رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا: الإنهاك أصاب السوريين والأزمات تحط بثقلها على الجميع

45

على الرغم من توثيق أغلب الجرائم والانتهاكات بحق أبناء الشعب السوري، إلا أن الانتهاكات الهائلة لحقوق الإنسان وارتكاب جرائم الحرب بحق المدنيين لا تزال متواصلة في سورية، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى الضغط على النظام من خلال قانون العقوبات “قيصر” الذي شرعت في تطبيقه.

رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية مروان حمزة، تحدّث في حوار مطول مع المرصد السوي لحقوق الإنسان، عن الوضع الإنساني والحقوقي في سورية، معتبرا أن عودة المظاهرات في بعض المحافظات السورية ومنها السويداء، جاءت بسبب الأوضاع الكارثية، مضيفا أن “السويداء باتت نقطة انطلاق انتفاضة شعبية، تحركها ظروف الناس المعيشية ومعاناتهم، من دون أي استقطاب سياسي أو طائفي”.

وقال حمزة إن المظاهرات نتيجة الوضع الاقتصادي الفاشل بالبلد بكل الاتجاهات، حيث إن “تدني العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية انعكسا على ذوي الدخل المحدود بصفة خاصة”، محملا النظام فشل السياسات الاقتصادية التي زادت في تعميقها المحسوبية والموالاة. واعتبر رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية أن “المظاهرات القائمة في السويداء وغيرها، والتي جوبهت بالعنف، لن تقدر على إسقاط النظام مهما كان حشدها، بسبب السياسات العنيدة التي يتبعها النظام”.

ولا يتوقع السياسي السوري المعارض أي انفراجة في الوضع في سورية في المستقبل المنظور، مشيرا إلى أن الأوضاع ستتأزم أكثر مع تواصل انهيار الليرة السورية مقابل الدولار وتدني المقدرة الشرائية للسوريّ، متوقعا “مستقبل مظلم للوضع بشكل كامل”، وفق تقديره.

ويرى حمزة أن الصراع الإقليمي والدولي هيمن على الوضع بشكل كامل، مشيرا إلى أن هناك من يتاجر بالقضية السورية في الخارج، تزامنا مع سعي النظام إلى إسكات المعارضة في الداخل وتكميم الأفواه حتى لا تنجح في فرض أجندة خاصة بها. وقال إن الأزمة ستظل ممتدة إلى حين بلورة اتفاق سياسي روسي-أمريكي-تركي–إسرائيلي.

ويعتبر مروان حمزة، أن كل أوراق حل الأزمة بيد الولايات المتحدة “التي لو شاءت لحلت القضية، لكن يبدو أن الموقف الأمريكي تجاه المسألة السورية يهدف إلى تعطيل كل سبل الحل”. واتهم رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، إسرائيل بالسعي إلى تفكيك سورية أكثر وإنهاك اقتصادها، حيث “لا تريد جارة لها قوية ومستقلة وآمنة وناجحة”، موضحا أنها “تعمل من أجل صوملة سوريا”.

ويرى حمزة أنه لو جرت انتخابات في سورية وفق الواقع الحالي، فسيكون للنظام الحالي رصيد افتراضي بالتزوير في ظل غياب الرقابة الدولية، و”سينجح نظرا إلى أن أنظمته الحزبية وأجهزته الأمنية قادرة على تغيير أي نتيجة قد تكون لغير صالح النظام”، مؤكدا أن النظام يسعى لإفشال أي نجاح للجنة الدستورية قد يؤدي إلى تغيرات بنيوية لهذا النظام. وحول التناحر العائلي القائم بين رامي مخلوف والنظام، قال الناشط الحقوقي إن ذلك لن يؤثر على الانتخابات باعتبار أن كل الأجهزة بيد “الأسد”.

وعلى المستوى الاقتصادي، قال الناشط الحقوقي السوري إن الجميع يعاني من ويلات الحرب التي تدور في البلاد منذ 10 سنوات، وأصبحت الأوضاع الاقتصادية صعبة وتحط بثقلها على الجميع، ولكن ربما يسرّع قانون قيصر وتأثيراته على سعر صرف الليرة السورية، من تحرك الجميع بعدما وصلوا إلى حالة مادية صعبة جدا.

ويرى حمزة أن الولايات المتحدة أعادت النظر في هذا القانون وكيفية حماية المواطنين السوريين، مبيّنا أن “معاقبة النظام بهذه الطريقة لن تؤثر عليه فقط”، وأشار إلى أن رواتب موظفين من الدرجة الأولى “أصبحت تعادل أقل من 30 دولار في الشهر، ما يعني أن المواطن عليه أن يعيش بأقل من دولار في اليوم، هذا إذا كان لوحده، فما بالك بالأُسَر؟”، مؤكدا أن قانون قيصر سيضرر منه الشعب السوري.

وأوضح أن القانون يوفر للولايات المتحدة وسائل تساعد في وضع حد للصراع الرهيب والمستمر في سورية من خلال تعزيز قضية مساءلة النظام، معتبرا أنه “يحاسب أولئك المسؤولين عن موت المدنيين على نطاق واسع وعن الفظائع العديدة في سورية”.

وذكر حمزة أن الإحصائيات الحالية تتفق على أنّ أكثر من 85 بالمائة من سكان سورية يعانون الفقر وتهديد أمنهم الغذائي، وبالرغم من أنّ عقوبات قيصر تستثني المواد الغذائية والدوائية والتجهيزات الطبية، إلا أن انهيار قيمة الليرة السورية جعل من المستحيل على الغالبية الساحقة من السوريين شراء هذه المواد حتى في صورة توفرها، لا سيّما أنّ متوسط أجور السوريين حالياً أقل من 30 دولاراً شهرياً.

وتساءل: “كيف سيكون الوضع إذن بعد أن تهبط قيمة الليرة مجدداً ويصبح متوسط الأجور لا يتجاوز 6 أو 7 دولارات على سبيل المثال؟ علاوةً على ذلك، قد تمنع العقوبات الكثير من الأطراف من تبادل المواد الغذائية والطبية مع سورية، برغم أنها مستثناة نظرياً من العقوبات، وذلك خشية خرق العقوبات من دون قصد”.

وبحسب حمزة، فإنّ السوريين قد وصلوا إلى درجةٍ من الإنهاك يصعب معها مثل هذه العقوبات دون وجود هدف وخطة واضحة تؤدي إلى تغييرات حقيقية، وإذا كانت العقوبات ستؤدي إلى إزاحة النظام وتحول البلاد إلى مرحلة انتقال سياسي، فهذا لن يأتي إلا عبر قرار سياسي يبدو أنه لا يزال متعذراً وتعوزه الجدية، وليس بمقدور العقوبات الاقتصادية وحدها تحقيقه.

وأشار حمزة إلى التقارير الأممية الكثيرة التي حذرت من وضع النازحين في شمال غربي سورية واصفة إياه بالخطير، متهما روسيا وأمريكا وتركيا بتعطيل إدخال المساعدات الإنسانية. واتهم النظام بالتلاعب بالمساعدات الإنسانية التي تذهب أقساط كبيرة منها إلى مناصريه، بحيث لا يبقى إلا القليل للنازحين، داعيا المنظمات الدولية إلى الإشراف على توزيع المعونات والمساهمة في وصولها إلى مستحقيها في كل منطقة من سورية. وأضاف أنه لا يمكن لدولةٍ تشهد ظروفاً مشابهةً لما يحصل في سورية منذ عشرة أعوام أن تحافظ على اقتصادٍ جيدٍ كذلك الذي يدأب النظام السوري وإعلامه على الحديث عنه، بهدف إنكار التدهور الاقتصادي الواضح للعيان.

ودعا مروان حمزة الأمم المتحدة إلى مراقبة فاعلية القانون على الأرض حتى يكون قاسيا ولا يفلت أحد من العقوبات، وتابع: “برغم أن العقوبات لن توقف الانتهاكات المستمرة والاعتقالات والملاحقات، فإن من شأنها أن تجهد النظام وتجعل اقتصاده أكثر سوءًا، خصوصاً أنه منهك من الحرب التي لا يزال يخوضها، ومن الممكن جره إلى حل سياسي يناسب الولايات المتحدة”.

وانتقد رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سورية، غياب المنظمات الحقوقية العربية والدولية على الأراضي السورية، مشيرا إلى أن النظام لم يسمح بأي تراخيص وأن العمل بمجال حقوق الإنسان بالنسبة للنظام يمثل أخطر الأعمال. وأضاف: “باعتبارنا منظمة غير مرخصة رسميًا ولا يوجد قانون ترخيص في سورية لمنظمات العمل المدني والإنساني، يصعب علينا التعريف بعملنا بالكامل، خاصة فيما يتعلق بتوثيق مختلف الانتهاكات”.

وتابع: “هذا يشمل المعتقلين والمغيبين قسريًا والمختطفين، سواء في سجون السلطة المعترف بها أو السرية أو في سجون الجماعات الإسلامية والمتطرفة، أو الذين يخطفون لأغراض مادية”. وأعرب عن أسفه لعدم وجود توثيق دقيق للمعتقلين في سورية ككل، مضيفا: “يصعب علينا التواصل مع أعضاء المنظمة في المناطق المحاصرة بسبب ظروف الحرب، علما أننا كمنظمة لا يوجد لدينا أي دعم أو تمويل خارجي”.