“زواج الحيار”.. جريمة إنسانية وعادة ريفية عشائرية تدمر الحياة الأسرية

75

 

يعرف زواج “الحيار” تزويج الفتاة لأحد أقاربها وتسميتها له وحجزها منذ طفولتها ليتم تزويجها قسراً له حتى وإن كان ذلك دون رغبتها، وذلك بحسب ما تقتضيه العادات والتقاليد لدى بعض المناطق السورية لاسيما المناطق التي يحكمها الطابع العشائري والأرياف، ويترتب على هذا النوع من الزواج العديد من السلبيات وقد تنتهي بالانفصال وتشتت شمل العائلة لعدم تقبل الطرفين لبعضهما البعض.
وتنتشر هذه العادة في عدة دول عربية من بينها سوريا وتحديداً في المناطق ذات الطابع العشائري مثل مناطق الجزيرة كالحسكة والرقة ودير الزور، إضافة للعديد من القرى والبلدات الريفية في معظم المحافظات السورية، ورغم أنها عادة متوارثة ولا تزال تتناقلها الأجيال في هذه المناطق إلا أن شريحة واسعة من الشبان والشابات باتوا يرفضون هذه الطريقة بالزواج لعدة أسباب من بينها عدم رغبتهم بالعيش مع شخص دون رغبته أو بسبب الأمراض الوراثية التي قد تنتج عن زواج الأقارب في بعض الأحيان، وعلماً أن كثير من الشبان الذكور يقعون ضحية ارغامهم على هذا النوع من الزواج تماشياً مع العادات والتقاليد العشائرية والقبلية إلا أن فئة الفتيات هن الضحية الأكبر.
ما تعرف بعادة حق “الحيار” الذي يملكه الشاب في البيئة العشائرية والريفية تراجعت إلى حد كبير بحسب الشهادات التي أدلى بها العديد من الأشخاص لـ”المرصد السوري”،  لكن أجمعوا على وجودها والعمل بها.
ففي شهادته لـ”المرصد السوري” يتحدث (س.أ) وهو أحد ابناء منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الغربي قائلا، يعد جبل شحشبو أحد أهم المناطق العشائرية في منطقة ريف حماة وتبلغ عدد قراه نحو 22 قرية جميع أبناء هذه القرى من العشائر وتحديداً عشيرة “بني خالد” وعرفت عادة “الحيار ” أو ما تعرف في المنطقة باسم “التجيير” منذ عشرات السنين ولكن تراجعت كثيراً بفعل التقدم العلمي والاجتماعي وتفتح الأجيال الجديدة على ثقافات مختلفة وتعليمهم، إضافة لحركة النزوح التي أدت بانتقال جميع أبناء المنطقة إلى مخيمات الشمال السوري على الحدود مع تركيا.
مضيفاً، وتعرف عادة “الحيار” أو كما تسمى محليا “التجيير” بحجز فتاة لأحد أقاربها وبشكل خاص لابن عمها، فإن قام أحد الشبان من غير أقاربها بالتقدم للزواج منها فإن العادات اقتضت على أن يقوم والدها بإخبار أبناء عمومتها فإن كان أحدهم يرغب بها فيتم رفض الشاب المتقدم وتزويجها لابن عمها، وإن لم يرغب أحد من أبناء عمومتها بالزواج منها لظرف معين، يبدأ والدها بإخبار أقاربها مثل أقاربه أو أي أحد ممن يقترب منها نسباً أكثر من الشاب المتقدم، فإن لم يجد أحد حينها يقبل بتزويجها للشاب المتقدم الذي يكون غالباً من خارج أبناء العشيرة أو من قرية غير قريته.
ويشير بدوره أنه في الوقت الراهن تغيرت الأوضاع، بسبب التفكك الذي أصاب أبناء المنطقة وتفرقهم في عدة مناطق في الشمال السوري وتغيرت أيضاً بعض المفاهيم الخاطئة لدى الأجيال الجديدة لكن عندما نعود بالزمن لنحو 20 عاماً نجد أن هذه العادة كانت أساسية وقد وقع ضحيتها الكثير من النساء والرجال،  لكن النساء تعرضن لهذا بشكل أكبر كون أن المرأة في المناطق ذات الطابع العشائري لا يكون لها دور غالباً أو الحق في اختيار الزوج ويعود القرار لوالدها وإخوانها وأعمامها خصوصاً في الفترة السابقة.
في ذات المنطقة “جبل شحشبو” لم تمضي أربعة أشهر على زواج الشاب ( ح.م) لينفصل عن زوجته ( ابنة عمه) بعد زواجهما الذي فرض عليهما من قبل الأهل كما يوضح الشاب في حديثه لـ”المرصد السوري” ويقول، أنه ومنذ أن كان طفلاً صغيراً اختيرت له هذه الفتاة بطريقة يراها ظالمة لها بالدرجة الأولى فالفتاة بحسب عادات وتقاليد منطقته يصعب عليها الزواج بعد طلاقها بخلاف الشاب الذي يمكنه الزواج عدة مرات دون تردد أو عوائق.
مضيفاً، بعد زواجه منها مطلع العام 2019 بدأت المشاكل بالظهور وتفاقمت لدرجة أن الاستمرارية بينهما أصبحت شبه مستحيلة فطلقها بعد أقل من أربعة أشهر من زواجهما، ويضع اللوم على ذويه وذوي الفتاة فهم السبب في ذلك برأيه لعدم تفهمهم أن لكل شخص حق في اختيار شريكه ولا يمكن لأحد أن يستمر مع شريك لا يتقبله كزوج.
ويعرب عن أسفه لما حدث ولكونه لم يكن يرغب بذلك خصوصاً وأن تلك الفتاة ومنذ انفصاله عنها لم تتزوج رغم أنها لا زالت صغيرة في السن، بينما هو قد اختار عدم الزواج حالياً بسبب الأوضاع الراهنة.
وفي نهاية حديثه يقدم نصيحة لجميع الشبان والفتيات لعدم الانجرار خلف هذه العادة السيئة( زواج الحيار) مهما كانت هناك ضغوط من قبل الأهل لكي لا يكونوا ضحية تلك العادة القديمة والتي لا يزال البعض يتمسك بها.
بدورها تتحدث المسنة ( ف.ع) من منطقة ريف حماة الشمالي لـ “المرصد السوري” عن هذه العادة التي وبحسب قولها أنها قديمة جداً وكانت عرفاً أساسياً في السابق، تقول، قبل نحو 30 عاماً كان الشاب يستطيع أن يحجز ابنة عمه حتى ينوي الزواج وتجبر هي على انتظاره وربما في النهاية يمتنع عن الزواج بها، وهناك العديد من القصص والأحداث التي عايشتها شخصياً عن نساء أجبرن على الزواج بهذه الطريقة
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بحسب السيدة(ف.ع) فالشاب يستطيع فسخ عقد ابنة عمه إن خطبت لغيره وهو يريدها ولا يجرؤ أحد على التقدم للفتاة التي وقع عليها اختيار ابن عمها لتكون زوجته فهنا يصبح جميع أبناء القرية يعلمون أنها لابن عمها فلان، ولا يتقدمون للزواج منها مهما طالت مدة حجزها، أما اليوم فقد تراجعت هذه العادة إلى جانب الكثير من العادات والتقاليد التي تتلاشى مع تقدم الزمن وخروج أجيال جديدة.
وتؤكد بدورها أن ثلاثة من بناتها تزوجن بذات الطريقة ولا زلن عند أزواجهن لكن اليوم الواقع اختلف كلياً فالفتاة أصبحت تجرؤ على اعتراض زوجها بحال اعتدى عليها وهذا لم يكن موجود سابقاً حيث كانت الفتاة تتعرض لجميع أنواع الإهانات لكن لا يمكنها فعل أي شيء، وكذلك الشاب بات الآن يستطيع تحديد شريكته بحرية دون إكراه.
كما تحدث ناشط صحفي مقيم في ريف إدلب الشمالي “للمرصد السوري عن رأيه في عادة “زواج الحيار” قائلاً لا يمكن تسمية هذه العادة سوى جريمة ترتكب بحق الفتاة أو الشاب من قبلهم ذويهم، فحق اختيار الشريك يجب أن لا يكون بيد غيرهما وأن لا يتدخل به أحد فهي حياتهم الشخصية ويجب أن يكوم لها احتراماً.
مضيفاً أن الشرع الإسلامي أيضاً رفض هذا النوع من الزواج ويعتبره باطلاً ونوع من الإكراه في الزواج وهذا محرم شرعاً، فمن شروط صحة عقد الزواج أن يكون هناك طلب وقبول بكامل القناعة دون التأثير من قبل أحد على هذا القرار، لكن للأسف ذهبت بعد التقاليد المجحفة لسلب حق المرأة في اختيار شريكها  وهي عادة لا تزال تنتشر بين أوساط السوريين لاسيما في منطقة الجزيرة بشكل خاص.
ويوضح أن لهذا الزواج العديد من الجوانب السلبية فهو نقطة بداية لبدء الخلافات بين الزوجين ومن ثم الانفصال وقد لوحظ تزيداً في الآونة الأخيرة بنسبة الطلاق بشكل كبير خصوصاً ضمن مخيمات النزوح في الشمال السوري بسبب العادات الظالمة مثل تزويج القاصرات دون مراعاة للنتائج ولعبت العديد من العوامل في انتشار مثل هكذا نوع من الزواج من أهمها الفقر الذي يعاني منه معظم سكان الشمال السوري.
وعن الحلول التي يمكن اتباعها للحد من هذه العادات والتقاليد الخاطئة فإن (م.أ) يرى أهمية التوعية من مخاطر “الحيار” الذي قد يلحق به ترك الدراسة أو التأخر بالزواج “العنوسة” وهذه التوعية تقع على عاتق المنظمات المعنية بشؤون المرأة وتمكينها، ثم يجب سن قوانين منضبطة للزواج وتكفل حق الطرفين بالاقتناع الكامل والقبول، ويجب القضاء على هذه العادة بشكل كامل.
وأكد أحد المحامين في حديثه لـ”المرصد السوري” على عدم قانونية هذا النوع من الزواج “الحيار” خصوصاً إذا كان بالإكراه ففي هذه الحالة يكون العقد باطلاً إذا كان قبل الدخول بالزوجة، أما إذا اكتشف ذلك بعد الدخول بها فيحق قانونياً للطرف الذي تعرض للإكراه أن يطلب من القاضي إبطال العقد، ويترتب على ذلك آثار شرعية وقانونية مثل العدة والمهر وإثبات النسب وغيرها.
ويؤكد، إنه لا يجوز تغليب العادات والأعراف على الأحكام الشرعية والقانونية، ويجب احترام رأي المرأة والتأكد ما إذا كانت ترغب بالزواج حقاً من الشخص المتقدم لها.
ويشار أن العلوم الطبية الحديثة أثبت وجود العديد من الأمراض التي قد تصيب أطفال هؤلاء المتزوجين من أقاربهم مثل الضمور الدماغي ومتلازمة داون والسكري وغيرها العديد من الأمراض الأخرى فضلاً عن بقية النتائج السلبية على المستوى النفسي والأسري والاجتماعي فيجدر التحذير من إرغام الأقارب على الزواج لتفادي جميع هذه الآفات.