رامي عبدالرحمن.. «خياط كوفانتري» يملك أرقام المجزرة السورية

40

يترأس رامي عبدالرحمن المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يعمل على تزويد مختلف وسائل الإعلام العربية والغربية بأخبار الصراع الدائر في بلاده، وما يتعلق منها بالدمار الحاصل يوميا، وبأعداد القتلى والجرحى الذين يسقطون بالعشرات يوميا.. فمن هو هذا الرجل؟
كان عليَّ أن أحدثه، وأحدث مساعدته مرات عدة، لأقنعه بالموافقة على إجراء مقابلة صحفية معه. وفيما رفض استقبالي في بيته أو في محله للملابس، من باب الحفاظ على سلامة وأمن عائلته – على حد قوله – فقد قَب.ل لقائي في مقهى للشاي.
لم يبد لي رامي عبدالرحمن، ببذلته الرمادية وشاربه القصير ونظاراته الرفيعة المستطيلة الشكل، ذلك المنشق القادر على إسقاط نظام بشار الأسد.
من «كوفانتري»، هذه المدينة التي تقع وسط انكلترا، يدير هذا الأربعيني، ومنذ عام 2006 المرصد السوري لحقوق الإنسان، الذي يعد مصدر أغلب المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام عن الاضطرابات وأحداث العنف التي تعيشها سوريا. وبات كثيرون يطلقون عليه لقب «خياط كوفانتري»، من باب التشبيه بشخصية الخياط الذي لعب دورا مهما في سير أحداث بنما إبان دخول القوات الأميركية.
وصل رامي إلى المملكة المتحدة في 10 يونيو 2010. إنه أكبر أفراد عائلة سنية، تتكّون من تسعة أطفال، غادر مسقط رأسه بنياس وسوريا، حين بلغ التاسعة والعشرين من عمره. ويقول إنه غادر بلاده بسبب وجود خطر على حياته.


كان رامي منذ فترة المراهقة، يناضل ضد ظلم وجور النظام. ويقول إنه لن ينسى أبدا هذه القصة التي يرويها: «حين كنت في السابعة من عمري، جاء إلى منزلنا عدد من أفراد الشرطة واعتدوا بالضرب على اثنتين من شقيقاتي، كانتا تلعبان على سطح منزلنا.. وحين عاد أبي الى البيت وعلم بالأمر، توجه الى القاضي ليشكو له سلوكيات أفراد الشرطة، لكن أحدا لم يقبل أن يشهد ضدهم، الجميع كانوا خائفين. في ذلك اليوم اكتشفت أن حكومتنا لا تعامل مواطنيها بالطريقة ذاتها، وبدأت أتساءل عن الأسباب».

المصداقية أولاً
حين كان طالبا في الثانوية، أنشأ رامي «المجموعة المتحدة من أجل الديموقراطية»، وكان يوزع المنشورات، مما عرّضه للتوقيف والاعتقال مرات عدة، ولكن لفترات قصيرة، قبل أن يغادر إلى المنفى.
اليوم هاتفاه يرنان باستمرار «أنا أنام ما بين ساعة وخمس ساعات يوميا، كي أكون جاهزا لتلقي، اتصالات من 200 شخص، أعتمد عليهم في جمع المعلومات من داخل سوريا. وأنا الوحيد، الذي أقوم بجمع هذه المعلومات بشكل مركزي».
ويقول رامي إن نواة شبكته تتكون من 50 شخصا، كان يعرفهم قبل مغادرته سوريا «في الأساس، هم شباب متعلمون ومخلصون».
مع مرور الوقت توسّعت الشبكة، فيما تم استبعاد البعض بسبب عدم مصداقيتهم. ولضمان أمنهم الشخصي لا يعرف الأعضاء هوّيات بعضهم، وللتأكد من صدقية معلوماتهم لا يقوم رامي بنشرها إلا بعد التأكد والتحقق منها مرات عدة «إنها مصداقيتي، لا أستطيع أن أثق بأحد، لا السلطات السورية ولا المعارضة، لكل طرف مصالحه، ليسوا محايدين ولهذا فأخبارهم غير موضوعية».

أريد الديموقراطية
وفي خضم الانتقادات التي يواجهها نظام الأسد، الذي يتهم رامي عبدالرحمن بكونه «بيدقا» في يد المعارضين والإرهابيين، يعتقد رئيس «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه نجح في أداء عمله «لو لم أكن أقول الحقيقة، لما سعى هؤلاء للنيل من سمعتي.. كل أخباري ومعلوماتي يتم تأكيدها بعد نشرها، وهو أمر لم تتحمله بعض فصائل المعارضة «أريد الديموقراطية في بلادي وليس نظاما دكتاتوريا قمعيا، ولا التعصب الديني، ولا تنظيم القاعدة.. هناك بالتأكيد ومنذ فترة طويلة مشاكل بين السُّنة والعلويين، لكن الجميع فهم أن جميع الأقليات بمن فيهم المسيحيون والأكراد، يجب أن يعيشوا في سلام».
وفي انتظار أن يحلّ هذا العهد الجديد، يعاني رامي حتى بين أحضان عائلته من نتائج التزامه بهذه القضية «أحد أشقائي ورغم أنه يقيم أيضا في كوفانتري، إلا أنه يشعر بالخوف اليوم من زيارتي في بيتي زوجتي – أيضا – تقول لي منذ فترة إني أحلم بأنني ضيعت حياتي العادية في سوريا»، قال رامي ذلك وفي نبرة لسانه ضجر وسأم، ثم أضاف: «لكن لم تكن حياتنا عادية في سوريا، لأن الجميع لم يكن لديه الحقوق ذاتها لقد فهمت زوجتي وجهة نظري وهي الآن تهتم بمحل الملابس الذي يسمح لنا بالعيش وبتمويل نشاطاتنا».

جنون العظمة
هذا العمل الذي يقوم به رامي لا يتلقى عليه أجرا من وسائل الإعلام العالمية، التي تنشره ولا يتلقى أي تمويل خارجي. «لقد اقترحوا عليَّ المال، لكنني لا أريده من حكومات أو مؤسسات.. العديد من الأشخاص قالوا إنهم يرغبون في مساعدتي، ولكني لم أصدقهم، لأن الكثيرين يهدفون إلى النيل من مصداقيتي».
في أغسطس من عام 2011، أعلن سوري مقيم في المملكة المتحدة أنه هو المؤسس الحقيقي للمرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد أن ساعد لفترة في تنفيذ النسخة الانكليزية لموقع المرصد على شبكة الانترنت، وفي رده على هذا، يقول رامي «لتبيان الحقيقة، قمت بإظهار كل فواتير الموقع الالكتروني منذ إنشائه، وكلها موجهة إلي وتحمل اسمي»
هكذا دافع رجل كوفانتري عن نفسه. أضاف «لكن هذا الأمر أساء الى سمعتي بعض الوقت في الخارج، وكان هذا هو الهدف منذ البداية».
اليوم يتلقى رامي مساعدة تقنية من فني متطوع مقيم في المملكة المتحدة، حيث يساعده في إدارة الموقع وصفحة المرصد على موقع فيسبوك، بالإضافة إلى مساعدة يقدمها خمسة ناشطين مقيمين في الخارج.
يقول رامي عبدالرحمن «ليس لي أدنى اتصال بأفراد عائلتي الذين بقوا في سوريا، إنهم خائفون.. لقد جاء والدي منذ بضعة أعوام إلى هنا، لكني لم أر والدتي منذ غادرت سوريا قبل 12 عاما.. لقد ألصقت صورة لبشار الأسد أمام بيتهم لتذكيرهم بضرورة التحلّي بالهدوء».

المصدر :صحيفة  القبس  الكويتية