سوريون بلا أكفان

28
روى أحد المسؤولين في منظمات الإغاثة السورية أنهم كانوا يعملون قبل حلول الشتاء من أجل تأمين ما يساعد السكان على البقاء في مناطقهم في ريف إدلب، لكن المسألة انعكست تماما حين صاروا يصرفون ما جمعوه من مساعداتٍ ماديةٍ من أجل مساعدة الأهالي على مغادرة بيوتهم. وقال إن الوضع كان مأساويا، بسبب دمار كل البنى التحتية من محطّات مياه الشرب والمشافي والمدارس والأسواق والأفران. ومع ذلك كان المواطن يحسّ في بيته أن وضعه أفضل من أولئك الذين تم تهجيرهم من الغوطة وحمص وحماة، والذين ليس في وُسعهم تأمين متطلبات الحياة، وباتوا عاجزين عن استئجار غرفةٍ واحدة، وهم يعيشون في ظلال الأشجار. ويتحدّث هذا المسؤول أن منظمته صرفت مبالغ كبيرة على مساعدة آلاف العائلات الهاربة من القصف الروسي، وقصف النظام والمليشيات الايرانية من قرى أرياف إدلب نحو الحدود التركية. ويصف حال المهجّرين قسرا بأنه لا يمكن أن يُقاس بأي وضع آخر، كما أنه لا سابق له في الحروب الحديثة. ويقول إن الطلب على الأكفان ارتفع، في الآونة الأخيرة، بشكلٍ كبير. وهناك من بدأ يطلب من المنظمات الانسانية أن تقتصر مساعداتها على تأمين الأكفان، لأن عدد الوفيات يتزايد بين كبار السن، وهناك تقديراتٌ أن الوضع سوف يتفاقم في هذا الشتاء القارس. 
ولا يأتي طلب الأكفان من فراغ، فهناك أرقام صارخة، تلخص حال الإبادة المنهجية التي يتعرّض لها جزء من الشعب السوري. وصدرت تقارير، في الأيام الأخيرة، عن منظمات الإغاثة السورية تفيد بأن العجز في المأوى وصل إلى 96%، وفي تأمين المساعدات الغذائية إلى 92%. وهذا يعني أن الوضع وصل إلى درجةٍ من الخطورة، يحتاج فيها إلى حملة إنقاذ دولي سريعة، وإلا ستقع الكارثة. وما يطلبه الناس اليوم هو توفير إيواء عاجل ومستشفيات ميدانية للحالات الإنسانية الطارئة، مثل الخاصة بكبار السن والنساء الحوامل والأطفال الذين يموتون من البرد على دروب التهجير. ولايكفي هنا إرسال مساعداتٍ عاجلةٍ فقط، بل يتطلب الأمر توفير منطقة آمنة من المعارك، مثل منطقة حظر طيران، لأن الجزء الأكبر من المآسي تسبّب به الطيران الحربي والبراميل المتفجرة. 
في هذا الوقت، كان من بين أكثر الصور تداولا على وسائل التواصل السورية اقتحام مجموعة من شبيحة النظام مقبرةً في بلدة خان السبل في ريف إدلب. وصوّر الشبيحة أنفسهم فيديوهات، وهم يهدمون عدة قبور، ويستخرجون رفات أشخاصٍ ويحطمون شواهد قبور أخرى. ومن بين الذين ركّز عليهم الشبيحة أحد قادة الجيش الحر، مهنا عمار الدين، الذي ينتمي إلى القرية نفسها، واغتاله مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2014. وجرى تقديم الاعتداءات على القبور أنها حوادث انتقام فردية، قام بها شبيحةٌ سبق أن تم طردهم من المنطقة. وقد يكون هذا التبرير صحيحا، ولكنه لا يُسقط الأبعاد التي تركها الحادث الذي توقف أمامه السوريون على أنه صادر من خلفية النظام الذي يتعامل مع كل منطقةٍ يستعيدها من المعارضة على هذا النحو. وليس بالضرورة أن يتم نبش القبور، فهناك ممارساتٌ أخرى لا تقل انحطاطا، منها اقتحام البيوت وسرقة محتوياتها، وهذا ما يفسّر أن مهجّرين كثيرين في الموجات الأخيرة، منذ الصيف الفائت، لا يتركون خلفهم شيئا في المنازل، وصاروا يحملون معهم حتى النوافذ والأبواب الخشبية، وهناك من أحرق منزله، كي يحرم الشبيحة من الاستفادة من محتوياته. 
لا يكتفي النظام بارتكاب جرائم التهجير القسري التي دفعت مئات آلاف من السوريين إلى الهروب من بيوتهم، بل يشجّع على سلسلة من الجرائم التي تعمّق الجراح، وتبعد المسافات بين السوريين.
الكاتب:بشير البكر  – المصدر:العربي الجديد

“هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه/كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي المرصد السوري”