سورية المختطفة والجمهوريات الصاعدة

13

27028792PANewsBT_P-17ed986b-80b7-464c-b548-5bb261aa4255_I1

حتى الآن لا منتصر في سورية، وكل يوم تتوالى البيانات، التي تحيلها إلى بلد ممزق وأرض تطرف وإمارات غلبة واستبداد، بعضها باسم الأمة أو الدين أو الشريعة، وآخر باسم الحزب والجمهورية والحياة التقدمية التي ثبت زيف وعودها.

 

 

لطالما عاشت سورية في ثوب الأيديولوجيا، وطالما علقت في شوارعها وانتشرت فوق قمم جبالها مقولات البعث، التي ارتبطت بحكم آل الأسد وطائفتهم، فجعلت مستقبل سورية مرتهن ببقاء الاثنين معاً، فكيف اختطفت سورية؟

 

 

منذ انقلاب حسني الزعيم في الثلاثين من آذار 1949 نمت نخب وطبقة سياسية كانت تسعى إلى دولة مدنية، لكن توالي الانقلابات أجهض كل محاولات الدمقرطة وانتهت كل تجارب الانتخاب التي عاشتها البلاد في الأعوام 1943، 1949، 1954، 1957، 1961إلى نقطة الصفر العام 1963 وهو عام سيطرة البعث على السلطة والمجتمع.

 

 

أضحت سورية منذ غلب البعث عليها مصدراً لإنتاج الأيديولوجيا ومصدراً للتقدمية، التي انتهت إلى إسقاط الدولة في بطن الحزب من دون السماح بأي تعدّدية منافسة، ويعضد ذلك التحكم التزام عسكري ومخابراتي بتطويع قوى الدولة كافة لخدمة الأقلية التي تقودها. في المقابل، كان هناك سماح لقوى البازار التقليدية، مع عدم منافستها في «غِلالها» المستحقة، وتحالف ناعم مع المؤسسة الدينية التقليدية، المكونة من: المفتين والعلماء والأئمة والخطباء والصوفية، وهو تحالف تكرس بشدة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران العام 1979، إذ كانت القاعدة السنية مطلوباً منها الصمت على العلاقة مع إيران، والثمن الحفاظ على امتيازاتها والتمثيل السياسي في المناصب العليا للدولة والحزب، أما النخب والقيادات السنية التي رفضت الاحتواء فكان نصيبها ترك البلاد.

 

 

بعد ذلك راح النظام يستدعي الدعم من إيران والانضواء تحت عباءة الملالي، مع السماح بدعم خط المقاومة التي ظهرت في ما بعد في لبنان، وكانت الاستدارة في عهد حافظ الأسد مقبولة نحو إيران، فهو لم يَدُرْ كلياً في فلك طهران، أما في عهد بشار فكان الذوبان الكامل في المدار الإيراني.

 

 

كان على بشار الأسد، الذي عُدل الدستور السوري في العاشر من حزيران عام 2000 لأجل أن يحكم البلاد بشكل غريب في الوراثة الجمهورية، أن يستدعي نموذجين لا يختلفان عن سياسة والده، ولكنه أوغل فيهما كثيراً إلى حدّ الاستلاب.

 

 

الصورة التي كانت تعكس هذا الاستلاب هي تلك التي كانت تنتشر في شوراع المدن السورية وساحاتها، وفيها يظهر بشار الأسد وأحمدي نجاد وحسن نصر الله ملوحين بأيديهم للشعب. كانت الأيادي توحي باتجاه واحد، لكنها تبطن الكثير لسورية، التي اكتفى رئيسها بابتسامة لم تكن مفهومة إلا لمجرد أنه أراد أن يميز نفسه عن النموذجين الآخرين في الصورة.

 

 

كان ذلك يعني إلقاء السلطة والدولة في حضن إيران، على رغم أن الأسد الأب كان حذراً ويتعامل مع الشريكين، إيران وحزب الله، كأوراق اللعب، في حين أضحت سورية ورقة لعب بيد إيران في عهد بشار، فأُلبست ثوباً دينياً على رغم توجهات الرجل التحديثية والليبرالية التي كان يتوق إليها في بداية عهده.

 

 

هذا اللبوس الإيراني الطاغي كان يستدعي من بشار تحرير نفسه من إرث والده من الرجال الأقوياء الذين قد يعارضون توجهاته أو يتحفظون عليها، وتمّ ذلك إما بالعزل أو الإِبعاد أو الهرب أو القتل، وذلك حاضر في نماذج عبد الحليم خدام وغازي كنعان، وآخرهم ربما فاروق الشرع المُبعد أو المعزول.

 

 

وفي موازاة العيش في الماضي المقاوم وفي الأيديولوجيا البعثية التي تحولت عسكريتاريا سياسية وشعبوية، تحول الريف والطبقة الوسطى إلى كتلة ساخطة ضد النظام وقمعه وتسلطه، فكان لا بدّ من الثورة ضد عائلة تحكم باسم حزب، وضد حزب يتحكم به مرشد إيران وقادتها. وهكذا، كان الشعب سهْلَ التناول وسهل القتل من الأطراف الثلاثة: البعث وإيران وحزب الله، وذلك ببساطة لأنها أطراف لا تنتمي إليه ولا صلة لها به.

 

 

خسرت سورية مع البعث مدنيتها وتقدميتها، وصارت دولة تصدر الهوية الضيقة في الحكم، فانتهت إلى نظام لا يقاوم إسرائيل بل يقاوم شعبه، وكي يُفسر النظام بشاعته أنتج التطرف وأنتج التشدد وحول المواجهة من حالة ثورية محقة في مطالبها، إلى مواجهة مع الإرهاب والتطرف.

 

مهند مبيضين