سورية وشبح المجاعة الذي يلاحقها.. من يسعى إلى صوملتها؟

سورية بين ألم الحرب والجوع والمؤامرة

53

تشهد سورية  في مختلف المناطق التي  يسيطر عليها النظام أو فصائل المعارضة، أوضاعا إقتصادية ومعيشية صعبة وأزمة خانقة فاقمتها جائحة كورونا، حيث  يعيش قرابة 90% من المقيمين داخل سورية تحت خط الفقر، في وقت يتفشى الجوع يوماً بعد آخر، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، ولم يعُد يخفى على أحد الوضع التعيس الذي  يعيشه الأهالي، كما لم تعد العائلة الواحدة تعتمد على مصدر واحد فقط للدخل، بل مصادر عدة كي تستطيع تأمين كفاف يومها.
ويعتقد الإعلامي المختص في المجال الاقتصادي  عدنان عبد الرزاق، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان  أن ثورة السوريين الأشبه بكرة الثلج، تزيد آثارها كلما تدحرجت ومرت عليها السنون، بدأت آثارها على معيشة سوريي الداخل تتعاظم إلى درجة فقدان جلّ السوريين جميع سبل التحايل على ظروف المعيشة السيئة، برغم التحويلات التي تأتي من ذويهم بالخارج “نحو 5 مليون دولار يومياً” وبيعهم كل ما يمكن أن يباع، لافتا إلى أن غلاء الأسعار وتعدي تكاليف معيشة الأسرة السورية 1.2 مليون ليرة، بالمقارنة مع حقارة الدخل “لمن لهم دخل ثابت طبعاً” وضع سورية هذا العام في مقدمة الدول الأفقر بالعالم.
وفي سؤال المرصد عن أهم أسباب غلاء الأسعار وزيادة فقر السوريين، أجاب عبد الرزاق قائلا: ربما التضخم النقدي الذي أفقد الليرة السورية قيمتها، بعد تراجعها أمام الدولار من نحو 54 ليرة مطلع الثورة السورية عام 2011 إلى نحو 3500 ليرة اليوم، هو أهم الأسباب، لكن تراجع سعر صرف الليرة، مع شبه تثبيت للأجور، هو ما أظهر الأسعار على ما هي اليوم، وربما اللافت بالقضية السورية، استمرار تهاوي العملة لتزداد تبعا لذلك نسبة الفقر وعدد الجياع.
 واستطرد قائلا: ”هنا لن نأتي على الأسباب السياسية التي أدت إلى تراجع سعر العملة السورية حرب وفقدان الأمل بحل، ولا بعوامل خارجية لها علاقة بالحصار الاقتصادي، بل سنأتي على تبديد نظام الأسد للاحتياطي النقدي المقدر عام 2011 بنحو 20 مليار دولار بالمصرف المركزي، تبدد بالمطلق اليوم على تكاليف الحرب وتمويل قتل السوريين”.
وتطرّق إلى غياب جميع محددات ثبات سعر الصرف، كالسياحة والتصدير على سبيل المثال،الذيْن زادا من تهاوي الليرة بسبب خلل العرض والطلب وزيادة الطلب على العملات الأجنبية، سواء للاكتناز أو تمويل المستوردات والدراسة.
كما أن ثمة قرارات اتخذتها حكومة النظام السوري أخيرا، من شأنها أن تزيد من المخاوف وسعي السوريين نحو العملات الأجنبية والذهب، بسبب قرار منع استيراد الكماليات بالتوازي مع انسحاب المصرف المركزي من تمويل حتى الدواء، ليوعز  إلى شركات الصرافة المقربة من النظام ” الفاضل، المتحدة، الهرم والفؤاد” ببيع الدولار بسعر مواز تقريبا لسعر السوق.
وأردف، “كما أن  لزيادة ضخ الليرة (طباعة من دون معادل أو إنتاج)  لزيادة الأجور البالغة 81 مليار ليرة، أو ثمن المحاصيل الزراعية كالقمح والقطن، كل ذلك زاد من عرض الليرة وزيادة الطلب على الدولار، بواقع توقف المصرف المركزي عن بيع العملات الأجنبية، حتى للتجار والصناعيين.. إذن، علينا النظر إلى سعر صرف العملة وحجم الدخل ومستوى الأسعار، قبل أن نتكلم عن الفقر والأسباب.
“وكما أسلفنا، تراجع سعر صرف الليرة إلى ما قبل الانهيار بقليل، وارتفعت تكاليف معيشة الأسرة السورية خلال شهرين بأكثر من 600 ألف ليرة، بعد ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وأجور النقل على إثر رفع نظام بشار الأسد أسعار المازوت والبنزين الشهر الماضي، وتراجع سعر صرف الليرة السورية من نحو 3200 ليرة إلى نحو 3400 ليرة اليوم بدمشق”.
وتحدّث  الإعلامي الإقتصادي عن تطرّق مراكز أبحاث في دمشق، عن احتياجات الأسرة السورية المكونة من 5 أشخاص، بحوالي 1.850 مليون ليرة، للعيش بكفاف دون رفاهية، إذ يشير مركز “قاسيون” بدمشق، إلى أن متوسط تكاليف معيشة أسرة سورية مؤلفة من خمسة أشخاص كان بنحو 660 ألف ليرة سورية خلال الربع الثالث من العام الماضي، ارتفع إلى 732 ألف ليرة مطلع العام الجاري، حصة الغذاء منها 376 ألفا و500 ليرة.
 ووفق محدثنا، ارتفعت تكاليف المعيشة بنهاية الربع الأول من العام الجاري، بواقع استمرار ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف الليرة، إلى مليون وأربعين ألف ليرة موزعة على سلة إنفاق “غذاء، سكن، صحة، تعليم، لباس، أثاث، نقل واتصالات” لتصل تكاليف المعيشة بنهاية النصف الأول من عام 2021 إلى 1.240 مليون ليرة،  في حين لا يتجاوز دخل الموظف السوري 71 ألف ليرة سورية شهرياً.
ولعل أهم أسباب ارتفاع الأسعار الجنوني خلال الفترة الأخيرة – وفق  محدثنا- كان جراء رفع أسعار حوامل الطاقة خلال الشهرين الماضيين، فسعر ليتر المازوت ارتفع من 180 إلى 500 ليرة سورية، ما أثر على أسعار المنتجات الزراعية والصناعية، حيث لوحظت قفزات سعرية كبيرة خاصة بمنتجات الاستهلاك اليومي وأجور النقل.
 وذكّر بتصدير غذاء السوريين”خضر وفواكه” إلى شركاء الأسد في الحرب على السوريين: روسيا وإيران” ومقايضة بعض السلع السورية التي يحتاجها السوق والاستهلاك اليومي، بالقمح الروسي والنفط  الإيراني والروسي لأن نظام الأسد لم يعد يملك قطعا أجنبيا للاستيراد.
بدورها  أكدت السورية المعارضة، راغدة الحريري، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه قبل الثورة بزمن طويل لا يخرج ولا يدخل شيء إلى سورية إلا بإذن الدولة وبأيدي العصابة الحاكمة، مستذكرة قصة  لصديقتها صادر عناصر النظام لزوجها بندقية خردق للصيد حاول إدخالها من لبنان لابنه مع أنه ضابط ولكن ليس من المحسوبين على النظام، متسائلة:” كيف لملايين ومليارات أن تخرج من سورية ؟.. الحكومة هي التي هربت تلك الأموال وكل السوريين تقريبا يعرفون ذلك، وهذا هو المسبب الأول للجوع الذي يعانيه أهل سورية .. أحدّثكم، قبل الثورة  كان راتبي التقاعدي يعادل 400 دولار فكيف عندما يعادل هذا الراتب اليوم  20 دولارا؟!.. حدثتني صديقة لي حول الغلاء فقالت : أتحصل على حوالي سبع رواتب من إخوتي المقيمين بالخارج ولايكفي ذلك أكثر من أسبوع حيث جرة الغاز نأخذها بعشرة أضعاف عمّا كانت عليه سابقا”.
وأضافت، ” الأزمة الاقتصادية في سورية محركها الأساسي ومسببها الدولة ، فالمازوت مفقود والبنزين معبأ في  قوافل النظام التي تتوافد على درعا البلد وهو حي بسيط من أحياء درعا لتحاصره لمدة سبعين يوما وتقوم  بقصفه ليل نهار .. أليس الناس أحق بهذا الوقود للتدفئة والمواصلات بدل من أن يقصفوا به”.
ولفتت راغدة الحريري إلى أن الفساد ينخر جسد سورية منذ ما قبل الثورة، ومايحدث اليوم هو نتيجة لسنوات الفوضى.
وختمت المعارضة السورية بالقول: “كل ماذكرته كان قبل الثورة فكيف الآن وقد ازداد الفاسدون ثراءً وتم تفقير الشعب الفقير أصلا؟.. يقول الناس في الداخل : كنّا فقراء ولكننا اليوم جوعى ، كيف لا وقد اغتصبوا كل ثروات البلد  وهرّبوا أموالهم للخارج ..الجوع ليس شبحا يخيم على السوريين بل لمسوه وعانوه حقيقة، ولم يكن قانون قيصر هو المسبب للجوع إذ استثنى القانون الغذاء والدواء وسمح باستيراد تلك المواد .. أي نظرة عاقلة محايدة لما يحدث تدرك من تسبب بهذه الأزمة الاقتصادية الخانقة حيث لاماء ولا كهرباء ولا وقود”.
أما  رئيس التيار الإصلاحي السوري،  شكري شيخاني فيشير، في حديث للمرصد السوري، إلى أنه على مدى العامين الماضيين، أدت جائحة كورونا إلى تراجع الأمن الاقتصادي والصحّي والغذائي لملايين البشر، مما دفع بملايين من البشر  إلى دائرة الفقر المدقع، وفي حين أن الآثار الصحية والاقتصادية المترتبة على الجائحة كانت مدمرة، فإن ارتفاع معدلات الجوع كان واحدا من أشد الأعراض الملموسة  وكان للشعب السوري النصيب الأكبر من هكذا أزمة  غذّتها حرب ظالمة مجانية  وعنف ممتد منذ 11 عاما”.
 وأفاد شيخاني بأن أي متابع للوضع بقف على واقع   الشعب السوري الذي  بات يعني  أقسى وأصعب معاناة شهدتها البشرية حتى الآن  بسبب جنون السلطة وتعنتها وتشبثها  بأحادية  الحكم والانفراد به قهرا وظلما، إضافة إلى تعطل الأسواق والامدادات بسبب القيود المفروضة على التنقل  ما خلق نقصاً في المواد الغذائية وارتفاعا في الأسعار على المستوى المحلي ، لا سيما بالنسبة للأغذية القابلة للتلف، موضحا أنه ستكون لهذا التراجع في الحصول على الطعام المغذي آثار سلبية لسنوات قادمة على الصحة والتنمية المعرفية للأطفال، وسط حصار دام 11 سنة ووسط عدم تفهم الدول الكبرى صاحبة القرار لمدى صعوبة الحالة التي يعيشها الشعب السوري ويترافق ذلك مع انحدار واضح للحالة الاجتماعية بكل أنواعها  والحالة الاقتصادية المتردية  وتهاوي رهيب لا يشعر به إلا من يعيش على أرض الواقع،  والأمثلة كثيرة لاتُعد ولا تحصى،إذ من غير المعقول إطلاقا أن يتقاضى  رب أسرة مؤلفة من 5 أشخاص 30 دولارا منها الطعام والماء والكهرباء( إذا وجدت ) ومصاريف التعليم والمواصلات والصحة والنظافة، هذا غير شراء الملابس والأحذية أوأي عملية جراحية طارئة.. كل ذلك  قدرته الحكومة “الرشيدة” بـ 30 دولار فقط، متابعة العمل بمقولة:” لا برحمك ولا أدع رحمة ربنا تنزل عليك”!..فقر وجوع ومذلة وقهر  ومضايقات واعتقالات بالداخل ومنع سفر لمن هم أقل من 40 سنة،  علاوة على الطوابير على  منافذ ومكاتب الهجرة والجوازات  بعشرات المئات  ناهيك عن الابتزاز والنصب  والاحتيال على المواطنين”.
ويرى السياسي السوري أنه من أجل تجنب حالات النقص المصطنعة وارتفاع الأسعار، يجب أن تتدفق الأغذية وغيرها من السلع الأساسية عبر الحدود بأكبر قدر ممكن من الحرية، ولابد من التنويه  إلى أن هذه الحالة التعيسة  يعيشها المواطن السوري منذ فترات طويلة، ولقانون قيصر علاقة بذلك  ولكن ليس بالحجم الذي تصوره السلطة وهذه الأخيرة تتحمل  المسؤولية في كل ماجرى ويجري وسيجري بحق الوطن والمواطن لعدة أسباب، أولها وأبرزها  الحالة السياسية المتجمدة عند نقطة الكرسي والتشبث الأعمى بالسلطة الذي جلب كل المصائب والويلات والاحتلالات والتدخلات في الشأن السوري الداخلي.
ويعاني السوريون من فقر مدقع رفع نسبة الفقراء إلى أكثر من 90%، بعد وصول سورية الأسد إلى مقدمة الدول الأكثر فقراً والأقل دخلا بالعالم، مع تحذيرات بزيادة نسب الجوعى هذا العام نتيجة  زيادة الأسعار وتراجع غلة المحاصيل الزراعية بسبب الجفاف واستمرار النظام بتصدير غذاء السوريين إلى دول الجوار.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت سابقاً، من أنّ سورية مهددة بتفاقم أزمة الجوع، بسبب تدني محصول القمح هذا الموسم.\
كماحذرت منظمة الإغاثة الألمانية “فيلت هانغرهيلفه” (Welthungerhilfe) المعنية بتقديم المساعدات الغذائية، من أنّ عدد الأشخاص الذين يعتمدون على المساعدات الإنسانية سيتزايد بشكل كبير.
ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، يكافح 12.4 مليون شخص في سورية للعثور على ما يكفيهم من الطعام.