سوريا: التوصل إلى أسماء القادة الذين أمروا بالقتل على مجلس الأمن أن يحيل سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية على خلفية ارتكاب جرائم ضد الإنسانية

29

(لندن) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن جنوداً سوريين منشقين قاموا بذكر أسماء 74 قائداً ومسؤولاً يتحملون مسؤولية هجمات على متظاهرين عُزّل. يذكر التقرير أسماء القادة والمسؤولين بالجيش السوري وأجهزة المخابرات السورية الذين يُزعم أنهم أمروا أو صرحوا أو تغاضوا عن عمليات القتل الموسعة والتعذيب والاعتقالات غير القانونية خلال مظاهرات عام 2011 ضد السلطات. ودعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية، وأن يفرض عقوبات على المسؤولين المتورطين في الانتهاكات.

تقرير “بأي طريقة!: مسؤولية الأفراد والقيادة عن الجرائم ضد الإنسانية في سوريا” الذي جاء في 88 صفحة، يستند إلى أكثر من 600 مقابلة مع منشقين من الجيش والمخابرات السورية. قدم خلالها المنشقون معلومات تفصيلية عن مشاركة وحداتهم في الهجمات، والانتهاكات بحق المواطنين السوريين، والأوامر التي تلقوها من القادة والمسؤولين في مختلف المستويات والمناصب، وقد تم ذكر أسماءهم في التقرير.

وقالت آنا نيستات، نائب مدير قسم الطوارئ في هيومن رايتس ووتش والتي شاركت في كتابة التقرير: “أعطانا المنشقون أسماء ورُتب ومناصب من أعطوهم الأوامر بإطلاق النار والقتل، ولابد من أن يتحمل كل مسؤول مذكور في التقرير، بغض النظر عن رتبته أو مستواه، مسؤولية ما ارتُكب من جرائم  بحق الشعب السوري. على مجلس الأمن أن يضمن المحاسبة، بإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية”.

وقالت هيومن رايتس ووتش إن أقوال المنشقين لا تدع مجالاً للشك في أن قوات الأمن السورية ارتكبت انتهاكات موسعة وممنهجة، شملت القتل والاحتجاز التعسفي والتعذيب، كجزء من سياسة للدولة استهدفت السكان المدنيين وهذه الانتهاكات تعتبر جرائم ضد الإنسانية.

قتل المتظاهرين والمارة

جميع المنشقين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش قالوا إن قادتهم أعطوهم أوامر مستمرة بوقف المظاهرات السلمية بأغلبيتها المنتشرة في شتى أنحاء البلاد “بأي طريقة” وذلك أثناء اللقاءات الدورية مع الجنود والوحدات المسلحة وقبيل إرسال القوات إلى مهامها. وقال المنشقون إنهم فهموا عبارة “بأي طريقة” على أنها تصريح لهم باستخدام القوة المميتة، لا سيما أنهم قد زُودوا بالذخيرة الحية وليس بوسائل السيطرة على الحشود ومكافحة الشغب الأخرى.

نصف المنشقين الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش تقريباً قالوا إن قادة وحداتهم أو ضباطا آخرين أعطوهم أوامر مباشرة بفتح النار على المتظاهرين والمارة، وأكدوا لهم أنه لن تتم محاسبتهم. وفي بعض الحالات شارك الضباط في أعمال القتل.

“أمجد”، الذي خدم في درعا في الفوج 35 قوات خاصة، قال إنه تلقى أوامر شفهية مباشرة من القائد في وحدته بفتح النار على المتظاهرين في 25 أبريل/نيسان:

قائد فوجنا العميد رمضان رمضان كان لا يخرج معنا عادة ويبقى خلف الخطوط الأولى. لكن هذه المرة كان يقف أمام اللواء بأكمله. قال: “استخدموا النيران الثقيلة. لن يطلب منكم أحد تفسير استخدامها”. في العادة يُفترض بنا أن ندخر الطلقات، لكن هذه المرة قال: “استخدموا ما شئتم من الطلقات”. وعندما سأله أحدهم على من نطلق النار، قال: “على أي شيء أمامكم”. قُتل نحو 40 متظاهراً في ذلك اليوم.

وقالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان إن أكثر من 5آلاف شخص قد قتلوا منذ بدء التظاهرات في سوريا. ولقدوثقت هيومن رايتس ووتش العديد من عمليات القتل هذه.

ولقد تكرر زعم السلطات السورية – مؤخراً في مقابلة بتاريخ 7 ديسمبر/كانون الأول مع الرئيس بشار الأسد – بأن العصابات الإرهابية المسلحة  – بتحريض وتمويل من الخارج  – هي المسؤولة عن العنف في سوريا منذ بدء الأحداث في مارس/آذار. وثقت هيومن رايتس ووتش عدة حالات لجأ فيها المتظاهرون وجماعات مسلحة من أبناء الأحياء السكنية إلى العنف، وقد زادت الهجمات المسلحة ضد قوات الأمن من قِبل منشقين عسكريين إلى حد كبير منذ سبتمبر/أيلول. لكن أغلب التظاهرات التي تمكنت هيومن رايتس ووتش من توثيقها منذ بدء الأحداث في مارس/آذار كانت سلمية في معظمها. المنشقون الذين قابلتهم هيومن رايتس ووتش رفضوا مزاعم الحكومة عن العصابات المسلحة وقالوا إن المتظاهرين الذين رآوهم لم يكونوا مسلحين، ولم يمثلوا تهديدا جديا على الجنود.

الاعتقالات التعسفية والتعذيب والإعدام

المعلومات التي وفرها المنشقون أكدت ما توصلت إليه هيومن رايتس ووتش عن الاعتقالات التعسفية الكثيرة والتعذيب بحق المحتجزين في شتى أنحاء سوريا. وصف المنشقون الاعتقالات الواسعة النطاق والتعسفية أثناء التظاهرات ولدى نقاط التفتيش، وكذلك عمليات “التمشيط” للأحياء السكنية في شتى أنحاء البلاد، والتي أسفرت عن اعتقال المئات، والآلاف أحياناً.

وقال منشقون لـ هيومن رايتس ووتش إنهم كانوا يضربون المحتجزين ويسيئون معاملتهم بشكل دوري، وأن قادتهم أمروهم وشجعوهم وسمحوا بوقوع هذه الانتهاكات. أولئك الذين كانوا يعملون في مراكز احتجاز أو يمكنهم دخولها، قالوا لـ هيومن رايتس ووتش أنهم شاهدوا أو شاركوا في عمليات التعذيب.

“هاني”، الذي خدم في فرع العمليات الخاصة بإدارة المخابرات الجوية، وصف الأوامر التي صدرت له:

في 1 أبريل/نيسان كنا نجري عمليات اعتقال في حي المعضمية في دمشق. تلقينا أوامرنا من العقيد سهيل حسن الذي قال لنا بشكل صريح أن نضرب الناس على رؤوسهم بشدة وألا نقلق من العواقب. كما استخدمنا الصواعق الكهربية. أعطانا الأوامر شفهياً قبل أن نخرج للعمليات.

رحنا نضرب الناس داخل الحافلات، ثم في مركز الاحتجاز في الفرع، حيث كنا نضع الناس في الفناء أولاً، ثم نضربهم بشكل عشوائي دون استجواب. شاركت في مرافقة السجناء إلى الفناء، ثم إلى مركز الاحتجاز. في ذلك اليوم اعتقلنا 100 شخص تقريباً. وضعناهم في زنزانة مساحتها خمسة في خمسة أمتار.

شاركت وحدتي أيضاً في ضرب الناس. كان قلبي يغلي من الداخل، لكن لم أتمكن من إظهار ما أشعر به لأنني أعرف ما سيحدث لي ان فعلت.

ووصف ثلاثة منشقون لـ هيومن رايتس ووتش وقائع إعدام وقتل بسبب التعذيب، لـ 19 ضحية. المقدم “غسان” الذي خدم في الحرس الجمهوري، قال بأنه في 7 أغسطس/آب أو نحوه، شهد على إعدام محتجز في حاجز تفتيش في دوما:

كنت متمركزاً في حاجز تفتيش في حي عبد الرؤوف في دوما. كانت مناوبتي من الرابعة عصراً حتى منتصف الليل. وصلت حوالي الساعة 3:45 مساءً، وسمعت على الفور صرخات وأصوات ضرب من بناية مهجورة قريبة من حاجز التفتيش. دخلت وتبين لي أن العقيد محمد صقر المسؤول عن وردية حاجز التفتيش قبلي، قد اعتقل شخصاً من قائمة “المطلوبين”. أردت على الفور أن يتوقف الضرب وقلت هذه دوريتي. لكن صقر قال: “لا، اصبر، سأتعامل معه أولاً”.

راح سبعة جنود يضربون الرجل الذي اعتقلوه. عندما جئت كان ما زال حياً. كان يصرخ، والجنود يسبونه ويضحكون. استغرق الأمر خمس دقائق أخرى، ثم مات. كف عن الحركة، ورأيت الدم يسيل من فمه.

عندما توليت الوردية، أخبرت خضور [قائد اللواء 106 حرس جمهوري، العميد محمد خضور] بأن لدينا قتيل. أمرنا بأن نترك نقطة التفتيش ونترك فيها الجثة. عدنا إلى المقر. لابد أن هناك من التقط الجثة. فقد رآنا الناس نخرج من المبنى.

أفاد نشطاء سوريون بإعدام وقتل أكثر من 197 شخصاً رهن الاحتجاز حتى 15 نوفمبر/تشرين الثاني.

وذكر المنشقون أيضاً معلومات إضافية عن حرمان المتظاهرين المصابين من الرعاية الطبية، واستخدام سيارات الإسعاف في اعتقال المصابين، وإساءة معاملة المصابين في المشافي التي تسيطر عليها أجهزة الأمن والجيش، وهو نمط مقلق وثقتههيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى.

مسوؤلية القيادة

بموجب القانون الدولي، يتحمل القادة مسؤولية الجرائم الدولية المرتكبة من قبل مرؤوسيهم إذا كان القادة يعرفون أو على دراية بالانتهاكات ثم أخفقوا في التحقيق فيها ومنعها.

قالت هيومن رايتس ووتش إنه نظراً لانتشار وكثرة عمليات القتل والجرائم الأخرى المرتكبة في سوريا، ونظراً لكثرة أقوال الجنود عن الأوامر الصادرة لهم بإطلاق النار على المتظاهرين والإساءة إليهم، ونظراً للتوثيق الموسع لهذه الانتهاكات من قبل منظمات ووسائل إعلام محلية ودولية، فمن المعقول الاستنتاج  – كحد أدنى  – بأن القيادة العليا العسكرية والمدنية في سوريا تعرف هذه الوقائع. عمليات القتل القائمة والاعتقالات والقمع والإنكار العام للمسؤولية من قبل الحكومة السورية، يوضح أيضاً أن هؤلاء المسؤولين أخفقوا في اتخاذ أي إجراءات فعالة للتصدي لهذه الانتهاكات.

كما جمعت هيومن رايتس ووتش معلومات تشير إلى أن القيادة العسكرية والمدنية السورية قد تورطت في أعمال القمع العنيف للمتظاهرين.

وقالت آنا نيستات: “مهما حاول الرئيس الأسد أن ينأى بنفسه عن المسؤولية وعن قسوة حكومته الغاشمة، فإن زعمه بأنه لم يأمر بالقمع لا يعفيه من المسؤولية الجنائية”. وأضافت: “بصفته القائد العام للقوات المسلحة، فلابد أنه يعرف بهذه الانتهاكات  – وإن لم يعرفها من مرؤوسيه فلابد أنه عرفها من تقارير الأمم المتحدة والتقارير التي أرسلتها إليه هيومن رايتس ووتش”.

كما دعت هيومن رايتس ووتش إلى إجراء تحقيقات مع كبار المسؤولين على خلفية مسؤولية القيادة عن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة. من هؤلاء المسؤولين: العماد داوود راجحة، وزير الدفاع، والعماد فهد جاسم الفريج رئيس الأركان، واللواء عبد الفتاح قدسية مدير المخابرات العسكرية، واللواء جميل حسن، مدير إدارة المخابرات الجوية، واللواء علي مملوك، مدير إدارة المخابرات العامة، واللواء محمد ديب زيتون، مدير إدارة الأمن السياسي.

وقالت آنا نيستات: “لابد أن يعرف المسؤولون السوريون الذين تورطوا في هذه الجرائم أنهم سيدفعون الثمن في نهاية المطاف. ولابد أن يعرفوا أنهم سيتحملون المسؤولية حتى رغم زعم الرئيس الأسد أنه لم يفعل شيئاً”.

عواقب عصيان الأوامر

كانت عواقب عصيان الأوامر ورفض مزاعم الحكومة حول الاحتجاجات قاسية للغاية. قال ثمانية منشقين لـ هيومن رايتس ووتش إنهم شهدوا على ضباط أو عناصر مخابرات يقتلون جنوداً رفضوا الانصياع للأوامر.

“حبيب” جندي مجند خدم في اللواء 65، الفرقة الثالثة، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن جندياً من كتيبته قد قُتل في 14 أبريل/نيسان أو نحوه بعد أن رفض الانصياع للأوامر الصادرة من العقيد محمد خضير، قائد الكتيبة، بإطلاق النار على المتظاهرين في دوما:

كان الجنود في الصف الأمامي. كان العقيد خضير وعناصر الأمن يقفون وراءنا. كان يوسف موسى كراد، مجند يبلغ من العمر 21 عاماً، وهو من درعا، يقف إلى جواري. لاحظ العقيد أن يوسف لا يطلق النار إلا في الهواء. فأخبر الملازم جهاد من الفرع الإقليمي للمخابرات العسكرية. كانوا دائماً معاً. اتصل جهاد بالقناص المتمركز فوق السطح، وأشار بيده إلى يوسف، فقام القناص بإطلاق رصاصاتين على رأس يوسف. أخذ عملاء الأمن جثمان يوسف وابتعدوا به. في اليوم التالي رأينا جثمان يوسف على شاشات التلفزيون. قالوا إن الإرهابيين قتلوه.

قال ثلاثة منشقون لـ هيومن رايتس ووتش إن السلطات احتجزتهم لأنهم رفضوا إطاعة الأوامر أو طعنوا في صحة مزاعم الحكومة، وقال اثنان إن قوات الأمن ضربتهما وعذبتهما.

التوصيات

دعت هيومن رايتس ووتش مجلس الأمن لإحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولأن الجرائم ضد الإنسانية تعتبر جرائم تستدعي استعمال الاختصاص القضائي العالمي، فإن جميع الدول مسؤولة عن إحقاق العدالة على من ارتكبوا هذه الجرائم.

كما دعت هيومن رايتس ووتش روسيا تحديداً  – وهي من الدول القليلة التي ما زالت تدعم الحكومة السورية – إلى الكف عن معارضتها القوية لإجراءات مجلس الأمن ضد سوريا، وأن توقف جميع صفقات السلاح والمساعدات العسكرية المقدمة للحكومة السورية، نظراً لخطر استخدام هذه الأسلحة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأن تقوم روسيا في الاجتماعات الثنائية بإدانة انتهاكات السلطات السورية الممنهجة لحقوق الإنسان بأقوى العبارات.

وقالت آنا نيستات: “هناك أكثر من 4 آلاف سوري فقدوا حياتهم، وهناك عدد لا يُحصى من المصابين والمعتقلين والمُعذبين، فيما تضيع روسيا وقتها في الدفاع عن انتهكات الأسد الدموية وعن وعوده الفارغة بالإصلاح. الحكومة الروسية لديها واجب بحماية الشعب السوري، وليس قتلة هذا الشعب”.

 

شهادات إضافية من التقرير

“منصور”، الذي خدم في المخابرات الجوية في درعا، قال إن القائد المسؤول عن المخابرات الجوية في درعا، العقيد قصي ميهوب، أعطى وحدته أوامر بـ “وقف المتظاهرين بأي شكل”، وهو ما يشمل استخدام القوة المميتة:

الأوامر المعطاة لنا كانت إجبار المتظاهرين على التراجع بأي طريقة، بما في ذلك إطلاق النار عليهم. كان أمراً فضفاضاً وأنه من المسموح به إطلاق النار. أثناء تواجد الضباط كانوا يقررون متى نطلق النار وعلى من. إذا كان هناك شخص معه ميكروفون أو لافتة، أو إذا رفض المتظاهرون التراجع، كنا نطلق النار. الأوامر الصادرة لنا كانت بإطلاق النار مباشرة على المتظاهرين، وحدث هذا عدة مرات. كان معنا بنادق كلاشينكوف وبنادق آلية، وكان هناك قناصة فوق الأسطح.

“أسامة”، الذي خدم في الفوج 555 مظليين، الفرقة الرابعة، قال إن العميد جمال يونس، قائد الفوج 555، أعطى أوامر شفهية بإطلاق النار على المتظاهرين أثناء انتشار القوات في المعضمية، وهي في ضواحي دمشق. قال عمران إنه اكتشف فيما بعد أن الأوامر قادمة من ماهر الأسد، قائد الفرقة الرابعة، وهو الشقيق الأصغر للرئيس الأسد. قال عمران:

في البداية مع بدء المظاهرة، قال لنا العميد جمال يونس ألا نطلق النار. لكن بعد ذلك بدا وكأنه يتلقى أوامر إضافية من ماهر. يبدو أنه كانت معه ورقة ما عرضها على الضباط، ثم صوب الضباط بنادقهم نحونا وقالوا لنا أن نطلق النار مباشرة على المتظاهرين. فيما بعد قالوا إن الورقة كانت فيها أوامر من ماهر “باستخدام كل الوسائل الممكنة”.

“زاهر” خدم في بانياس والبيضا والبساتين في أبريل/نيسان ومايو/أيار، ووصف كيف قام الضباط في وحدته برفقة عناصر المخابرات بإجراء الاعتقالات وعمليات النهب في البلدات التي قاموا بغزوها:

في البيضا كنا نكسر الأبواب ونأخذ ما نريد. راحت المخابرات تعتقل الأفراد، في إحدى الأماكن اعتقلوا عشرة رجال مسنين لإجبار أبنائهم على تسليم أنفسهم. استمر الشيء نفسه في بانياس، حيث ذهبنا إلى هناك في الأيام التالية. في البساتين، نهبنا كل شيء، وحدتي ووحدات أخرى. كما أخذنا نقود، ثم أي شيء تصل إليه أيدينا: ذهب وهواتف خلوية وإلكترونيات، وأحياناً ثياب النساء. رأيت بعض عناصر المخابرات والجنود يلامسون السيدات بشكل غير لائق، وهم يتظاهرون بالبحث عن قنابل ومتفجرات.

“سالم” ضابط من الفوج 46 قوات خاصة، خدم في معسكر إدلب ووصف إساءة معاملة المحتجزين المنقولين إلى المخيم تحت إشراف القائد المشرف على العمليات في إدلب، العماد فهد الجاسم:

من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول راحت المخابرات تجلب المحتجزين إلى المخيم، عادة من 10 إلى 30 شخصاً، حوالي التاسعة إلى العاشرة مساءً، بعد كل مظاهرة (وكانت تحدث يومياً). كان المحتجزون يصطفون وهم معصوبي الأعين، ويُجبرون على الجلوس على ركبهم ويتم ضربهم. كانوا يسبونهم ويضعون أقدامهم فوق رؤوس الناس. كان ذلك يحدث خارج المبنى، أمام مكتبي. كان يتم ضربهم في انتظار الجاسم – [لعماد فهد الجاسم] الذي يشرف على العمليات في إدلب – حتى يحضر ويعاين المحتجزين.

عندما يصل الجاسم كان يسب المحتجزين بسبب مشاركتهم في التظاهرات. ثم يأخذونهم إلى السجن القريب. السجن تحت حراسة جنود من وحدتي، فكنت أحياناً أذهب إلى هناك. كانوا يضعون المحتجزين هناك ليلاً، في حجرة لا تزيد عن ستة في سبعة أمتار، دون طعام أو ماء.

“نزار”، الذي كان يعمل حارساً في مشفى عسكري في حمص، منذ أواسط أبريل/نيسان إلى أواسط سبتمبر/أيلول 2011، وصف ضرب وتعذيب المتظاهرين المصابين في المشفى:

تقوم المخابرات والجيش بنقل المصابين وتضعهم في الفناء المجاور لمنطقة الطوارئ. ثم يبدأ الجميع في ضربهم، بما في ذلك الأطباء والممرضات. وجميع المحتجزين معصوبي الأعين.

بعد الضرب في الفناء، تأخذهم الممرضات والحراس إلى حجرة الطوارئ، ويعطونهم بعض الإسعافات الأولية، ثم تأخذهم المخابرات. في البداية يتم احتجازهم في مقر احتجاز داخل المشفى لعدة أيام، وتتولى الشرطة العسكري مسؤولية هذا الأمر. ثم تأخذهم المخابرات الجوية في السيارات. هذا ما حدث مع كل مصاب جُلب إلى المشفى. أعتقد أنهم كانوا يتعرضون للتعذيب في مقر الاحتجاز لأنني كنت أسمع الصراخ. أصحاب الإصابات الجسيمة يُنقلون إلى العناية المركزة التي تحرسها الشرطة العسكرية. وأحياناً يدخل الجنود وأسمع الناس يصرخون، أعتقد أنهم كانوا يضربونهم داخل الحجرة.

كان العقيد د. هيثم عثمان مسؤولاً عن المشفى. رئيس الأطباء في المشفى حاول إخباره والمخابرات بألا يعذبوا الناس لأن وظيفة المشفى هي علاجهم وليس تعذيبهم، لكن تجاهله الجميع.

لم يكن مسموحاً لنا بإدخال أي فرد من الأقارب. وعندما يسأل الأقارب عند المدخل، نقول لهم إن هذا مشفى عسكري وليس فيه أي مدنيين.