رسالة عاجلة إلى السيد بان كي مون القلِق أبداً!

23

حضرة السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتّحدة القلِق والمُقلق،

يُقلقني، كمواطنة عربية لا حَول لها ولا قوّة، تعيشُ وطفليها في منطقة تشهدُ حروباً متتالية وقضايا سياسية بلا حلول، أولاها فلسطين وآخرها سورية، وما بينهما من عراق ويمن وبحرين وليبيا ومصر وتونس، يُقلقني أن تُبدي، في كلّ مناسبة، أو بلا مناسبة، قلقاً دائماً ومستديماً حيال ما يجرى في سورية وأوضاع المنطقة. وما يُقلقني أكثر، أنا المواطنة المُسالمة العزلاء الرافضة كلّ أنواع العنف، الرافضة حتى اقتناء بارودة للصيد، أننا متشابهان في قلقِنا، كما في عجزِنا حيال ما يجرى، رغم الفرق الواسع في موقِعينا: فجانبك يدير مؤسسة دولية لإدارة الأزمات ونشر السلام، تضمّ دول العالم المستقلّة، خصوصاً الأكثر تأثيراً وقوّةً منها، وقتَ أُدير شؤون عائلتي وأحلامها الصغيرة بوطن آمن.

ثمّ يُقلقني، كعربية متزوّجة من أجنبي، أن تطلبَ، وبثقة تامّة، تجنيسَ اللاجئين السوريين وإعطاءهم حقوقاً لا تملكها المرأة العربية المتزوّجة من أجنبي في وطنها الأم. فأنا حتى الساعة أجدّد الإقامات لطفلَيّ «الضيفين» في بلد يُفترض أن يكون وطناً ثانياً لهما، يحضنهما ويحميهما. وها هما لا يملكان فيه أيّ ورقة «عربية» رسمية تثبتُ أنهما من لحمي ودمي، هذا فقط لأن القدر شاء أن يولدا من «امرأة» بدلاً من «رجل» من جذور عربية، في منطقة تعتبر النساء مواطنات من الدرجة العاشرة.

والواقع أنني لم أسمع يوماً عن «قلقكم» في ما يتعلّق بحقوق المرأة العربية المهضومة، وجرائم القتل المتعمّدة بحقّ نسائنا، والعقوبات المخفّفة على جرائم الشرف، وآلاف الفتيات المجبرات على ترك المدرسة باكراً في ظلّ غياب قانون إلزامية التعليم للفتيات، ثم يُتركن في مهبّ الزواج المبكر وتبعاته الجسدية والنفسية المضنية. ولم أقرأ أنكم مع «الكوتا» النسائية لتأمين مشاركة نسائية منصِفة في الحياة السياسية، ولم تستنكروا يوماً نتائج الانتخابات الذكورية البحتة، ولا الحكومات المشكّلة عهداً بعد عهد، بلا العنصر النسائي. ولم ترسلوا سفيراتكم من نجمات هوليوود الجميلات والرشيقات للمشاركة في تظاهرة نسائية واحدة دعماً للمرأة العربية وحقوقها.

لكن، والحقّ يُقال، إن منظمة «الأمم المتحدة» كانت ولا تزال داعمة أساسيّة للمخيّمات العربية الموزّعة هنا وهناك، والتي صارت بدائل عن الأوطان العربية الضائعة، الوطن بعد الآخر. وهي لم تبخل يوماً في توزيع المعونات والمساعدات والأغطية واللقاحات والعلاجات الميدانية والمهدئات وأدوية الأعصاب، وحتى البسكويت المنتهي الصلاحية، مرفقاً باعتذار وتأكيد أن «البسكويت، ورغم انتهاء صلاحيته، لن يضرّ بصحّة صغار سورية، ولا بأس من تناوله!».

وعلى رغم كمّ القلق الذي تبدونه يومياً إزاء المنطقة العربية وصراعاتها ومخيّماتها ولاجئيها ومشرّديها وشهدائها، وتنقلونه لنا ديبلوماسياً وإعلامياً وإلكترونياً، فإنني أعلن لكم، بقلق أيضاً، أنني ما زلتُ متمسّكة بأرض وطني، وسماء وطني، وهواء وطني (الملوّث طبعاً)، مطالبةً بحقّي الشرعي منح ولدَيّ الجنسية، ومناضلةً من أجل حقّ اللاجئين، الفلسطينيين والسوريين منهم، بالعودة الى أرضهم، مؤيّدةً الحلولَ السياسية في المنطقة، رافضةً الحربَ، مناديةً بالحرية والديموقراطية والمساواة. راجيةً أن تتفهّم موقفي هذا بصدر رحب، وأقلّ منسوب ممكن من القلق…

فاديا فهد

الحياة