روسيا-إيران:مناورة سورية

26
التسريبات الأميركية الإسرائيلية عن خطة روسية عُرضت  على كل من أميركا وإسرائيل بإبعاد القوات الإيرانية عن سوريا، مقابل التخفيف من وطأة العقوبات الأميركية على إيران، لم تلق في روسيا ردة الفعل التي كان يمكن توقعها تجاه حدث، اعتبرته القناة العاشرة الإسرائيلية تحولاً في الموقف الروسي من الوجود الإيراني في سوريا. فقد اقتصر الرد الروسي، حتى الساعة، على تصريح سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية، الذي قال بأنه لا يستطيع  أن يؤكد هذا الجانب بالتحديد من “رفع العقوبات مقابل شيئ ما “، الذي ورد على لسان نتنياهو حسب التسريبات المذكورة. لكن نفي وزارة الخارجية علمها بمثل هذا النقاش على مستواها، لا يعني أن الرئيس الروسي لم يتقدم بمثل هذه الأفكار، حسب صحيفة “NG” الروسية. وكان ريابكوف نفسه قد صرح، بأنه كانت هناك أفكار قريبة من هذه الفكرة، لكن لم يتم تطويرها، وقال بأنهم، في روسيا، يواصلون البحث “عن ما يمكن عمله في هذا المجال ” مع جميع البلدان التي “نتحدث عنها الآن”.

في إسرائيل يأخذون على نتنياهو لقاءه مع بوتين في باريس في ظل “سعار معاداة السامية”، الذي انفجر في الإعلام الروسي إثر حادثة سقوط الطائرة الروسية، ويعتبرون أن ما جاء على لسانه في الجلسة المغلقة للجنة البرلمانية حول عرض بوتين، ليس سوى تبرير لعقد هذا اللقاء، حسب موقع “cursor” الإسرائيلي الناطق بالروسية. وينقل الموقع عن كاتب سياسي إسرائيلي تساؤله ما إن كان يمكن تصديق ما جاء على لسان نتنياهو، ويقول بأن كلام الأخير هو للإستهلاك الداخلي، ولن يهتم نتنياهو لما سيترتب على كلامه من نتائج، طالما أنه يستند إلى دعم مطلق من الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

لكن، وبغض النظر عن حساباته الداخلية، التي قد تقف وراء حديثه عن العرض الروسي، إلا أن نتنياهو يدرك حساسية الملف الإيراني بالنسبة للكرملين، الذي يتغاضى عن التسريبات الإسرائيلية المتكررة عن استمرار الطيران الإسرائيلي، بعد حادثة الطائرة الروسية، بخرق الأجواء السورية. وآخر هذه التسريبات كان على لسان نتنياهو نفسه كما نقلت “هآرتس”. فقد نقلت نوفوستي عن الصحيفة في 20 من الشهر الجاري قولها، بأن نتنياهو صرح في اجتماع للجنة الكنيست للشؤون الخارجية والدفاع، بأن روسيا غير قادرة ، بقواها الذاتية، على وقف النشاط الإيراني في سوريا، وهي بحاجة لتدخل “دولة أخرى”.

وعلى الرغم من أن “الدولة الأخرى”، ليست سوى إسرائيل، كما يبدو من حديث نتنياهو.. فقد وصف العلاقات بين إسرائيل وروسيا بأنها جيدة، كما كانت في السابق، قبل حادثة سقوط الطائرة الروسية، وقال بأن لقاءه مع بوتين في باريس “كان ممتازاً”، وأنه اقترح عليه تعزيز التنسيق بين الجيشين الروسي والإسرائيلي في سوريا.

ونقلت الصحيفة عن نتنياهو تأكيده بأن الطيران الإسرائيلي يواصل، بعد حادثة الطائرة الروسية، تحليقه في الأجواء السورية من أجل جمع المعلومات، التي تشير إلى أن عمليات تسليم الأسلحة الإيرانية في الأراضي السورية إلى حزب الله في لبنان، قد انخفضت كثيراً بعد تلك الحادثة.

من جانب آخر تقول الصحيفة الروسية “NG” أن الخبراء الروس يفترضون أن العامل الإيراني حاضر دائماً، بشكل أو بآخر، في مفاوضات روسيا مع الشركاء الغربيين. وتنقل الصحيفة عن أحد خبراء المجلس الروسي للشؤون الدولية قوله، أن بوسع روسيا لعب ورقة كبح العامل الإيراني لصالحها، وليس في سوريا فحسب، بل وفي لبنان أيضاً، إذ يمكنها عرض تسليم أسلحة للجيش اللبناني، مما يضعف ارتباطه بحزب الله. ويؤكد هذا الخبير أن روسيا لا تعمل في سوريا سوى القليل لكبح إيران، وليس بسبب إمكانياتها، بل بسبب عدم رغبتها أيضاً. إذ تفترض روسيا أن إيران هي نفسها بدأت تغير استراتيجيتها في الواقع الراهن، حيث تعتقد أن وجودها “النافر” في سوريا أصبح يستفز الناخب الإيراني في ظل تزايد النشاط الإسرائيلي، وعودة العقوبات، بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاقية النووية.

وبعد أن يشير الخبير هذا إلى تغلغل إيران في البنى المدنية والسياسية والعسكرية في سوريا، وإلى شرائها الأراضي في حلب وعلى الحدود مع لبنان، يقول بأن روسيا ليس بوسعها، موضوعياً، لجم إيران. بل هي بوسعها النضال ضدها من أجل فرض نفوذها، وتقديم الأمر، بأنه عملية كبح لإيران. ويستشهد على ذلك بما جرى في حلب، حيث حاولت روسيا التحكم بالنفوذ الإيراني هناك، ونشرت شرطتها العسكرية التي ما لبثت أن خرجت، وبقيت حلب منطقة نفوذ لإيران، حيث بنت صلات وثيقة مع العديدين من التجار السوريين، واحتفظت بمجموعات من المقاتلين السوريين يقيمون في معسكرات قرب للمدينة.

ويبرر الخبير المذكور العرض الروسي لكل من إسرائيل وأميركا، ويفترض أن روسيا كان لا بد لها من القيام بذلك، من أجل التذكير بسمعتها “كوسيط دبلوماسي مهم”. فهو من جهة تعزيز لوضعها بصفة الوسيط، ومن جهة أخرى هو إعلان مناقصة، إذ يمكن لروسيا أن تقول “ها نحن نلجم إيران، فتفضلوا أنتم الأميركيون بالخروج من قاعدة التنف. سوف نلجم نحن طموحات إيران، أما أنتم فتفضلوا بالتحرك إلى شرقي الفرات”.

صحيفة روسية أخرى، هي “RBK”، وفي مقاربتها لمعضلة روسيا الإيرانية في سوريا، رأت أن تستعين بتقرير لمؤسسة دراسات تركية (EDAM)، نُشر في 14 الشهر الجاري، تحت عنوان “كيف يؤثر التوازن في الجيش على الوضع في سوريا”. تنقل الصحيفة عن التقرير قوله، بأنه من أجل إقامة سلام في سوريا، يتعين على روسيا إعادة بناء الجيش السوري. وهي تسعى كي تعهد بقيادته لقائد ” قوات النمر” الجنرال سهيل الحسن الموالي لروسيا، والذي سيواجه في ترقّيه معارضة القوى الموالية لإيران.

وبعد أن تنقل الصحيفة عن التقرير دخوله في تفاصيل الوضع الراهن المتردي للجيش السوري، تقول أن إيران، تعتمد في سوريا الإستراتيجية التي اختبرتها في لبنان والعراق واليمن، والتي ترتكز إلى استخدام الفراغ في السلطة. فهي تسعى في سوريا لتشكيل مجموعة على غرار حزب الله في لبنان، وهو الأمر المستحيل إلا إذا بقي النظام السوري ضعيفاً، واستمرت البلاد تعيش في ظروف الحرب.

أما روسيا، فهي على عكس إيران، تسعى، حسب الصحيفة، إلى توحيد البلاد وتعزيز الدولة السورية، من أجل إقامة حوار حول التسوية السياسية للنزاع السوري. لكن من أجل إقامة سلام في سوريا، يتعين على موسكو طرد العناصر الأمنية الإيرانية من القطاع الأمني، ولجم القوات الإيرانية العاملة في البلاد. لكن روسيا لن تقوم بمواجهة مكشوفة مع إيران، بل هي سوف تحاول، بدلاً من ذلك، تحويل الجيش السوري إلى مؤسسة قادرة، بحكم هيبة قيادتها، على احتواء المجموعات المتفرقة واستعادة التوازن في البلاد.

من الواضح أن روسيا ليست مستعدة لانتشال الكستناء الإيرانية من النيران السورية لصالح أي طرف آخر. وهي تدرك أن كلفة انتشال هذه الكستناء سوف تكون مرتفعة جداً، ولن تقوى على تحمل تبعاتها بمفردها. ولذا من الطبيعي جداً، حسب المنطق الروسي ، أن يعرض بوتين على كل من نتنياهو وترامب العرض – الصفقة، التي تم تسريبها، وليس من دون موافقة الكرملين، كما يبدو.

بسام مقداد
المصدر: المدن