اليرموك، وهكذا تم اجلاء عائلات الاكناف من مخيم اليرموك إلى مكان آمن، وأما بقية الفلسطينيين فقد هربوا إلى شوارع ومساجد بلدة يلدا المجاورة بانتظار اتصال تلفوني آخر يسمح لهم بموجبه بالخروج من معتقل المخيم، كما سُمح لعائلات الاكناف.
بالطبع الفصائل الفلسطينية اليوم المسؤولة عن الفلسطينيين هي يهمها أبناؤها فقط، وهي تمارس سلوك الفصيل، أو مختار القرية، ولم تصل بعد إلى مستوى ياسر عرفات الذي قدم نفسه قائد شعب، وليس قائد فصيل. واما المثقف أو المفكر الفلسطيني، فهو ابن الفصيل والناطق باسمه، والمدافع عنه حتى قيام الساعة، وأما بقية الشعب، فلهم الله، الله وحده يعلم بحالهم.
ما أقوله للضفة، إن دم عشرة آلاف فلسطيني سوري قضوا هو في رقابكم إلى يوم الدين، وما أقوله لغزة، ان مخيم اليرموك اليوم هو من سيحاصر غزة فعندما يفكر العقل الاخواني في غزة باقتحام مسجد وقتل كل من فيه لأغراض سياسية، هو نفسه العقل الذي يعيش أوهام تحرير مخيم اليرموك وقتال المجموعات السلفية التي نحن بغنى عن قتالها، فماذا تعني لنا مسألة تحرير مخيم اليرموك من تنظيم الدولة، هي جملة واحدة فقط، هناك مشروع لضرب الاخوان المسلمين مع التيارات السلفية، وعندما غدا يحاربنا التيار السلفي من سيناء وفي قلب غزة، علينا أن نتذكر مخيم اليرموك، وعلينا ان نتذكر قصة الصمت على 300 شخص في غزة، هم مجموعة تسمي نفسها الصابرين، وذلك لأجل هدف سياسي رخيص، وبنفس الوقت يمكن تدمير مسجد سلفي فيه عشرة اشخاص هم الخطر الأكبر على فلسطين بحسب البعض.
أخيراً لك الله يا مخيم اليرموك، فكلهم خانوك، فلا تنتظر أحمد الزعتر، فزمن العمالقة ولىّ. نحن بزمن مختلف، الزمن الذي يجلس على بوابته الاقزام لا يولد فيه عمالقة، فارحل ايها المخيم، ارحل أونت صامت، لأن حجم الفضيحة والخيانة مرّ للغاية.

٭ كاتب فلسطيني

أيمن خالد

القدس العربي