«سوريا التركيّة».. كيان توسّعي تحت الإنشاء

28

تقع البلدات الثلاث في شمال غرب سوريا إلى الغرب من نهر الفرات وإلى الشمال من حلب في مناطق احتلتها تركيا على مرحلتين في الأعوام الثلاثة الأخيرة.

وهذه المناطق الواقعة غرب الفرات، ما زالت تظهر في بعض الخرائط التركية باعتبار أنها كانت جزءاً من مناطق الهدنة التي تم التوقيع عليها عام 1918 في نهاية الحرب العالمية الأولى، وباتت تعرف فيما بعد بخريطة «الميثاق الملّي» عام 1920، وهي الخريطة التي تلتهم محافظات حلب والرقة والحسكة كاملة.

ولم يكن الغرض من الميثاق توسيع الدولة القومية التركية، بل هو اتفاق بين ممثلي عدة شعوب تعهدوا بالحفاظ على الطابع التعددي المتنوع للدولة العثمانية ومقاومة تحويلها إلى دولة للأتراك وحدهم. كان الميثاق قائماً على التعايش وليس التحريض على الحرب الأهلية، أو ممارسة التطهير العرقي.

محو الذاكرة الإدارية

ظهرت العديد من مظاهر «التتريك» في المناطق التي تحتلها تركيا شمال سوريا وغربها، تناقض ما تعلنه أنقرة من عدم وجود أطماع لها في الأراضي السورية، وهي تحاول في الوقت نفسه توسيع رقعة احتلالها إلى شرق الفرات أيضاً بخطة معلنة وهي توطين مليوني لاجئ سوري غالبيتهم العظمى لهم أراضيهم وبيوتهم وتاريخهم في المحافظات السورية الأخرى.

هذه الرؤى التركية تتم ممارستها على أرض الواقع بأريحية ودون مقاومة فعلية، بل هناك ترحيب منقطع النظير من قبل الفصائل السورية المسلحة التي تعمل لحساب تركيا.

فرضت تركيا على سكان منطقة عفرين التي كانت واحدة من أكثر المناطق استقراراً تحت إدارة وحدات حماية الشعب (الكردية)، استخراج بطاقات مدنية جديدة تتبع الإدارة التركية بشكل مباشر. ووفق صيغة التنظيم الإداري في عفرين.

فإن أنقرة تتعامل معها على مبدأ «محو الذاكرة الإدارية» لهذه المناطق، وقطع أي رابط بينها وبين بقية سوريا، وكأنها أراضٍ مجهولة جرى اكتشافها من قبل الأتراك على غرار ما كان يفعله المستكشفون في القرن الخامس عشر، مع ما يحمله ذلك من احتقار للسكان الأصليين. هذه العقلية، احتقار السكان الأصليين، هو عين ما تقوم به «دولة الاكتشافات الحديثة» في سوريا.

دولة توسعية

هناك العديد من الأسئلة المطروحة بخصوص تحول تركيا من دولة احتلال عسكري إلى دولة سكان المناطق المحتلة. فالحكومة السورية تركّز انتقاداتها لتركيا على الجانب السياسي والعسكري، ولا تتطرق إلى ما تقوم به أنقرة لإلحاق المناطق المحتلة بالدولة التركية.

هناك العديد من القوى الخارجية في سوريا، أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، ولكل منها أطماعها ومشاريعها في البلاد، غير أن تركيا هي الوحيدة التي تنافس إيران في السياسات الاجتماعية، وتعمل على مبدأ توسيع دولتها إلى داخل سوريا، وليس فقط السيطرة كما تفعل الدول الأخرى، سواء على القرار السياسي أو العسكري، وبالتالي لا يدخل الوجود التركي في سوريا ضمن الإطار السياسي في نهاية الأمر، إنما دولة توسعية.

وفي هذا السياق، من المفترض أن تكون هناك مئات القضايا المرفوعة ضدها في المحاكم الدولية، مع ذلك، كل ذلك يمر بدون ضجّة، وبدون أن تقوم روسيا، حليفة دمشق، بأي خطوة لإيقاف عملية إلحاق هذه المناطق بتركيا، وهي أكثر دولة تدرك ماذا تعني الإجراءات التركية في إصدار بطاقات هوية جديدة للسكان، وافتتاح جامعات تركية، وفتح مكاتب للبريد التركي، وتأسيس قوات شرطة في أعزاز، شمال حلب، تتبع مباشرة للشرطة التركية، وإحداث عمليات تغيير ديمغرافي في عفرين، لإحداث خراب طويل الأمد وتفخيخ المجتمع السوري بأزمات ومظالم جديدة وتحريضها ضد بعضها البعض.

في حال صدقت قراءة المتفائلين أن تركيا ستنسحب في نهاية العملية السياسية – وهي عملية لن تنتهي – فما الذي تكون قد أسست له في هذه المناطق التي تحتلها حتى ذلك الحين؟ وكيف يمكن قطع صلة السكان بتركيا في ظل ارتباط كل معاملاتهم الإدارية بدولة الاحتلال التركي؟

على غرار إيران الرسمية التي ما زالت تعمل على أنها ثورة وليست دولة، تركيا في السياق نفسه أيضاً، هي في عهد رئيسها أردوغان «ميثاق توسعي» أكثر مما هي دولة.

المصدر:

  • دبي- حسين جمو