دمشق قريباً من دائرة التنين الصيني!

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

39

مرّت 10 سنوات، حافظت فيها الصين على موقف ثابت من انحيازها إلى جانب نظام الأسد في مواجهة ثورة السوريين، متناغمة في ذلك مع موقف روسيا وإيران، وهما أكبر طرفين داعمين للأسد، من دون أن تتبنى نهجهما في التدخل المسلح إلى جانبه في المقتلة السورية، وكان الأهم في دورها إلى جانب روسيا توفير الحماية الدولية للنظام، وخاصة في مجلس الأمن الدولي؛ حيث شاركت الصين في استخدام الفيتو لمنع إصدار أي قرارات تدين النظام، أو تؤدي إلى الإضرار به، وأبطل المندوبان الروسي والصيني أكثر من 15 قراراً في المجلس لإدانة حكومة الأسد.
موقف الصين من نظام الأسد، لا يتوافق فقط مع سياسة الحزب الشيوعي الحاكم في مناهضة أي تغييرات ديمقراطية في الصين، ومساعي الأقليات للحصول على حقوقها المستباحة، بل يتفق مع المعلن في سياسة الصين الخارجية، التي ركزت على 3 نقاط أساسية، هي عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، والحفاظ على سيادتها، وحقها في معالجة شؤونها الداخلية، ورغم كل ما يمكن أن يقال في محتوى هذه السياسة ومصداقيتها في عالم اليوم، فإن سياسة بكين في الموضوع السوري كانت أقرب إلى هذا المحتوى من بين الأطراف التي وقفت إلى جانب نظام الأسد.
وسط هذا السياق وبعد 10 سنوات، جاءت زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى دمشق؛ حيث أجرى محادثات مع بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، هدفها إحداث نقلة وتطوير العلاقات بين النظام، بما كل ما لديه من مشكلات وترديات، ودولة عظمى، تصارع على ريادة العالم عبر أكثر الأدوات فاعلية، من السياسة إلى المال والاقتصاد والتكنولوجيا والقوة العسكرية. ولأن الهدف فيه هذا الاختلال، فمن المهم التوقف عند الأسباب التي تدعو الصين للذهاب في هذا الاتجاه، وفيها 3 أسباب.

الأول يستند إلى العلاقات التقليدية التي ربطت الصين الشعبية مع نظام الأسد في الخمسين عاماً الماضية.. بل العلاقات بين البلدين تعود إلى خمسينات القرن الماضي، وقد كرست تعاوناً سياسياً واقتصادياً، لا تود الصين أن تخسره، خاصة بعد موقفها الداعم للنظام، والذي يؤهلها الحصول على مزايا وامتيازات، لا يستطيع أحد أن يمنعها، ويبدو أن بكين رأت أنه قد آن أوانها.
والثاني ترتيب الصين علاقاتها بمعظم دول المنطقة في إطار استراتيجية بكين «الحزام والطريق»، وهي خط جديد لتطوير علاقات التبادل والتواصل، وقد تم بالاستناد إليها ترتيب العلاقات مع أغلب بلدان الخليج وإيران وتركيا وإسرائيل، ويمثل واقع العلاقة مع دمشق خللاً، ينبغي تجاوزه عبر إعادة تجديد العلاقة وتطويرها في سياق استراتيجية بكين الإقليمية.
الثالث، تناغم مصالح بكين من مصالح شركائها في سوريا. فالصينيون دائمو البحث عن فرص استثمارية، بما فيها الفرص الملتبسة القائمة في بلدان الديكتاتوريات والصراعات، كما كان الأمر سابقاً في الصومال والسودان واليمن، والتي تقدر بكين أنه بالإمكان حمايتها بطرق مختلفة، وحيث تستنكف أغلب الدول عن المشاركة في تمويل وإعادة إعمار سوريا لأسباب مختلفة، ومنها العقوبات الأميركية، تملك بكين طاقات كبرى للتعامل معها، وما سبق يجد هوى من شركائها في سوريا؛ حيث سيأخذ نظام الأسد فرصاً أفضل للتعامل مع مشكلاته وتحدياته، (ولو أنني أجد شخصياً أنه من الصعب عليه القيام بذلك لأسباب بنيوية). والروس والإيرانيون وآخرون، ستكون أمامهم فرص للحصول على مكاسب سياسية ومادية، قد لا تلائم طموحاتهم، ولا ترضي أطماعهم، لكن من الصعب الحصول عليها من دون وجود بلد مثل الصين خلفها، ولهذا فإنهم سيدعمون دخول الصين إلى سوريا من البوابة العريضة، وثمة أوساط قالت إن تحريضاً وتشجيعاً لبكين صدر عن حلفائهم الروس، لكن من دون تأكيد؛ حيث إن الحدأة (أو الشوحة كما يسميها البعض) لا تترك صيصاناً خلفها، كما يقول المثل السوري.
لكل الأسباب السابقة، وربما لأسباب أخرى، تعود لتقديرات بكين، يمكن القول إن زيارة الوزير الصيني إلى دمشق يمكن أن تكون بداية تحول في الموقف الصيني من القضية السورية، انتقالاً من الهامش إلى العمق، على نحو ما حدث في موقف روسيا السوري أواخر العام 2015؛ حيث تدخلت موسكو عسكرياً في سوريا، ودفعت القضية في مسارب جديدة، كانت الأضعف في الاحتمالات القائمة آنذاك.
أعتقد أن زيارة الوزير وانغ يي أخرجت الدور الصيني مما درج عليه طوال السنوات السابقة، ووضعته على طاولة مختلف المتدخلين في سوريا. وإذا كان الروس والإيرانيون يشجعون، والأتراك والإسرائيليون لا يمانعون، وجل العرب يمتنعون، فإن الأوروبيين هم الأقل اهتماماً في ضوء الإحباط، الذي هم غارقون فيه بسبب الموضوع السوري، ما يعني أن الأمر عند الأميركي، وهنا ثمة تعقيد، لا بد من طرحه.
فإذا كانت سوريا وعموم الشرق الأوسط خارج الدوائر الثلاث في اهتمامات إدارة الرئيس جو بايدن، فإن الدخول الصيني إلى سوريا، لا يهم واشنطن، لكن الأخيرة لا يمكن أن تمرر شيئاً كهذا من دون أن يكون لها إصبع فيه، على نحو ما هي عليه التدخلات الإقليمية والدولية القائمة في سوريا، بدون استثناء روسيا، وعليه فإن واشنطن ستفكر في الأمر، لكن عليها أن تتذكر أن هذه هي الصين، والصين ليست كغيرها.

 

 

الكاتب : فايز سارة – المصدر: الشرق الاوسط