سوريون ضحية سماسرة متنفذين في النظام السوري للكشف والبحث عن مصير المعتقلين 

64

تعيش معظم عائلات المعتقلين والمفقودين في سوريا على أمل دائم بخروجه ذويهم من المعتقلات، وتبقى دائماً على استعداد لدفع المبالغ المالية مهما كانت كبيرة في سبيل ذلك، ما جعل الكثير من تلك العائلات ضحايا لسماسرة يمتهنون استغلال هذه العائلات لتحصيل الأموال، وقد استغلت أجهزة مخابرات النظام هذه الرغبة لدى العائلات في كشف مصير المعتقلين لتعمل على ابتزازها وسرقة الأموال.
على هيئة وسطاء متنفذين لدى أجهزة مخابرات النظام أو على هيئة محامين وقضاة محاكم، تتنوع أشكال وصفات هؤلاء المبتزين الذين يستغلون مشاعر العائلات دون الأخذ بعين الاعتبار أوضاعها المعيشية والمادية، حيث التقى نشطاء”المرصد السوري” ببعض هذه العائلات التي تعرضت لسرقة مبالغ كبيرة دون معرفة مصير أبنائهم المعتقلين في سجون النظام.
(م.ح) من منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الغربي وقع ضحية احتيال من قبل شخصين متنفذين لدى حكومة النظام وسرقة مبالغ مالية منه بحجة كشف مصير أحد أبنائه المعتقلين، وفي شهادته لـ”المرصد السوري” يقول، أن ابنه اعتقل على يد أجهزة مخابرات النظام أثناء تأديته “خدمة العلم” في العام 2012 عندما حاول الانشقاق، ولعلمه بخطورة ما قام به فقد بدأ يحاول بشتى الوسائل معرفة مصيره ومحاولة تخليصه من الاعتقال.
مضيفاً، أنه وفي العام 2017 وبعد نحو 5 سنوات من اعتقال ابنه وعشرات المحاولات لمعرفة مصيره، استطاع التوصل لشخص يعمل في “دائرة النفوس” في دمشق ليبحث عن الاسم بين المتوفين، فطلب منه مبلغ 500 دولار أمريكي، فبدون تردد قام بتأمين المبلغ رغم وضعه المعيشي الحرج وأرسله لذلك الشخص، وبعد يومين من استلامه للمبلغ انقطع التواصل معه وقام بتغيير رقمه كما توقع ذلك حينها.
والمرة الثانية كانت على يد شخص آخر وهو أحد أقارب العضو السابق في “مجلس الشعب” ( خالد علي الحدياني ) وهذه المرة كانت أواخر العام 2019، حيث تكفل ذلك الشخص بالسعي لإخراج ابنه المعتقل إن كان على قيد الحياة، وطلب منه مبلغاً قدره مليوني ليرة سورية، فتعاون مع بعض أقاربه وأرسل المبلغ، وبدأ بالبحث عن اسم ابنه ليدعي أنه اكتشف وجوده في “سجن حماة المركزي” ثم بدأ يتملص من قضيته بحجة خطورة تهمته وأنه تواصل مع عدة ضباط دون نتيجة.
ويعرب عن أسفه لعدم معرفة أي شيء عن مكان وجود ابنه حتى يومنا هذا، ويعتقد أنه قد استشهد في السجون بعد طول هذه المدة التي لم يعرف مكانه.
رابطة “معتقلي ومفقودي صيدنايا” أطلقت مؤخراً دليلاً يستعرض أهم الطرق التي يتوجب على العائلات اتباعها لحمايتها من ابتزاز شبكات مؤلفة من ضباط ومحامين وسماسرة يتبعون للنظام ويحاولون الإيقاع بهذه العائلات، حيث يقدم الدليل وهو عبارة عن كتيب العديد من الطرق التي من شأنها تخفيف هذه الظاهرة التي باتت منتشرة بكثرة، فهذه الشبكات تتبع طرق عديدة للاحتيال والنصب على عائلات المعتقلين.
وقالت الرابطة، إن أجهزة مخابرات النظام عمدت لمثل هذه الطرق لحاجتها المادية بسبب الانهيار الاقتصادي الكبير الذي لحق مؤخراً بحكومة النظام، يضاف لذلك سهولة ابتزاز هذه العائلات لحاجتها معرفة مصير أبناءها بعد أن مضى على الكثير منهم سنوات، لاسيما وأن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام تتقصد تغييب الكثير من المعتقلين وعدم الإفصاح عن أي معلومات بخصوصهم بهدف الابتزاز المالي، وبحسب “الرابطة” فإن المبلغ التقديري الذي أخذته سماسرة النظام من عائلات المعتقلين منذ العام 2011 يقدر بأكثر من 900 مليون ليرة سورية.
ناشط حقوقي بدوره تحدث لـ”المرصد السوري” عن هذا الموضوع قائلاً، ازدادت وتيرة هذه الظاهرة خلال السنوات الأخيرة من عمر الأحداث السورية وذلك بعد مضي العديد من السنوات على اختفاء آلاف المدنيين وعدم معرفة أي معلومات عنهم حيث يجتهد ذويهم في محاولة الكشف عن مصيرهم بشتى الطرق والوسائل المتاحة، ما جعل من هذه الحالة مكسباَ لسماسرة النظام من موظفين ومحامين وقضاة وضباط لكسب الأموال.
مضيفاً، غالباً ما يتم التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي بين هؤلاء السماسرة وذوي المعتقلين الذين يتواجد غالبيتهم في مناطق الشمال السوري، ويبدأ السمسار الذي يأخذ دور شخص لديه إمكانية كبيرة بطلب المبالغ المالية بحجة دفع الرشاوي لضباط ومسؤولي السجون والفروع الأمنية وغالباً ما تكون مبالغ كبيرة تتجاوز المليوني ليرة سورية أو أكثر، وقد يصل لعشرة أو عشرين مليون ليرة سورية.
ويوضح الناشط، أن الأهالي يبادرون لدفع هذه المبالغ بعد أن يحصلوا على تطمينات من قبل الشخص المتكلم وبعد أن يعدهم بالعمل جاهداً لإطلاق سراح المعتقل، ورغم الظروف المعيشية الصعبة إلا أن العائلات تسعى بكل جهدها حتى تتمكن من دفع المبلغ حتى وإن اضطرت لبيع ممتلكات أو الاستدانة.
ويشير لعدم وجود إحصاءات رسمية محددة تكشف عدد العائلات التي تعرضت لمثل هذه الحالات من الاحتيال والابتزاز لكنها ظاهرة منتشرة بكثرة وينتهي المطاف بالعائلة أخيراً أن ينقطع التواصل مع ذلك السمسار أو مماطلته في القيام بأي إجراء فعلي بحجج مختلفة ثم يغيب سارقاً معه المبالغ التي أخذها.
ويهيب الناشط بذوي المعتقلين بعدم الانجرار خلف هؤلاء وعدم تضييع المال والوقت دون أن يبادر في البداية بتقديم دلائل واضحة جداً على وصوله ومقابلته المعتقل وتقديم فيديو مصور يظهره بشكل شخصي وأن يكون هناك وسيط مضمون من قبل ذوي المعتقل ليكون طرف ثالث لضمان عدم ضياع المبلغ بحال عدم قدرته على تخليص معتقلهم .
ومنذ بداية أحداث الثورة السورية التي انطلقت بتاريخ 15 آذار/ مارس 2011 دأبت أجهزة مخابرات النظام على اعتقال كل من وقف بوجه النظام وشارك في المظاهرات ، ويقبع داخل سجون ومعتقلات النظام مئات الآلاف من السوريين والكثير منهم مغيب قسرياً ولم يستطع ذويهم التوصل لأي معلومات عن أماكن احتجازهم.
ووثق”المرصد السوري” استشهاد نحو 47509 معتقل في سجون النظام منذ بداية أحداث الثورة السورية، من بينهم 47106 رجلاً وشاباً، و 339 طفلاً دون سن الثامنة عشر، و 64 مواطنة.