رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان: إطلاق سراح العشرات من المعتقلين نوع من المخاتلة السياسية من قبل النظام السوري

رئيس المنظمة السورية لحقوق الإنسان: محكمة الجنايات الدولية تتحرك وفق مصالح وحسابات سياسية ضيّقة

29

كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن أهمية إعادة السوريين  الموجودين في مخيمات اللجوء في تركيا والأردن ولبنان والذين يعيشون أوضاعا مأساوية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة، لكن أطرافا عديدة اعتبرت أن العودة يجب أن تكون ضمن شروط تشرف عليها الأمم المتحدة  والمجتمع الدولي وأبرزها عدم ملاحقة المطلوبين واعتقالهم إلى جانب توفير مقومات الحياة من مسكن ومصدر  رزق بعد أن هدمت موارد رزقهم وقصفت منازلهم بفعل الحرب المستمرة.
وبين مقترحات التوطين وإيجاد الحلول الواقعية لا الوقتية، يظلّ السوريون ينتظرون بأمل وألم.

ويرى مهند الحسيني، رئيس “المنظمة السورية لحقوق الإنسان-سواسية” ، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ مشروع توطين مليون سوري بالشمال ضمن “المنطقة الآمنة” التي تُعدّها تركيا يمكن أن يكون حلا وقتيا، مشدّدا على أنه يجب العمل على إعادتهم إلى بيوتهم ومناطقهم الأصلية ضمن دولة جديدة ديمقراطية، لا هذه الدولة التي تتحكم فيها وفي مؤسساتها رموز فاسدة وقوانين ظالمة للإنسان.

س-تحضيرات تركية لتوطين مليون سوري بالمنطقة الشمالية.. كيف تقرؤونها، وماهي تأثيراتها على المنطقة التي تشهد حالة تغيير ديمغرافي غير مسبوقة؟
ج-منذ بداية الثورة ومنذ انطلاق عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي من قبل النظام والمليشيات الانفصالية من جهة أخرى، يرعبني مجرد التفكير  كسوري في تحسين ظروف الخيمة التي  يقيم فيها النازح لأن فكرة التوطين مرعبة ومن المفترض أن يكون هناك حل عادل لإعادة هؤلاء الناس إلى مناطقهم وأرضهم، لكن الآن بعد إحدى عشرة سنة، لا أريد المزايدة على جيل لم يتعلم وحرم من أبسط حقوقه في الدراسة. هناك تهويل من قبل  بعض الأكراد  للمنطقة العازلة التي تسعى تركيا إلى إنشائها ، لأن هذه الجهات تسعى فقط إلى إقامة إمارة حرب في تلك المنطقة.. إنني لست مع اقتطاع أي جزء من سورية بأي صيغة وشكل، وأصير عدوا  لكل من يحاول إنزال الراية السورية عن أي جزء من أرضها، وأرى أن تلك المنطقة سورية وسكانها سوريون.. إنّ مطلب إقامة مناطق آمنة أو عازلة من المطالب القديمة، فرضته تلّ أبيب ونفذته واشنطن على شمال العراق، والنموذج العراقي أبرز مثال، واليوم نشهد المحاولة الثانية في سورية،  سيناريو هدفه إنشاء دولة فاشلة دون مستقبل حيث تسعى إسرائيل إلى تغذية النعرة الانفصالية الاثنية العرقية التي لا يتميّز بها الكرد لكن تمتاز بها بعض الأحزاب، وأنا مع إقامة المنطقة الآمنة حاليا لأن هناك الآلاف بعد 12عاما من الحرب يعيشون وسط الخيام  دون أمل أومستقبل، وقد طالبنا منذ سنوات  بتلك المنطقة لكن القوى السياسية الكبرى لم تكن لها مصلحة في إقامتها.

 

س-كيف يمكن تطبيق العودة “الطوعية” للاجئين إلى مناطق النظام والمنطقة الآمنة على أرض الواقع في ظل تواصل الصراع؟
ج-لا توجد عودة ما لم تسقط هذه الدولة بمؤسساتها ورموزها الفاسدة، وما دامت هذه الدولة الأمنية المقيتة بترسانة القوانين القمعية الموجودة فيها قائمة لا يمكن الحديث عن العودة الطوعية الآمنة، برغم كل محاولات النظام ومن ورائه الروس، إنه أمر مستحيل، أما بخصوص السوريين الموجودين بتركيا وعودتهم إلى المنطقة الآمنة التي تحاول الحكومة التركية تأمينها وإنشاء بنية تحتية فنتمنى أن تكون من الحلول المؤقتة لأن الأصل هو ضرورة عودة هؤلاء المهجرين أن يعودوا إلى قراهم وبيوتهم ومدنهم ومناطقهم،  لكن إنسانيا تعتبر المنطقة الآمنة أفضل الحلول حاليا، علما أن معظم الأهالي الذين سيتوجهون إلى المنطقة المذكورة يعيشون بمخيمات لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة الكريمة.

 

س-ما هي قراءتكم للإفراج عن عشرات المعتقلين السوريين ضمن العفو الأخير،  وهل تشكل  هذه الخطوة بداية  لكشف مصير الآلاف من المعتقلين والمغيبين وإماطة اللثام عن هذا الملف الأكثر تعقيدا؟
ج-هذه الخطة هي نوع من المخاتلة السياسية من قبل النظام، لا يمكن الكشف عن مصير المعتقلين إلا بتطبيق أول مبدأ من مبادئ العدالة الانتقالية والذي يتمثّلُ في معرفة الحقيقة وإزالة هذا اللبس من الأكاذيب التي نشرتها المنظمات والهيئات الممولة  والتي نشرت أرقاما هي أقل من الواقع بكثير، فلو يُكشف اللثام عن الحقيقة لعرفنا أن بسورية قتل أكثر من 2 مليون شخص خارج إطار القانون وأكثر.
-إن حقّنا كشعب سوري في الكشف عن الحقيقة هو أول خطوة باتجاه العدالة الانتقالية،  لكن المشكل يكمن في عدم وجود قرار دولي يفضي إلى انتقال سلمي سلس للسلطة في سورية،  وللأسف لا يزال هناك تمسك بحكم القلة الطاغية المستبدة التي رهنت أغلبية الشعب السوري لأسباب  دينية أو عرقية لمصلحة النظام وتسببت بكل هذا الدمار الذي نتجرع سمومه.

 

س-لماذا فشلت القرارات الدولية وخاصة القرار  2254 في حلحلة الأزمة السورية؟ أين الخلل؟
ج-لا يوجد خلل، الخلل فقط بوجود الكيان الإسرائيلي،  فالحقيقة التي يجب مواجهتها هي أن الحكومة الصهيونية لم ولن تقبل بوجود دولة قابلة للحياة  وآمنة على حدودها، لذلك هيأت الأسباب من خلال البرامج الأمنية المشتركة لما بعد مرحلة الحادي عشر من أيلول في نيويورك، ومنذ ذلك الوقت كان الموساد الإسرائيلي عراب العلاقة بين الدول الغربية واستخبارات أنظمة الحكم المحيطة بكيان الاحتلال، ومن خلال هذه البرامج التي استمرت على مدى عشرين عاما، أقنعت الغرب بأن البديل عن الأنظمة المحيطة بها هو الإسلام اليميني المتطرف الإرهابي وهو مشروع أزهق طاقة  الأمل بمختلف الدول العربية على غرار مصر وتونس لإسقاط “الربيع العربي”.. هذه  المنطقة  يُراد لها أن تكون حوضا من الأشواك يحكمها  البربر والعسكر في كل الدول والمليشيات، وأن يكون وسطها وردة تفوح برائحة الدم تُدعى “إسرائيل”، هذا هو المشهد المطلوب بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. كانت هناك فكرة قبل أحداث سبتمبر لدمقرطة هذه الأنظمة  وأوّل ما طرح دمقرطته هو منطقة الخليج، وعمليًّا تمت الإطاحة بهذه الفكرة وتم إلغاء مشروع الدمقرطة نهائيا، وعراب التغييرات كان الموساد الاسرائيلي حيث هناك مصلحة خفية وقوية بين دوائر الاستخبارات الإسرائيلية ودوائر الاستخبارات العربية والغربية، والهدف أن يستمر الوضع  على ماهو عليه، وتعيش المنطقة حالة من الصراع  أو اللا سلم واللا حرب، يعني ضبابية مفرطة 100 سنة مقبلة.

 س-كيف يمكن تفعيل المحاسبة الدولية لمجرمي الحرب في سورية؟
ج-لا يمكن تفعيلها .. بالنسبة لمحكمة الجنايات الدولية هي محكمة مسيّسة .. هل يعقل أن تقوم هذه المحكمة بتحريك الادعاء ضد الروس.. نحن بسورية لدينا الائتلاف لقوى الثورة والمعارضة  يحظى باعتراف 86 دولة  تقول إنها من ضمن أصدقاء الشعب السوري،  وله مكتب قانوني تقدّمَ بلاهاي بقضايا منذ سنوات ومع ذلك مرّ 12 عاما والشعب السوري كان يُمطَر بالبراميل بطعم الكيماوي أمام مرأى العالم،  والروس قاموا  بـ”واجبهم” تجاه السوريين  بتجربة317 نوعا من الذخائر المحرمة دوليا على الشعب، ومع ذلك لا تتحرك المحكمة الجنائية الدولية لإيقاف المهزلة في سورية، لكن نفس هذه المحكمة تحركت فورا وفي غضون ساعات لما تعلّق الأمر بأوكرانيا والأوكرانيين و”نطق سيف العدالة”!.

 

س-أخيرا،  ماذا يتطلب الحل في سورية برأيكم؟
ج-يتطلب الحل في سورية دولة قانون ومؤسسات، وحتى نحقق ذلك لدينا تركة ثقيلة منذ 8 آذار 1963 حتى اليوم، خلال هذه الفترة كان نظام حكم الأسرة والعسكر بصدد تفريخ قوانين قمعية اضطهادية دون شرعية، تصب فقط في مصلحة النظام لا مصلحة الشعب السوري، وعمل النظام على ضرب منظومة القيم لاعتبارنا مجتمعا تراحميا تآزريا، وصنع منظومة قيم معادية تقوم على الهمجية والفوضى والبربرية والظلم.

-إن إحلال دولة القانون والمؤسسات  بحاجة إلى عملية مراجعة  كاملة للقوانين  والمشاريع التي وضعها مؤيدو اليمين المتطرف الإسرائيلي للتصدي لعصابة المافيا الحاكمة التي تعمل على توطيد حكم  القلة في سورية.. إن لم يتم إرساء حكم القانون والمؤسسات والعودة إلى الشرعية  الدستورية التي أرساها الأباء المؤسسون  في سورية فلا يمكن أن يكون هناك حل أبدا،  وأي حل لا يجسد إرادة الشعب وطموحاته هو عبارة عن ضحك على الذقون  وتلاعب بمستقبل السوريين والبلد.. خمسون عاما من حكم الأسرة الأسدية ونحن نعيش التمويه والتعتيم  على الشرعية الدستورية والقانونية.. نحن بحاجة للعودة إلى تلك الشرعية من خلال التداول السلمي على السلطة  أو من خلال إصدار القوانين التي تصب في مصلحة الأعم الأغلب من أبناء الوطن وتراعي المزاج العام للشعب السوري .