سوريا ماذا بعد هذه العودة؟

106

وأخيرا عادت سورية إلى مكانها الأصلي بين أشقائها، وهذه خُطوة إيجابية تُحسب على الجزائر التي مهدت للموضوع، والسعودية التي أنهته وفصلت فيه بمُباركة ومُساعدة بعض الدُول العربية، عودة بمثابة بداية جديدة لسوريا وللعرب الذين اتفقوا هذه المرة وحسبوها صح، فلهذا البلد تاريخ عميق تعاقبت عليه حضارات متعددة، وشعبه مُثقف وواعي، ومن حقه العيش بسلام وأمان في بلده، لكن ماذا بعد هذه العودة؟ هل سترجع سوريا كسابق عهدها ويرجع مُواطنوها المنتشرون في كل بُقعة من هذه الأرض، هؤلاء الذين يرفضون ويخافون العودة دون ضمانات تُؤمن مُستقبلهم وتحميهم من المُتابعات القضائية، بإعتبار أن بعضهم ترك البلد لأنه لم يكن راضيا عن سياسة رئيسه، وماذا سيكون مصير من يرفض العودة لسوريا؟ أسئلة وأُخرى يطرحها السوري اللاجئ ويتمنى أن يجد لها إجابات مُقنعة ووافية من هؤلاء الذين قرروا أن يلتفوا حول الرئيس بشار ويُعيدوا الأُمور إلى ما كانت عليه، طبعا عودة سوريا للحضن العربي هي إنتصار للسياسة العربية التي رغم كل الإختلافات إلا أنها إستطاعت لم الشمل رغم رفض بعض الدُول التجاوب وعلى رأسها قطر، وتجاوز العقبات وتحدي الغرب الرافض لهذه الفكرة شكلا ومضمونا، هي إنتصار لبشار الأسد وتجاوز للماضي وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثُنائية بين سوريا وعدد من الدول العربية التي كانت أصلا سمنا على عسل، فبشار الأسد لم يكن عدو الكُل، ولهذا فالنظام السوري كان خارج الجامعة العربية بُرُوتوكوليا فقط.

ما ينتظر الرئيس بشار ليس بالأمر الهين وعلى كل المُستويات، فالعودة كانت مشروطة ببعض الإصلاحات والتنازلات لكي يعم السلام وتعم الديمقراطية، ولهذا فالجميع ينتظر الخُطوات المقبلة على أرض الواقع وبُسرعة التنفيذ حتى لا نُضيع الوقت، وأولها إحياء المُفاوضات المُباشرة مع المُعارضة والتمهيد لإنتخابات برلمانية ورئاسية مبنية على الحُرية السياسية والتعبير، بث ونشر الأمن والسلام بين الشعب بالتوقف عن سياسة الترهيب وفتح قنوات الإتصال مع الجميع وخاصة الدُول الجارة التي تشترك مع سوريا في كثير من القضايا، والحد من تجارة الكبتاغون التي تسبب الإدمان الشديد، يستخدمها المتعاطون في أنحاء الشرق الأوسط ونسبة 80 بالمائة من إمدادات العالم من هذه المادة تنتج في سوريا، وهناك مُقربون جدا من الرئيس من له ضلع في هذا ويستفيدون كثيرا من هذه التجارة المُربحة حسب بعض الأنباء، وما ينتظر الجامعة العربية كذلك شيء كبير ويتطلب الجدية والتعاون، فعودة سوريا للجامعة يعني مُساعدتها إقتصاديا والإستثمار في عديد المشاريع حتى تعود لسابق عهدها، لكن ما نعرفه أن المُنتمون للجامعة ليسوا كُلهم أغنياء، فقط بعض الدُول مازالت صامدة وتملك من الإمكانيات المالية ما تُساعد به سوريا، وحديثنا هنا عن الدول الخليجية دون إستثناء، دُول لم تعد تُقدم ببلاش، وتُقدم ألف شرط وشرط للإستثمار في أي بلد، فالخليجيون من سنوات مضت كانوا اليد اليُمنى لمصر ومُساندها الأول في كل الأزمات، سواء بالمال أو سياسة تشغيل المصريين على أراضيها، لكن ما حدث في الشهور الماضية وتصريحات بعض المسؤولين تُبين أن آل خليج تعلموا الدرس، وزمن الصدقات ولى واندثر في هذه الظُروف الإقتصادية العالمية الصعبة، فالمُهمة ليست بالسهلة وخاصة من الناحية الإقتصادية، لأن وضع النظام السوري أسوأ مائة مرة من كل البلدان المنتمية للجامعة، فهو يحتاج مئات المليارات لإعادة الإعمار، فالعودة حسب أحد السوريين يجب أن تُلمس برغيف الخُبز وكيلو البندورة ولتر الزيت.

 فهل نُبارك للعرب ولسوريا هذه العودة؟ طبعا سنُؤجل التهاني إلى الأيام القادمة ونرى ثمار هذا الرُجوع والتزاوج العربي السوري، فالمُهم عندنا كعرب هو الواقع وليس الشكليات التي مللنا منها سواء من حُكامنا أو الهيئات العربية التي ننتمي إليها، فالجامعة العربية لم تُقدم شيئا للمواطن العربي المُنهك والمُتعب من الحُروب والصراعات، فلُبنان وتونس، وليبيا، العراق الذي لعب دورا كبيرا في عودة بشار الأسد، السودان والصُومال، موريتنايا ومصر، كلها لم تستفد من الجامعة وحالها من السيئ للأسوأ، لذا التريث واجب ولا داعي للبهرجة الإعلامية التي تسبق أي إجتماع عربي، فأمريكا لن تتخلى عن قانون قيصر وبهذا العُقُوبات الأمريكية ستبقى حائلا لتحسين أوضاع السوريين، فأمريكا لم تُعطي بعد الضوء الأخضر للعرب لضخ المليارات، ولا أظنها ستفعل في الأيام القادمة للزعل بينها وبين السعودية التي قررت لعب دورها الإقليمي وفتح صفحات جديدة مع شركاء جدد تعتبرهم أمريكا خطرا، ولهذا من السابق لأوانه الفرح وما علينا إلا الترقب وإنتظار نتائج هذه القمة المُنتظر منها الكثير وخاصة على أٍرض الواقع، فالسودانيون ينتظرون لم الشمل بين الفُرقاء والعودة لطاولة الإصلاحات، والفلسطينيون كذلك يترقبون قرارات لوقف القتل والتدمير الإسرائيلي، وكُلنا كعرب ننتظر قرارات للحفاظ على الأمن الغذائي العربي ووضع اليد في اليد لتجاوز الأزمات، والجميع ينتظر إنهاء التطبيع على أرض الواقع وتطبيق قرارات الشرعية الدولية قد يقول قائل هذا ما كُنا ننتظره في القمة الواحد والثلاثون في الجزائر، نعم وسنضطر للانتظار إذا ما بقيت نفس الذهنيات والصراعات قائمة، فالقمم العربية لا تفرض على الدول مشاركة قراراتها، هي حراك دبلوماسي هدفه خدمة الدول الاثنين والعشرين التي قاطع بعضها القمم السابقة لأسباب وأُخرى، مثل مصر الغائبة من 1979 بسبب توجه الرئيس الراحل “أنور السادات” إلى الكنيست الإسرائيلي، الأمر الذي دفع بالجامعة العربية آنذاك لتعليق عضوية مصر ونقل مقر الجامعة إلى تونس، وبعد عشرة سنوات تعود مصر، ليبيا كذلك جُمدت عُضويتها ثلاثة أشهر وبالضبط نوفمبر 2011، لهذا فالمشكل ليس في التجميد والعودة، بل في العقلية وطريقة التفكير المُتبناة من بعض القادة العرب.

الكاتب: وجيدة حافي 

المصدر: صحيفة رأي اليوم