سياسيان: إخراج القوات المحتلة من سورية يتطلب تنفيذ القرارات الدولية

27

تؤرق الاحتلالات الأجنبية السوريين وتتسبب في  مضاعفة معاناتهم ومآسيهم، فهم يعيشون في بلد  مقسّم تسيطر  عليه سلطة الأمر الواقع وتتحكم فيه القوى الكبرى التي تسيّر الوضع بفيتو هي من صنعته وكان مفروضاً على الشعب الذي وجد نفسه مهمشاً مقصياً دون أي سلطة ومحروماً من حقه في تقرير مصيره الذي اختاره. 

مسألة إنهاء الاحتلالات الأجنبية من سورية أمر ليس  صعبا إذا توحدت القوى الوطنية والشعبية السورية على أهمية تنفيذ هذا القرار لتخليص البلد من وحل تلك القوى التي تعمل فقط على تطبيق سيناريو التقسيم وتواصل بث الفوضى والعنف في واقع سيطرة الشبيحة والمليشيات والفصائل المسلحة المسيطرة على كل شبر من سورية، حيث أصبح  تطهير سورية وتحريرها ضرورة  وجب أن تلتف حولها كل القوى الوطنية التي تتمسك بوحدة الأرض والمحافظة على تماسك الشعب السوري، ولو وضعت الأطراف المتصارعة الخلافات جانباً لكان مصير كل قوة خارجية تحتل شبراً من تلك الأرض المغادرة، إلا أن كابوس الاحتلال الذي خيم على البلد منذ سنوات بتعلة حماية النظام من السقوط من جانب وحماية المعارضة في هدفها الثوري من جانب آخر  لم يعد مجدياً في ظل التغيرات الحاصلة على أرض الواقع.

ويعتبر المحامي والمعارض السياسي السوري أحمد مشول، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان أنّ هناك علاقة جدلية بين النظام السوري وبين دخول جميع قوى الاحتلال، حيث يعرف الجميع أن سورية لم تكن تخضع للاحتلال المباشر قبل الثورة السورية في آذار 2011، ومع انطلاق الثورة وخروج الشعب في المظاهرات ضد النظام الاستبدادي بدأ الوجه القبيح للنظام يبدو أكثر وضوحاً مع استخدامه الرصاص الحي في تفريق المتظاهرين، ومع إصرار الشعب السوري على نيل حريته وكرامته توسعت المظاهرات والاحتجاجات لتشمل المدن والمناطق والقرى السورية كافة.

وأضاف مشول: لمعرفة كيفية إخراج القوات الأجنبية من سورية لابد من معرفة الدول والتنظيمات المتدخلة فيها، ودور النظام السوري في إدخالها، وصناعة الإرهاب والتطرف من أجل وسم قوى الثورة به، وبالتالي فقدان مشروعية الثورة وأهدافها.

وأوضح أنّ النظام السوري بدأ منذ انطلاق الثورة في آذار 2011 التخطيط من أجل القضاء عليها وكانت أفضل الوسائل وفق النظرية الأمريكية التي نجحت في لعبة الحادي عشر من أيلول 2001، باستخدام عناصر القاعدة، وبرغم نجاح الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها المرحلية إلا أن الدراسات والكتب التي كشفت وفضحت مخططها وخاصة كتاب”اللعبة القذرة” للكاتب الفرنسي تيري ميسان، وكتاب”الحادي عشر من أيلول” للكاتب والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي إلى جانب عشرات الدراسات الأخرى، كشفت خفايا اللعبة الأمريكية القذرة كما يسميها تيري ميسان.

وتابع محدثنا قائلاً: ” بدأ النظام السوري مستفيداً من اللعبة المخابراتية الدولية ومدرسة واشنطن لمواجهة الثورة بالافراج عن معتقلي القاعدة من سجونه ومعتقلاته وأبرزهم زهران علوش وحسان عبود وأبو محمد الجولاني وغيرهم الكثيرون، وجاء التنسيق والعمل بين النظام السوري ونظام الملالي في طهران والحكومة العراقية التابعة لطهران وأطراف أخرى في أعمال التدريب في معسكرات للقيام بالمهام المنوطة بهم في سورية ولمواجهة الحراك الجماهيري السلمي، لافتاً إلى أن هذا المخطّط قد نجح في التأسيس للدولة الإسلامية بالعراق والشام في التاسع والعشرين من حزيران 2014 بقيادةِ أبي بكرٍ البغدادي والتي عرفت باسم “داعش” ، وسيطرت بالاتفاق مع النظام السوري على مناطق واسعة في سورية، وأقامت عاصمة الخلافة لها في مدينة الرقة بعد أن قام النظام السوري بتسليمها لها تسليما فعلياً، وتفرّعت عن “داعش” جبهة النصرة التي لبست ثوباً جديداً فيما بعد يسمى “جبهة تحرير الشام”، وفي مرحلة أخرى، وفق مشول، جاء دور التنظيمات الشيعية اللبنانية والعراقية والأفغانية وغيرها وعلى رأسها حزب الله اللبناني للتدخّل ليكونوا داعمين للنظام بناءً على تنسيق مع ملالي طهران معتبرين سورية مجرّد ولاية تابعة لهم وفرضوا سيطرتهم على مناطق واسعة من سورية وحصلوا على استثمارات كثيرة في سورية ومارسوا بالاشتراك مع التنظيمات الشيعية عمليات تهجير واسعة في مناطق متعددة وأعمال تغيير ديمغرافي ارتبطت مع منح النظام السوري الجنسية لهم دون مراعاة لقانون الجنسية، مشيراً إلى أنّ جميع القوانين لم يعد لها أية قيمة قانونية وحتى الدستور مع ارتكاب النظام جرائم القتل والاعتقال والاغتصاب والتهجير القسري والجرائم ضد الانسانية.

وتطرّق المحامي السوري إلى تشكّل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في 22 سبتمبر 2014،بذريعة ملاحقة الارهاب متمثلا بـ”داعش” و”النصرة” وجماعة خراسان، متناسيا جميع الجرائم المرتكبة من النظام السوري بما فيها السلاح الكيماوي المحرم دوليا والذي تم استخدامه عشرات المرات وحتى بعد تسليم النظام السوري شكليا لهذا السلاح بدليل إعادة استخدامه مرات عديدة ودون أية عقوبات دولية.

وتحدث عن دعم الاتحاد الروسي للنظام السوري سياسياً باستخدامه حق النقض (الفيتو) عدة مرات لمنع معاقبة النظام على استخدامه الأسلحة المحرمة دولياً بما فيها السلاح الكيماوي، ثم جاء التدخل العسكري الروسي في سورية في أيلول عام 2015 بعد فشل النظام السوري وحزب الله والتنظيمات الشيعية وإيران في القضاء على الثورة التي توسعت وسيطرت على مساحات واسعة من سورية.

وعبّر عن أسفه من ازدواجية المعايير الدولية التي أدت إلى تغاضي المجتمع الدولي عن جرائم العدوان الروسي على الشعب السوري، في حين يجتهد الغرب في إبراز جرائم الحرب في أوكرانيا لإدانة روسيا.

وعن طرق إخراج الاحتلالات وأمراء الحرب والمرتزقة من سورية، قال محدثنا : هناك تسلسل منطقي لابد منه من أجل إخراج جميع قوى الاحتلال والميلشيات الطائفية وأمراء الحرب من سورية ، وهنا يشكل الحل السياسي المقدمة الضرورية واللازمة وفق بيان جنيف 1 الصادر في الثلاثين من حزيران 2012 والقرارات الدولية،  وأيضا تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 2118 عقب استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا والذي أكد أن عدم امتثال سورية لقرارات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية يستوجب إحالة القضية إلى مجلس الأمن الدولي.

ولفت إلى إجماع المجتمع الدولي على الحل السياسي في سورية بالموافقة على القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي ومنها القرار رقم  2254 وضرورة تطبيق بيان جنيف 1لعام 2012 والقرار 2118 لعام 2013 وبالتالي ضرورة إنشاء هيئة حكم انتقالية جامعة تخوَّل سلطات تنفيذية كاملة.

 وأشار إلى أن الالتزام بوحدة الأراضي السورية مبدأ ثابت بالقرارات الدولية.

من جانبه، أكد المعارض الدكتور إبراهيم الجباوي في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان: أن إحلال السلام في سورية يحتاج إلى إخراج مختلف القوى المحتلة للبلد وهو أمر لا يمكن للشعب السوري بكل أطيافه وحتى المعارضة والنظام تحقيقه إلا من خلال قرار دولي تجمع عليه الدول تحت الفصل السابع المكون من 13 مادة يتدرج في التعامل مع الحالات التي تشكل “تهديدا للسلم أو إخلالاُ به”، و يقرّ بإخراج القوات الأجنبية، أما ما ابتدعه وزير الخارجية الروسي لافروف من مصطلحات عجيبة  بقوله إن الحلّ وجب أن يكون سوريا-سوريا، فهو أمر غير ممكن خاصة  بعد كل هذا الدمار والخراب.

 ولفت إلى أنّ المسألة السورية باتت بأيدي القوى الكبرى حيث لم تعد أي جهة سورية قادرة على إيجاد حلّ، وكانت هناك تجارب في جنيف وغيرها بيّنت أن السوريين من الجانبين غير متفقين على الحلّ وهنك طرف متمثّل في النظام غير مقتنع بالحلول الأممية ويسعى فقط إلى تعطيلها وإيقافها  بشتّى الطرق.

وأكّد الجباوي أن الشعب السوري سواء  في النظام او المعارضة بات مقسّما إلى مجموعات ترتبط بعلاقات متينة مع قوى إقليمية ودولية، وحتى النظام  نفسه ينقسم إلى تيارات، فيه من يؤيد روسيا وهناك  من يؤيد إيران ومنها من يؤيد “إسرائيل”.. كذلك المعارضة مشرذمة مقسّمة بين من يؤيد تركيا وجانب آخر مع السعودية وثالث مع فرنسا وأمريكا إلخ… مشيرا إلى أن تلك الدول هي التي  بيدها القرار، وإذا أرادت إخراج الاحتلالات فستقوم بذلك.

وأضاف: “هناك مثال بسيط.. لو أرادت المعارضة إخراج القوات الأمريكية من شرق الفرات فستجد معارضة من أطراف يخدمها الوجود الأمريكي هناك، شأنه شأن الوجود الإيراني الذي يستفاد منه النظام إلى جانب الروسي أيضا.. هي إذن معادلات  ومفارقات لاعتبار أن الشعب السوري غير قادر بالمرّة على إخراج تلك القوى، وغير قادر على التوافق على مشروع، فكيف يمكنه طرد تلك القوى وتحرير البلاد؟”.

واستطرد محدثنا: حين  يتم التوافق وإخراج تلك الاحتلالات ستُحلّ الأزمة السورية لأن في ذلك استعادة لسيادة الأرض وللقرار السوري،  وسيتم التخلص حينها من النزاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تسيطر على  تلك المجموعات سواء في المعارضة أو النظام”.

 وأبرز أهمية إخراج القوات الأجنبية لاعتبار أن ذلك من أوّل درجات إحلال السلام بسورية، معتبرا أنه لا يمكن الحديث عن حلول سياسية وأمنية ما دام هناك جنود أجانب على الأرض السورية.

وأشار إلى أن السلام  بدوره يحتاج إلى قرار دولي تحت الفصل السابع ينصّ على إخراج قوى الاحتلال من سورية، حينها سيتمكن الشعب السوري بمفرده ودون أي وصاية من تحقيق الحل السياسي والاستقرار ببلده بتفاهم وديمقراطية.

ويسمح الفصل السابع المُلزم بممارسة ضغط على أي بلد لكي يمتثل لقرارات مجلس الأمن الدولي.