سريبرينيتسا السورية

24

عاينت سامانتا باور، حين كانت صحافية تغطي تفكك يوغوسلافيا، ما شهدته بلدة سريبرينيتسا في البوسنة والهرسك خلال تموز 1995. هالها أن العالم أخفق في وقف تلك الإبادة. تخاف في تموز 2015 من موقعها المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة ألاّ يتمكن المجتمع الدولي من وقف المجازر في بلد آخر يتفكك: سوريا.
اختارت باور الذكرى السنوية العشرين للإبادة في سريبرينيتسا موعداً لتقديم مشروع قرار جديد في مجلس الأمن يتضمن “آلية لتحميل المسؤولية” عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. غير أن الطريق الى اصداره تبدو وعرة لأسباب عدة في الوقت الراهن. كان رفض موسكو اصدار قرار يعترف بـ”الإبادة” في سريبرينيتسا مؤشراً مهماً. لا يتعلق الأمر بتقليل شأن المعاناة الرهيبة لمواطني البوسنة والهرسك. لا تنكر موسكو أن العصابات الصربية في سريبرينيتسا قتلت زهاء ثمانية آلاف من الرجال والفتيان المسلمين وفقاً لأحكام المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة عام 2004 ومحكمة العدل الدولية عام 2007. إنما يرتبط وفقاً للمندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بالنيات الغربية لإعلان مواقف “غير بناءة وغير متوازنة ومنحازة سياسياً” في البلقان. ثمة حقبة جديدة من انعدام الثقة في نظام دولي يتشكل بعد انتهاء الأحادية القيادية الأميركية. بل أن السنوات الأربع الأخيرة هي الدليل على مصير أي مشاريع مشابهة في المقتلة السورية.
لا يكترث أطراف الحرب السورية، وخصوصاً نظام الرئيس بشار الأسد، لما يترتب على الامتثال للمسؤولية القانونية عن وضع حد للإفلات من العقاب على جرائم الإبادة والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، أو أقلها جرائم الحرب وغيرها من الإنتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، والتحقيق مع المسؤولين عن تلك الجرائم ومحاكمتهم. شاعت لوقت طويل في صحراء العرب مبادىء أن المصالحة والاستقرار والنسيان تقتضي العفو عن الأيادي الملطخة بالدماء. العدالة في خبر كان حيث للسيف عشرات الأسماء. ولدت “الدولة الإسلامية – داعش” وتنظيم “القاعدة” وغيرهما من الجماعات التي تعتنق الإرهاب مذهباً، في منطقة تاريخها ملطخ بالدماء.
ستنشغل القوى الكبرى على الأرجح بتداعيات عودة ايران الى المجتمع الدولي من باب اتفاقها مع مجموعة 5 + 1 للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. هذا ليس اتفاقاً نووياً فحسب. ينذر بانتهاء الحقبة الخمينية التي حوّلت الجمهورية الإسلامية “دولة مارقة” من “محور الشرّ”، وسمّت الولايات المتحدة “شيطاناً أكبر”. يأمل كثيرون في أن “يختلف” حضور ايران في منطقة ينهار فيها نظام قديم. دول تتفكك، ومنها سوريا.
خيبة سامانتا باور أن الهويات الجديدة هي التي ترسم حدود دول جديدة. لذلك ترخص الدماء!

 

علي بردى

النهار اللبنانة