زحام على أبواب «الحلّ» السوري!

32

لم يتعامل الغرب مع «الحالة» الإيرانية بالاستناد إلى هواجس المنطقة وموقفها من «المشروع الإيراني». لم يهتم العالم لتوجس العرب من «الهلال الشيعي» على ما حذّر عاهل الأردن (2004)، ولم يقلق من «ولاء الشيعة» لدولة الولي الفقيه، على ما صدر عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك (2006). أتى إهمال المجتمع الدولي للمخاوف العربية المعلنة مؤسساً على افتراضيْن، إما عدم اكتراثه لما يمكن لإيران أن تعبثه بتوازنات المنطقة طالما أن ذلك يجري تحت سقف مصالحه، وإما لأن ما يملكه العالم من معطيات واقعية، بعيدة عن الأوهام الانفعالية، عن إمكانات إيران وقدراتها، لا يتوافق مع ما يصدر عن طهران من مواقف، ولا يتّفق مع ما تبثّه المنطقة من نوبات جزع وريبة.
دارى المجتمع الدولي «الحالة» الإيرانية في كل ما يختصّ باختراقات طهران في كل المنطقة. تعايشت العواصم الكبرى مع ما تملكه طهران من نفوذ هنا وهناك وهنالك. تبادلت الولايات المتحدة الخدمات مع إيران لمواكبة غزوها لأفغانستان (2001) والعراق (2003)، وتعامت عن عبث تسببه السياسة الإيرانية في اليمن، على ما كانت تعلنه صنعاء أياً كان حاكمها، وقاربت الصراع البحريني الداخلي بلبس لم يربكه إلا خروج استثنائي للسنّة في الشارع مقابل «عادية» الحراك الشيعي المعارض السابق لذلك، فيما تركت لإسرائيل مسؤولية إدارة التعامل مع الحصون الإيرانية في سورية ولبنان.
لحراك السداسية في تفاوضها مع إيران عنوان واحد. القنبلة النووية الإيرانية العتيدة تهدد أمن إسرائيل، على ما تردح به تل أبيب، وما تؤكده دعوات طهران الشعبوية لـ «إزالة» إسرائيل من الوجود. والقنبلة النووية الإيرانية العتيدة تتجاوز في حال وجودها نظام المصالح الدولية، الغربية والشرقية، ما يتيح لإيران اختراق سقف داخل النظام الدولي، سواء كان أحادي الزعامة أو متعدد الأقطاب، فكان أن شهرَ العالم مخالبه حتى نجح في إعادة إيران إلى هوامش المسموح.
داخل المسموح دولياً سيعادُ ترتيب النظام الإقليمي للمنطقة، ووفق ذلك سيكون على دول المنطقة التناطح لتحري مواقعها الجديدة داخل الخريطة المقبلة. في ذلك تنتقلُ تركيا إلى سلوك لم تكن تحتاجُه قبل اتفاق «فيينا»، ويتحرك العرب، بمواقف ليست واحدة لمقاربة ألأمر الواقع الجديد. أما إسرائيل، التي ستطول شكواها ويتفاقم حردها الانتهازي، فستجهدُ لجني أفضل القطاف من حقول تلك الصفقة.
وفيما تنجح الرياض في سحب الميدان اليمني من حسابات المحاصيل الإيرانية، وفيما يبدو التصعيد الإيراني ضد البحرين علامة من علامات ذلك الإنجاز، يتحركُ المحور السوري على نحو يشي بأن مآلاته ستحددُ شكل التوازنات المقبلة. في ذلك يعلن الأسد عن «سورية المفيدة»، بما يوحي بآفاق طهران القصوى، وينشط التواصل بين موسكو وواشنطن على وقع «المنطقة العازلة» العــزيـــزة على قــلب رجب طيـــب أردوغان، وترسم القاذفات الإسرائيلية الخطوط الحمر لحمَلَةِ المباضع وراسمي الخرائط، وتتسابقُ فصائل المعارضة، المعتدلة القابلة للصهر في بوتقة الصفقات، كما تلك الخارجة عن التصنيفات، لفرض واقع ميّداني يلاقي أو يعاند ما يراه المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا مدخلاً للحل.
في تعدد المواقف العربية ما يشي أن الورشة السورية ما زالت مفتوحةً أمام احتمالات تجد كافة الأطراف أن حظوظها داخلها ما زالت رحبة. تتباين تلك المواقف، على ما تباينت خلال السنين الأربع الماضية، حول دور أو لا دور بشار الأسد في دمشق. يُشتبه بموقف مصري تسووي يقترب نظرياً من المقاربة الإيرانية، بما يبعده نظرياً عن ثوابت الرياض، فيما يصدرُ من تركيا في شأن سورية ما يفصح عن اقتراب من موقف العاصمة السعودية في ذلك الملف. على أن التحرك العسكري التركي في سورية، والمدعوم دولياً، يعد بـ «تغيير في توازن القوى في سورية والعراق وكل المنطقة»، على ما يعلن داوود أوغلو، رئيس الوزراء. على ذلك، يشي التحركان العسكريان، التركي والسعودي (الخليجي – العربي)، في سورية واليمن، والمدعومان دولياً، بإستراتيجية علنية لضبط ما يمكن أن تحققه إيران ما بعد «فيينا» في المنطقة.
في سعي طهران لتسويات مصالح في المنطقة، على ما تكشف كواليس التفاوض النووي، يستنتج العارفون استعداد إيران، المستقوية بـ «فيينا»، للتخلي عن الأسد من دون التخلي عن سورية، ولو بشقّها «المهم». كانت موسكو قد أوحت بذلك قبلاً، على ما يجعل من خطاب الأسد الأخير، لا سيما في الجانب الذي يتحدث عن سورية التي تعود لمن «يدافع عنها» (خصوصاً تلك التابعة لطهران) قاعدة نقاش تحفظ لحلفاء دمشق الأسد مصالح داخل دمشق ما بعد الأسد.
وفي ما يبدو أن النقاش الراهن يدورُ حول ما يمكن لحلفاء دمشق التنازل عنه، يبدو حراك الميدان، العسكري والديبلوماسي، يتحرى حجم وهوية ونوعية السلوك الذي سيحتله المشاركون الجدد في الحلّ السوري، ذلك أن الضجيج، مهما علا صخبه وتصلّبت أدواته، يجري على ما قاعدة ما بات ثابتة، باعتراف العواصم في الحلف المضاد لنظام الأسد، من أنه سياسي، وسياسي فقط، على رغم دموية مسالكه ودراماتيكية العبور إليه.

الكاتب  : محمد قواص
المصدر : الحياة