رئيسي وحصاد البيدر السوري

52

لم تستطع أخبار حرب السودان التغطية على الخبر السوري، بل بقي في صدارة الصفحات الأولى في مواقع الإعلام. وتأتي زيارة الرئيس الإيراني في 3 الجاري لترفع عدد الأسئلة التي سبق أن طرحتها رباعية وزراء الدفاع في موسكو، ومن ثم وزراء خارجية دول عربية في العاصمة الأردنية مع زميلهم السوري الذي سبق أن جال على دول عربية أخرى. 

هذه الحركة الناشطة بشأن سوريا، والتي تغيب عنها الولايات المتحدة، تترك إنطباعاً بأن ثمة من يصدق فعلاً الإنسحاب الأميركي النهائي من المنطقة، وإكتفاء واشنطن بالتحذير من التطبيع مع نظام الأسد وتحريك أساطيلها في مياه الخليج والبحر المتوسط. وبغض النظر عن الأهداف المعلنة لزيارة الرئيس الإيراني، والتي يقال بأن الهاجس الإقتصادي يغلب عليها، إلا أنها تعزز الإنطباع بأن محاولة تجري لتوظيف “الإنسحاب” الأميركي المزعوم في تثبيت دعائم نظام الأسد في دمشق. وتبدو كل التطورات في المنطقة تعمل لصالح هذه المحاولة: تفعيل الصين دورها في المنطقة، التطبيع التركي السوري الموعود، الهجمة العربية على التطبيع مع الإسد ومحاولة إعادته إلى الجامعة العربية، المصالحة السعودية الإيرانية. 

المواجهة الصينية الأميركية المحتدمة قد تجعل البعض ينسب إلى تنشيط الصين دورها في المنطقة الدور الأبرز في تحريك المحاولة الراهنة لتجاوز الولايات المتحدة في ترتيب الوضع السوري. لكن براغماتية الصين وحرصها على مصالحها الإقتصادية الكبيرة لا تقول لصالح هذه الفرضية. فالصين الحريصة على ألا تبدو إلى جانب أي فريق في الصراعات التي تتوسط فيها، وبعد طول إنتظار، عادت هذا الأسبوع إلى التواصل المباشر مع أوكرانيا، وضمنت بذلك عدم إثارة الغضب الأوروبي والحفاظ على السوق الأوروبية الكبيرة مشرعة لبضائعها. 

لم يتسن بعد للمحللين والكتاب السياسيين الروس  نشر نصوص تعليقاتهم على زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، واكتفت المواقع الروسية حتى الآن بتغطية أنباء الزيارة وما يقوله الإيرانيون والسوريون بشأنها. وإذا تحقق مايقال بأن المكون الإقتصادي سيغلب على طابع الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى سوريا منذ العام 2012، فهي تبدو وكأنها جردة حساب إيرانية لمحصول إنخراط إيران في الصراع السوري، أو كما يقال “حساب البيدر السوري”. 

وكالة تاس نقلت عن “الوطن” السورية قولها بأن رئيسي سوريا وإيران سيجريان محادثات مكرسة لتعزيز التعاون الإستراتيجي. ونقلت عن نائب رئيس ديوان الرئاسة الإيرانية محمد جمشيدي قوله بأنه سيتم خلال الزيارة الإحتفال بنصر “قوى المقاومة”. وأضاف بأن الإيرانيين عاشوا مرحلة تغيرات جيوسياسية شديدة التوتر، وبالنتيجة أحرزت إيران النصر، ولحقت الهزيمة بالولايات المتحدة. وبعد أن ذكر بمقتل قاسم سليماني على يد الأميركيين، قال بأن سليماني علّم الإيرانيين بأن القوة فقط في ميادين القتال تضمن نجاح الدبلوماسية. 

وتنقل الوكالة عن الصحيفة السورية عينها قولها بأن الرئيسين السوري والإيراني سيوقعان في ختام الزيارة على”حزمة كبيرة “من الوثائق. وتنسب إلى الأسد قوله خلال إستقبال وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني مهرداد بازرباش بأنه يؤيد توسيع نطاق التعاون الإستثماري وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. ورأى الأسد أن المكون الإقتصادي للعلاقات الثنائية ينبغي أن يتناسب مع مستوى التعاون السياسي بين طهران ودمشق. 

الرئيس الإيراني سبق أن أعلن مطلع العام الجاري عن نيته زيارة سوريا وتركيا. فقد ذكرت وكالة الأنباء الأرمنية Armenpress مطلع كانون الثاني/ يناير المنصرم أن المتحدث الرسمي بإسم الخارجية الإيرانية قال بأن رئيسي يخطط لزيارة تركيا وسوريا، من دون أن يحدد موعد الزيارتين ولا برنامجهما,

 ويبدو أن إيران أخذت منذ ذلك الوقت تعد لحساب البيدر وتغيير مقاربتها للتعاون الإقتصادي مع سوريا. فقد نقل موقع وكالة Neftegaz الروسية في 15 من ذلك الشهر عن Wall Street Journal قولها بأن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا نظراءهم السوريين بأنه تقرر الحد من إمداد سوريا بالنفط الرخيص. وأشارت إلى أن إيران ضاعفت ثمن برميل النفط ورفعته إلى سعر السوق حينها ـــــ 70 دولاراً للبرميل. 

نقلت المطبوعة الأميركية عن ممثل إتحاد مصدري النفط والغاز والمشتقات النفطية قوله بأن  إيران نفسها تتعرض للضغط، وليس من أسباب لبيع سوريا المنتجات بأسعار مخفضة. كما رفضت إيران حينها تزويد سوريا بإمدادات النفط الجديدة بالقروض، وطلبت منها الدفع مقدماً.  وأكدت الوكالة الروسية بأن إجراءات إيران تلك، كانت تعني إصطدام سوريا بأكثر أزمات الطاقة جدية منذ العام 2011. وأشارت إلى أن سوريا تستهلك يومياً حوالي 100 ألف برميل من النفط، تنتج منها 24 ألف برميل. 

أشارت الوكالة الروسية إلى أن البنية التحتية للعديد من حقول النفط مدمرة، والحقول الرئيسية تقع في شمال شرق سوريا، خارج سيطرة حكومة دمشق. ومعامل تكرير المنتجات النفطية تقع غرب سوريا على ساحل المتوسط، وتعاني من صعوبة إمدادها بالنفط الخام بسبب العقوبات الغربية. كما أشارت الوكالة إلى قرار سلطات دمشق آخر السنة الماضية بتخفيض أيام العمل الإسبوعي إلى 4 ايام بسبب النقص الحاد بالوقود. ونقلت عن “الوطن” السورية قولها بأن الرئيس الإيراني قرر الخريف المنصرم زيادة إمدادات النفط الإيراني من 2 مليون برميل إلى 3 مليون في الشهر. 

وكالة الأناضول التركية نقلت عن الرئيس الإيراني قوله اواخر كانون الثاني/ ينار المنصرم بأن إيران مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. ونقلت الوكالة عن هيئة الرئاسة الإيرانية قولها حينها بأن الرئيس الإيراني صرح بذلك لوزير الدفاع السوري علي محمود عباس، ووصف علاقات طهران بدمشق بأنها “إستراتيجية”. 

وقالت الوكالة بأن الرئيس الإيراني أكد للوزير السوري بأن إيران على إستعداد لتكون قرب نظام الأسد، وتعزيز التعاون متعدد الوجوه في عملية إعادة إعمار سوريا. وعبرت طهران أكثر من مرة على رغبتها بالمشاركة في مختلف الحقول في المستقبل. وتشير إلى أن إيران سبق أن وقعت مع دمشق على إتفاقية في مجال إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية والتبادل التجاري. 

حساب البيدر السوري تولاه وزير الطرقات الإيراني، وبقي على الرئيس الإيراني التوقيع على نصوص إتفاقاته مع الأسد. فقد قالت وكالة شينخوا الصينية في 28 الشهر المنصرم أن إيران وسوريا وقعتا على إتفاقية شاملة لتعزيز التعاون الإقتصادي. ونقلت عن وكالة فارس  بأن البلدين وقعا على مذكرة تفاهم شامل بشأن توسيع التعاون في مختلف الميادين. ووقع على المذكرة وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني مهرداد بازرباش ووزير الإقتصاد والتجارة الخارجية السوري  محمد سامر الخليل. 

وأشارت الوكالة إلى أن الوزير الإيراني إلتقى أيضاً مع وزير النقل السوري زهير حازم ورئيس الوزراء حسين عرنوس والرئيس السوري بشار الأسد. وقال الوزير الإيراني بأنه أكد مع المسؤولين السوريين على تسريع تطوير العلاقات الإقتصادية الثنائية. وأشار أيضاً إلى أن البلدين إتفقا على توسيع التعاون في حقل الطاقة، وتوصلا إلى إتفاقية في حقل الإستثمار في مجالي الطاقة الكهربائية والنفط، وشكلا مجموعات عمل تقنية لتنفيذ الإتفاقات المعقودة. 

الكاتب: بسام مقداد 

المصدر: جريدة المدن