رامي الشاعر بين الوهم واليقين …رسائل متعددة

100

 

بقلم: هدى أبو حلاوة

مرة أخرى يحفز الأستاذ رامي الشاعر الوسط السياسي السوري على التفاعل والحوار بعد مقالته التي نشرتها “زافترا” بتاريخ 20\02\2021 بعنوان “هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل”، ملخص المقال أن “النظام لا يعتزم أن يقدم أي تنازل باتجاه تنفيذ القرار 2254 لأن الأسد وزمرته يخشون مصيراً مماثلاُ لمصير ميلوسيفيتش، ولكنه يطمئنهم بأن روسيا موجودة عسكرياً وهناك مجموعة أستانا أضف إلى ذلك تبخر مجموعة أصدقاء سورية التي كانت تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، ثم إن النظام شريك في العملية السياسية وهو مقبل على عملية انتخابية مضمونة النتائج” وعليه استنتاجاً الانخراط في هذه العملية. هنا يعيد الشاعر دعوته المتكررة لانخراط النظام ويبدو لأول وهلة أن لا شيء جديداً، ولكن طريقة مقاربته مختلفة وتحفل بالعديد من الرسائل التي يمكن فهمها بمعنيين.

إن موقع الرجل نفسه يتيح له إرسال الرسائل المزدوجة المعاني، فهو عربي تربطه بسورية علاقة تاريخية وهو أيضاً روسي طويل الباع في السياسية الروسية الخارجية وبشكل خاص منطقة الشام، وهو لا يشغل أي منصب رسمي، ولكنه مطلع وقريب من دوائر القرار الروسي، وهو لم يكن يوماً معادياً للنظام، ولكنه ذاق معاناته معه على الصعيدين الخاص والعام، وأخيراً هو ليس فقط كاتب مقال ولا قناة لتبادل الأفكار والمبادرات، إنه كل ذلك معاً.

ينطلق الكاتب من إشارة إلى أقلام تتحدث عن “فشل مسار أستانا وعدم جدوى اللجنة الدستورية” دون أن يوضح رأيه بهذا الشأن، ولماذا مضت سنة ونصف ووفد النظام يرفض حتى الآن صياغة مبدأ دستوري واحد، ورغم أن الشمس لا تحجب بغربال إلا أنه يتفادى أن يشير بإصبعه إلى الطرف المعطل، ولكنه يقر ضمناً بعرقلة النظام للحل السياسي ويرده إلى عدم ثقة النظام وعدم توفر الضمانات الكافية لتجنب مصير ميلوسيفيتش. وهنا يمكن للقارئ أن يفهم مباشرة أن على الغرب أن يقدم ضمانات أمنية لطغمة الأسد ومواربة أن هذا المصير محتمل في حال عدم تطبيق القرار وانسداد أفاق الحل.

وحين يتطرق إلى دور الضامن الروسي ومجموعة أستانا كدور مطمئن نجده يكشف عن رسالة استغاثة الأسد إلى الكرملين عندما كان النظام على شفير الهاوية في حركة إذلال متعددة أولها عملية الكشف ذاتها إذ لم يسبق للحكومة الروسية أن كشفت عن وثائق سرية  راهنة منذ أن كشفت حكومة البلاشفة عن الاتفاقيات الامبريالية قبل قرن من الزمان ناهيك عن لهجة الاستعطاف الواردة في الرسالة، ورسالة الشاعر تقول بالدليل استقم فإن روسيا أنقذتك وأنت على شفير الهاوية، وربما أراد أن يلقم حجرا في أفواه بعض الكتبة الموالين الذين تطاولوا في وقت سابق على روسيا ودورها بله على الرئيس الروسي شخصياً.

ولعل الأهم من ذلك ما أوضحه بأن التدخل الروسي قد تأخر قرابة العامين لتهيئة الوضع الملائم بالتنسيق مع الإيرانيين والأتراك وبالدرجة الأولى الأمريكان، تجنبًا لوقوع احتكاك عسكري غير محسوب. وإذا لم يكن التدخل العسكري الروسي خطوة من جانب واحد بقدر ما كان ثمرة اتفاق وتنسيق مع القوى المتدخلة الأخرى وبوجه خاص الأمريكان، وبطبيعة الحال رافقت هذا التوافق تفاهمات معينة بين الطرفين انعكست في القرار 2254، يمكن هنا لعشاق نظرية المؤامرة الحديث عن صفقة روسية أمريكية، ولكن هذه الصفقة ليست شيئاً غير القرار 2254 ومستلزمات تطبيقه. ومع ذلك فإن الشاعر يجد القرار غير كاف ويجب أن ترافقه ضمانات دولية أمنية تحول دون التصفية الجسدية للزمرة الحاكمة أو ما يسمى استراتيجية الخروج الأمن أثناء التحول، حسناً، ولكن ماذا عن الضمانات السياسية للانتقال، والتي لا يجيب عنها القرار؟ أي الآليات العملية للانتقال أو التحول وخصوصاً مسألة الاتفاق المتبادل التي تتيح لأي طرف سواء النظام أو المعارضة وضع فيتو على العملية برمتها والتي سمحت للنظام بتعطيل اللجنة الدستورية ألا يجب على المجتمع الدولي أن يقدم مثل هذه الضمانات والبدء على الأقل برفع مستوى تفويض الممثل الخاص من ميسر إلى وسيط بما يسمح له تقديم المبادرات وتقريب وجهات النظر على الأقل.

يقدم الشاعر جائزة ترضية للنظام حين يقول بصدد الانتخابات التي سيجريها وفقاً لدستور 2012 وفي ظل الظروف الراهنة، إنه ما من مخرج آخر، والحقيقة أن هذه الانتخابات ليست مخرجاً على الاطلاق، ولو كانت كذلك لخرجنا منذ 2014 حين أجرى انتخابات رئاسية وبرلمانية لم تضف ذرة إلى شرعيته المنهارة ولا قربتنا قيد أنملة من حل المشكلة، ويردف بأن الأسد واثق من الفوز حتى ولو شارك في الانتخابات جميع السوريين مشيراً إلى فشل المعارضة في تقديم شخصية وطنية تستطيع أن تحظى بثقة أكثر من 4 ملايين. وهنا نحن بحاجة لتوضيح نقطتين الأولى إن إجراء الانتخابات وفق الدستور الحالي وفي ظل الظروف الراهنة تعني حتما أنها انتخابات غير حرة ولا نزيهة وإن نجاحه فيها مضمون حتى ولو شارك فيها سكان العالم قاطبة، النقطة الأخرى ماذا لو كان لدينا شخصية أخرى تحظى بتأييد أربعة ملايين ونصف ناخب هل ستحل المشكلة؟ ومع علمنا أن الانتخابات ستكون في النهاية آلية الاختيار الوحيدة فإن سورية ليست بحاجة لمن يحظى بعدد ما من الأصوات، إنها بحاجة لمن يستطيع توحيد السوريين، ونعلم جميعاً أن هذا الشخص عاجز عن ذلك، بل هو عاجز عن إقناع وتوحيد ما يسمى بجمهور الموالاة الذي تبددت أوهامه بسبب الفساد والفقر وانعدام الكفاءة وانهيار الخدمات وانسداد آفاق تحسين الأوضاع المباشرة للناس دون حل سياسي، ما يذكرنا بقول الشاعر أحمد فؤاد نجم “أنا خايف بكرة في يوم النصر ترجع سينا ونخسر مصر”.

أخيراً يلفت الانتباه عنوان المقالة “هل تلجأ دمشق للتطبيع مع إسرائيل” الذي يعبر فقط عن ثلاثة سطور فقط تصف من يحاول ذلك بأنهم واهمون، إنهم غير قادرين على تثبيت معادلات جديدة خارج المعادلة الروسية-الأمريكية، كما إنهم غير قادرين على عقد صفقات جانبية متفردة مع الإسرائيليين ولا مع الأمريكان، الصفقات الكبيرة حق حصري للاعبين الكبار وقد أبرموها من البداية، واليقين الوحيد هو تنفيذ القرار 2254.