سمير العيطة: لم يعد مفيدا توحيد المعارضة ولا بد من الفرز بين من يعمل لكلّ سورية ومن يريد أن يُسقِط مشروعه السلطويّ*

سمير العيطة:سورية تحوّلت من "رأسمالية الدولة" لحافظ الأسد إلى "رأسماليّة الأقرباء والأصدقاء" مع ابنه

30

بعد مرور عقد على الأزمة السورية لم يعد السوريون يبحثون إلا عن قوتهم اليومي ورزقهم للعيش بعد أن  فُقّرت جيوبهم وسُلبت كرامتهم جوعا، وهُدّمت منازلهم ليجد الملايين منهم أنفسهم أمام واقع مرّ لايطاق إلى جانب التشرّد والتهجير القسري، حيث يُرجع مراقبون تردي الوضع بتلك الطريقة إلى السياسات الخاطئة لنظام الاقتصادي منذ عقود من الزمن .

ويرى سمير العيطة، السياسي السوري والخبير الاقتصادي البارز، في  حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن سورية انتقلت من رأسماليّة الدولة مع حافظ الأسد بهيمنة القطاع العام إلى “رأسماليّة الأقرباء والأصدقاء” مع ابنه بشار الأسد حيث تهيمن السلطة ومن ترضى عنه، بشكلٍ خاصّ وليس عامّ على مفاصل الإقتصاد، لافتا إلى أن السياسات الخاطئة بدأت منذ عام2000 مع تحرير القطاع الزراعي وسبل الريّ دون رادع.

 

س-مع بداية انتهاء الحرب في معظم أنحاء سورية تدريجياً، بات اقتصادها الخاضع للعقوبات الشديدة في حالة دمار كلّي وتوقّف تام، خصوصاً مع تمزق مكانتها العالمية بسبب عقد قاسٍ من الصراع .. كيف يمكن معالجة اقتصاد الحرب المدمّر، اقتصاد بات فيه المواطن  يتقاضى 15 دولارا؟

ج-بالطبع، كان للإجراءات الأحاديّة الجانب (أي العقوبات) أثر كبير على الاقتصاد السوريّ، سواء من خلال نصوصها المباشرة أو من جرّاء ضغوطات ومخاطر غير مباشرة فرضتها الدول المعنيّة، إلاّ أنّها ليست السبب الوحيد،  فقد كان للحرب وتدمير المنشآت أثره أيضاً، وكذلك لتخبّط السياسات الحكوميّة أيضاً، ثمّ جاءت أزمة لبنان الماليّة والاقتصاديّة وانفجار مرفأ بيروت ليضربا رئة تنفّس ما كان بقي من المال والاقتصاد للقطاع الخاص. أضِف أنّ آليّات توزيع المساعدات العينيّة الدوليّة خلقت إحباطاً للإنتاج المحليّ وأنّ تقسيم البلاد إلى مناطق نفوذ يهيمن على كلّ منها “أمراء حرب” هدّم التكامل الاقتصاديّ السوريّ، الذي لا يُمكن أن تنتعش فيه منطقة دون الأخريات. 

تتطلّب معالجة اقتصاد الحرب مواجهة كلّ هذه التحديات جميعاً، ولا تكمُن في نهاية العقوبات ولا حتّى في ضخّ المبالغ الخياليّة التي تمّ التحدّث عنها لإعادة الإعمار. الأمر الأساسي هو إعادة إطلاق العجلة الاقتصادية في البلاد وتأمين فرص شغل كريمة للمواطنات والمواطنين.

وهذا يعني من ناحية إعادة ثقة المستثمرين السوريين المفقودة ببلادهم وباستقرارها، وبالتالي بمؤسسات دولتها ومنظومة حكمها.

المستثمرون السوريوّن، قبل أولئك الأجانب الذين قد يبحثون عن شراء الأصول في بلدٍ مدمّر بسعرٍ بخس كما ينحو إليه لبنان اليوم، وهذا يعني من ناحية أخرى أن تكون الدولة، والسلطة التي تحكمها، هي دولة كلّ المجتمع تدافع عن حقوقه وليست دولة “أمراء الحرب”، إن كان هؤلاء يمثّلون السلطة القائمة حاليّاً في دمشق، أم سلطات “الأمر الواقع” على خلفيّة التقسيم الفعلي.

 

س-لطالما انتقد خبراء الاقتصاد السياسات الاقتصاديّة والاجتماعيّة التى تمّ اعتمادها في  سورية  منذ عام 2000، فضلاً عن قمع الحريّات التى جهّزت أرضيّة الانفجار الاجتماعي، وهو دليل قاطع على فشل السلطات القائمة.. ما هي أبرز السياسات الاقتصادية الخاطئة التي دفعت إلى هذا الدمار الشامل الذي جوّع السوريين؟

ج-يُمكِن توصيف الاقتصاد السياسيّ في ظلّ حافظ الأسد أنّه “رأسماليّة دولة”، يهيمن عليه القطاع العام ويكسب بعض القائمين على السلطة من الصفقات الحكومية.

أمّا زمن بشّار الأسد فهو زمن “رأسماليّة الأقرباء والأصدقاء”، حيث تهيمن السلطة ومن ترضى عنه، بشكلٍ خاصّ وليس عامّ، على كافّة النواحي الريعيّة في الاقتصاد، انطلاقاً من الهاتف الخلوي إلى العقارات. 

بدأت السياسات الخاطئة منذ عام 2000 مع تحرير القطّاع الزراعي وسبل الريّ دون رادع، خاصّة في منطقة الجزيرة السوريّة، مع عرض عشرات آلاف الهيكتارات للاستثمار من قبل دول الخليج. وقد أدّى ذلك إلى موجة هجرة كبيرة من الريف إلى المدينة، فاقمتها لاحقاً سنتان من الجفاف. 

ثمّ جاءت اتفاقيّة التجارة الحرّة مع تركيا عام 2004 دون مقابل لتأهيل الصناعة السوريّة للمنافسة بعد أن شهدت نهضة نسبيّة. لقد تمّ التوقيع على هذه الاتفاقيّة، دون تدارك تداعياتها السلبيّة الكبيرة على الصناعة السوريّة، لأسبابٍ سياسيّة بعد فشل محاولة التوافق على اتفاقيّة الشراكة الأوروبيّة وتدهور العلاقات الخاصّة بين السلطة السوريّة والرئيس الفرنسيّ حينها جاك شيراك. 

ثمّ جاءت تصفية “هيئة مكافحة البطالة” الحكوميّة، بعد سنتين على إنشائها في محاولة لتدارك الآثار الاجتماعيّة للتحوّلات الاقتصاديّة، واستبدالها بمنظّمة “خيريّة” تحت اسم “الأمانة العامّة للتنمية”، بإدارة زوجة الرئيس.

وتوالى معها ما سمّي حينها “الإصلاحات الاقتصاديّة” تحت شعار “اقتصاد السوق الاجتماعي”، وما نجِم عنه من تقويض الخدمات الاجتماعيّة القائمة، خاصّة في القطاع الصحيّ. وحتّى الانفتاح على المصارف الخاصّة ترافق مع العمل على الهيمنة المباشرة من قبل السلطة على هذه المصارف.     

اعتمدت سياسات “تقشّف” حكوميّة، بإشعار من البنك الدوليّ وصندوق النقد، في خضمّ موجتي “التسونامي الشبابي” واللجوء العراقي في حين كانت الموجودات الحكوميّة من القطع الأجنبيّ تصِل إلى نصف الناتج المحلّي لبلدٍ لم تكن له ديون خارجيّة تُذكَر. بينما كان لسياسة استثمار “كينزيّة” في البنى التحتيّة والخدمات الاجتماعيّة أن تحتوي على مسبّبات الانفجار الاجتماعيّ بشكلٍ كبير، أضِف إلى كلّ ذلك قمع الحريّات الفرديّة والجماعيّة. 

 

س-ذكرت مصادر عديدة متطابقة أن هناك اتفاقا روسيا- أمريكيا لإعادة تأهيل النظام السوري وفق تفاهمات  إقليمية ودولية لاعتبار أنه لا بديل سياسيا لبشار الأسد حاليا باستثناء الفصائل المسلحة التي  تدعمها تركيا والفصائل الإسلامية المسلحة.. برأيك سيد سمير، بعد أسلوب المعالجة الأمنية الذي اتبعه الأسد في مواجهة الانتفاضة الشعبيّة، هل  يقبل الشعب السوري بإعادة تنصيبه مجدداً بحجّة أنه لا بديل عنه غير جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام ، علماً أن هناك مساعي لإعادته إلى الجامعة العربية؟

ج-تشكّل هذه القضيّة التباساً جوهريّاً، بل وبدعةً تمّ اللعب عليها منذ بداية الصراع. التباسٌ وخلطٌ مقصود بين الدولة السوريّة وبين السلطة التي تتحكّم بها. ليست سورية الدولةَ الوحيدة في الدنيا التي تهيمن عليها سلطة استبداديّة. والدول لا تقطع علاقاتها الدبلوماسيّة لمجّرد أنّها لا تتّفق مع نظام حكمها. وكما في حال العقوبات الاقتصاديّة، لم يسبق أن أدّت العزلة الدبلوماسيّة إلى تغيير سلطة قائمة. بل أحياناً إلى العكس، قادت إلى المزيد من هيمنتها، والإضرار بالشعب وفقدان الاتصال المباشر به، لمساعدته ولو بالحدّ الأدنى. إفراغ كثير من سفارات الدول في سوريا جعل الساحة الداخليّة دون شهود. 

وسخرية هذا الالتباس أنّه تمّ الاعتراف بـ”المجلس الوطني السوريّ” كـ”ممثّل وحيد للشعب السوري” قبل انهياره ببضعة أسابيع، ولم يتبع ذلك تداعيات دبلوماسيّة في تسليم السفارات إليه سوى في قطر. ولم تعترف الدول الخارجيّة رسميّاً بـ”الإدارة الذاتية” في الشمال الشرقي في حين تمّ فتح مكاتب “دبلوماسيّة” لها في عواصم مختلفة دون علمٍ سوريّ، أيّاً كان. كلّ هذه ألعاب دوليّة لا معنى لها، سوى تثبيت واقع أنّ المستهدف هو “سيادة سورية ووحدة أراضيها” خارج الاعترافات الرسميّة والقانون الدوليّ.

ومن الواضح اليوم، حتّى بالنسبة للولايات المتحدة، أنّ العقوبات الأحاديّة الجانب ساهمت في تجويع الشعب السوريّ ولا يُمكن الاستمرار بسياسة إرسال المساعدات إلى ما لا نهاية.

وها هي تتقلّص. وواضحٌ أيضاً أنّ القطيعة الدبلوماسيّة لم تؤدِّ إلى إسقاط السلطة الحاكمة، بل إلى الفوضى والحرب الأهليّة وتقسيم البلاد فعليّاً. بالتالي، تبحث كثيرٌ من الدول التي عملت على هذه العقوبات والقطيعة عن مخرجٍ مشرّف من هذا المأزق، وبالطبع، تحاول السلطة السوريّة الاستفادة سياسيّاً من ذلك لتثبيت موقعها. لكن هناك قرار مجلس الأمن 2254 وإصرار حتّى من قبل روسيا والصين على تنفيذه لأنّه المخرج الوحيد من الأزمة الحاليّة. ما يعني أنّ هذا “الانفتاح” الدبلوماسيّ يُمكِن أن يشكّل بداية أرضيّةً للتفاوض السياسيّ الفعليّ بين الدول المتصارعة في سورية كما بين السوريين. 

 

س-لطالما تحدّثت في مقالاتك الصحفية الكثيرة عن أهمية الوعي المجتمعيّ الذي تراه كفيلا بخلق أرضيّة للتفاوض على انتقالٍ سياسيّ لا يكلّف البلاد مزيدا من الفشل والدمار، وهو الذى سيُلزِم الأطراف السوريّة على التفاوض، بما فيها السلطة القائمة.. كيف يمكن تحقيق هذا الوعي خاصة بعد كل هذا الخراب الذي  لحق  بسورية وأبنائها والتهجير والتفقير والتجويع؟

ج-سورية اليوم مقسّمة ليس فقط إلى ثلاث مناطق مختلفة بل أيضاً إلى ثلاث ذهنيّات مختلفة تهيمن على الخطاب العامّ فيها. في حين لا يأبه المجتمع والمواطنات والمواطنون المنهمكون جميعهم بلقمة العيش، بأيٍّ منها. هناك ذهنيّة تدّعي أنّ بشار الأسد أنقذ سورية وفئات من المجتمع السوريّ من المؤامرة ومن الإرهاب، في حين لا شكّ في أنّ مسؤوليّته عمّا جرى واضحة لكلّ من يرى الواقع.. وذهنيّة أخرى تعتمد على فكر عبد الله أوجالان وتعتمد منظورا طائفيّا- قوميّا، تحت تعبير “مكوّنات”، لإدارة البلاد بحجّة مظلوميّة سابقة تجاه الكرد. وذهنيّة تتحجّج بدورها بمظلوميّة تجاه “أغلبيّة سنيّة” لإحداث دولة “إسلام سياسيّ” لا يُمكنها أن تُقنِع كلّ السوريين أوتنطبق على بلدٍ مثل سورية.. هذه الذهنيّات جميعها لا تدفع سوى إلى التقسيم، إذ لا يُمكِن لأيٍّ منها أن تُهيمن إذا عاد السلام الأهليّ. وفي حين توجد جيوش أربع دول خارجيّة في سورية، تتباين نظرة كلّ من هذه الذهنيّات إلى هذه الجيوش على أنّها قوى داعمة أو قوى احتلال. 

-الوعي المجتمعيّ هو تخطّي هذه الذهنيات الثلاث والعودة إلى الأسس التي قامت عليها الدولة السوريّة. “الدين لله والوطن للجميع”. وسورية ليست لا سورية الأسد، ولا روجافا، ولا أرض الجهاد. الدولة هي دولة المجتمع، كلّ المجتمع، لا فئة معيّنة فيه، وكلٌّ له الحقّ في أن يسكُن ويقيم في أيّة بقعة فيها وأن ينتمي إلى أحد مدنها ومناطقها، والدولة تحمي الجميع في حقوقهم الدينيّة والثقافيّة والقوميّة، وكم هي متعدّدة في سورية.. الدولة هي التي لا تعتقِل ولا تسجُن ولا تعذّب أيّ فرد لمجرّد رأي، بل تصون الحريّات. والدولة ليست تقاسم نفوذ بين أمراء طوائف بل مسؤوليّة في حماية المجتمع وإعادة الإعمار والاقتصاد وتأمين عودة النازحين واللاجئين إلى مدنهم وقراهم. 

-النهوض بهذا الوعي يحتاج إلى كثيرٍ من الجهد. وهناك كثر يعملون عليه. لكنّ هناك وسائل إعلام ضخمة ودول خارجيّة وأموال خلف ذهنيّات الشرذمة المهيمنة. 

والمواطنات والمواطنون منشغلون بتأمين سبل معيشتهم المنهارة. إلاّ أنّ سورية كوطن تستحقّ التصدّي لهذه الذهنيّات كي تعيد وتقوى وتترسّخ المواطنة المتساوية ضمن المجتمع في كلّ المناطق. حينها يُصبح للتفاوض السياسي معنى.. هذا الوعي هو الذي يُمكِن أن يأخذ سورية إلى “دولة كلّ المجتمع”… مهما كان المفاوضون. 

 

س- أعلن بسام طعمة وزير الطاقة والنفط والثروة المعدنية بحكومة نظام بشار الأسد مؤخّراً أن خط الغاز العربي جاهز داخل البلاد لنقل الغاز والكهرباء إلى المنازل والمؤسسات.. هل يمثِّل ذلك الاتفاق طوق نجاه للنظام، وما الذي  سيجنيه منه في ظل ما يعاني اقتصاده المتهالك من تردٍّ وأزمات على وقع الحرب وانهيار قيمة الليرة.؟

ج-هناك خطّان عربيّان من مصر إلى الأردن وسورية ولبنان: أحدهما للغاز والآخر للكهرباء. إشكاليّاتهما التقنيّة مختلفتان. بالطبع سيتيح توريد الغاز أو الكهرباء عبرهما إلى لبنان، حصول سورية على جعالات مرور، ماديّة أو عينيّة. ما يعني تغيّراً في سياسات العقوبات الأمريكيّة-الأوروبيّة والقطيعة الدبلوماسيّة، إلاّ أنّ الحجم الصغير لهذه الجعالات لا يحلّ مشكلة أزمة الوقود والكهرباء الكبيرة في سورية، ولا حتّى تلك في لبنان. 

-ما يُمكِن أن يساعد الأزمة السوريّة هو استيراد الغاز أو الكهرباء مباشرةً لحاجاتها عبر الخطّين العربيين. إلاّ أنّ موجودات سورية من القطع قد تضاءلت بشكلٍ كبير، ولا تستطيع الدولة السوريّة دفع المستحقّات المترتّبة، هذا إلاّ إذا فتحت مصر خطّاً ائتمانيّاً طويل الأمد لسورية، ويُمكِن تطبيق الأمر ذاته على النفط العراقيّ إذا ما أراد العراق مساعدة سورية. 

-لكن هل يشكّل هذا “طوق نجاة للسلطة السوريّة”، كما في السؤال؟ برأيي هذا سيريح المواطنين من معاناتهم المعيشيّة بالحدّ الأدنى، ويعيد اهتمامهم بالشأن العام، في حين سيبقى السؤال كبيراً: “ما مسؤوليّة السلطة القائمة عن سنين عشر من الدمار والتردّي والأزمات والشرذمة؟”. 

 

س-يقول مراقبون إنه بعد عقد من الثورة، بات الاقتصاد هو الهدف المطلوب، وقد أسهم انهياره وضياع موارد البلاد بسبب تعنت النظام وتسلح الثورة والعقوبات الأمريكية والأوروبية التي يقول النظام إنّها سبب الانهيار، في تمدّد الاقتصاد الموازي أو اقتصاد ‘الشبيحة’ على حساب اقتصاد البلاد الطبيعي، الذي بات يعطى له شرعية عبر قوانين تضعف  قدرة الدولة على محاربته.. من المتسبّب في بروز هذا الاقتصاد وإنعاشه وكيف يمكن مجابهته اليوم ؟

ج-“رأسماليّة الأقرباء والأصدقاء” من أقسى أشكال الاقتصاد الريعيّ حيث تستولي فيه السلطة على مفاصل اقتصاديّة كي تدرّ لنفسها ريوعاً “تستزلم” عبرها فئات المجتمع. وهذا النموذج يؤدّي حُكماً إلى أزمة مع المجتمع. الحرب والفوضى والتشرذم في سورية أخذت كلّها إلى ظهور “أمراء حرب” وسلطات محليّة على ذات النموذج. والخشية هو أن يكون الخروج من الحرب هو توافق بين “أمراء الحرب” على “سلمٍ أهليّ” مبنيّ على ذات النموذج مع تعدّد الولاءات لتعود الأزمة مع المجتمع بعد سنوات، كما يحدث في لبنان. 

بالتالي، الوعي الاجتماعي هو السعي للتخلّص من هذا النموذج، إن تمركزت السلطة في إطار ضيّق كما في سورية قبل 2011 أو توزّعت على نادٍ من أمراء الحرب. 

 

س-  هل أخطأت  المعارضة حين لم تولِ أية أهمية  للاقتصاد للحدّ من التداعيات التي يمكن أن يتحمّلها الشعب السوري في حال أزيح النظام ودخلت البلاد في حل سياسي شامل؟ وكيف يمكن تجاوز ذلك برغم الانقسام في صفوف المعارضة؟

ج-من اللافت أنّ “المعارضة السياسيّة” التي ساهمت بشكلٍ كبير بالمناشدة بالعقوبات الاقتصاديّة “تعتذِر” ضمنيّاً اليوم إلى أين أخذت الوضع المعيشي للسوريين. 

-كما تعتذِر عن مطالبتها بالتدخّل العسكريّ الخارجيّ أو عن الإشادة ببعض التنظيمات المتطرّفة أو عن عدم قدرتها على تقديم شيءٍ للاجئين السوريين المتواجدين حولها. هذا عدا من يتشفّى منها بمعاناة المواطنات والمواطنين في المناطق التي تسيطر عليها الدولة. 

-لم يكُن لكثيرٍ مما يسمّى “المعارضة” من مشروعٍ سوى إسقاط السلطة الحاكمة. ما ليس له معنى حيث لا مشروع سياسيّ شامل لجميع السوريين، ولا مشروع اقتصادي للبلاد، وبقيت بعيدة عن المجتمع وعن قضاياه.. لا مشروعٍ لها سوى الصراخ في الإعلام. هكذا فقد الكثير منها المصداقيّة في المجتمع، كما فقدتها السلطة الحاليّة.

لم يعُد مفيداً اليوم “توحيد المعارضة”، بل على العكس المطلوب هو الفرز داخل المناطق السوريّة الثلاث بين من يعمل لكلّ سورية ولكلّ السوريين وحريّاتهم وكرامتهم، وبين من يريد أن يُسقِط مشروعه السلطويّ أو الفئويّ على الجميع أو أن يدفع  نحو هيمنة إحدى الدول الخارجيّة على البلاد. وأتمنّى، وأعتقد، أنّ نهوض الوعي الاجتماعيّ سيستمرّ ليكلّل يوماً الجهود الصعبة التي يبذلها سوريّون كثُر من أجل وطنهم ومجتمعهم.