سياسيون للمرصد السوري في ذكرى الثورة: تناقضات المصالح بين الدول الفاعلة أخّرت الحلّ السياسي في سورية ومتمسكون بثورتنا

141

تمرّ 12 سنة على اندلاع أول شرارة للثورة السورية مع تأخّر الحلول السياسية الرامية إلى بسط الاستقرار على كامل الجغرافيا السورية، في وقت يتواصل فيه الاختلاف على مسار الحل بين الأطراف المتنازعة وسط اتهامات متبادلة وتوجهات متقاطعة ومتضاربة لرؤية إنهاء الصراع الذي يعتبره النظام السوري في بقائه، وتراه المعارضة بكل شقوقه في رحيله وتشكيل هيئة حكم انتقالية تسيّر البلد إلى حين إجراء انتخابات نزيهة وشفافة.
بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى ضرورة العمل في سورية على “المسار السياسي” من أجل معالجة القضايا الأساسية التي يقوم عليها الصراع السوري.
وأعرب الأمين العام، عن قناعته بأن الخطوات المتبادلة والقابلة للتحقق من قبل الأطراف السورية وبين أصحاب المصلحة الدوليين الرئيسيين بشأن مجموعة شاملة من القضايا المحددة في قرار مجلس الأمن 2254 لعام 2015، يمكن أن تفتح الطريق نحو السلام المستدام.
وتحدث عضو هيئة التفاوض، ياسر دلوان، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن الحراك الواسع في هيئة التفاوض بعد الرئاسة الجديدة واللقاءات العديدة مع بعض المسؤولين العرب وفي الغرب بهدف إنعاش الملف السوري إقليمياً ودولياً بعد الجمود الذي تعرض له على أثر الحرب الروسية الأوكرانية، وبعد أن تحول اهتمام الدول الغربية بشكل أكبر تجاه هذا الملف، وخاصة الولايات المتحدة، ليصبح الملف السوري ثانويا، خاصة أن الغرب عموماً كان يعتمد على روسيا من أجل الضغط على النظام، والآن صارت روسيا جزءً من حرب مباشرة في أوكرانيا.
وتطرق إلى مساعي هيئة التفاوض لتحريك الجمود السياسي الذي يعاني منه الملف السوري، عن طريق العمل مع الدول من خلال المصالح المشتركة والسعي إلى إقناعها بعقد مؤتمر دولي للخروج بمقترحات تساهم في إجبار النظام على تحقيق تقدم بالملفات السياسية والإنسانية وتقديم مقترحات لتخفيف الأزمة عن الناس في كل أنحاء سورية، وخاصة بالنسبة للمهجرين.
أما الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السوري، الدكتور سلامة درويش، فقد أوضح في حديث مع المرصد السوري، أن أسباب تأخر الحل عديدة وأبرزها غياب قيادة سياسية فاعلة تأخذ شرعيتها من الشعب السوري وتقنع العالم بأنها ممثلة للشعب السوري وليس مرتهنة للخارج. ولفت إلى أن أمراء الحرب وفوضى السلاح وتسليح الدول المتدخلة بالشأن السوري لتلك الكيانات وخاصةالمتطرفة مثل “هيئة تحرير الشام” الإرهابية في إدلب و الـ pkk المصنف إرهابيا وحليفها السوري pyd في شمال شرقي الفرات وفصائل ما يسمى” الجيش الوطني” الذي أوجدته ورعته تركيا على أنقاض ما سُمي “الجيش الحر” ، هذه التشكيلات جميعا لا تريد الحل سياسيا، لذلك استثمرتها أمريكا وتركيا وروسيا وإيران في الحرب بالوكالة، مشيرا إلى لعب بعض الأطراف على ورقة اللاجئين والمهجرين في محاولة لاستثمارها سياسيا لصالح الدول الفاعلة في الملف السوري.
وتابع: جاءت جائحة كورونا لتضع القضية السورية في آخر اهتمامات هذه الدول، كما فشل الراعي الثلاثي وكل فريق يريد تثبيت وجوده على الأرض لخلق حالة أمر واقع بقوات مسلحة قوامها سوريون، وتم إفشال أي توافق بين القوى الوطنية والديمقراطية لصنع حالة حقيقية غير إسلامية للحل، لذلك جميع مؤتمرات المعارضة أفشلتها الدول الداعمة لأنها تريد بقاء الوضع على حاله.
وقال إن النظام لا يختلف عن المعارضة، فقد حوّل سورية إلى دولة فاشلة لا تستطيع تأمين سبل العيش للمواطنين تحت سلطته حيث تراكمت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، فضلا عن تدخل إيران عسكريا وسياسيا في الملف السوري بتغطية روسية في مجلس الأمن، واستسلام رئيس النظام لمن يدعمه من روسيا والمليشيات الطائفية الإيرانية.
وأشار درويش إلى عدم رغبة المتنفذين في سلطة الأسد في السعي إلى حل خشية خسارة امتيازاتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية.
وخلص إلى القول: في سورية لم تستفيد المعارضة من الوضع المتأزم الإيراني حيث أدى فشل محادثات مشروعها النووي إلى تراجع دورها قليلا في المنطقة، لكنها لن تستسلم كونها تقاتل بالوكالة عبر المليشيات الطائفية التي تدعمها وتمولها، إلى جانب الوضع الروسي بسبب الحرب في أوكرانيا، بينما استثمرت هذا الوضع تركيا بانفتاحها على العواصم التي كانت لها مشاكل معها من كيان الاحتلال إلى سورية للاستثمار سياسيا أمام الاستحقاقات الانتخابية، أما أمريكا فعجزت عن أن تواجه روسيا في سورية ومن الملاحظ أن طبخة المفاوضات لم تكتمل بعد، خاصة أنها هي من فتحت الباب لروسيا للتدخل عسكريا للحفاظ على بشار الأسد.. والآن الكل في ورطة.. وهنا يجب على جميع القوى السياسية أن تبحث عن مخرج عن طريق توحدها أو تحالفها لتشكل قوى ضاغطة من أجل الحل السياسي بعد فشل الحلول العسكرية وذلك بحسب مخرجات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ذات الصلة وأن ترعاه الأمم المتحدة بعد توافق المتدخلين بالشأن السوري.
بدوره اعتبر رئيس حزب سوريا أولا، سلمان شبيب، في حديث مع المرصد  أنه لا يمكن إطلاق وصف”الثورة” على الأحداث التي بدأت في سورية منذ 12 عاما وتحولت سريعاً نتيجة عوامل متعددة ومتداخلة إلى أزمة وطنية عميقة تعصف بها وتلقي بظلالها الثقيلة على حاضرها ومستقبلها وحتى وجودها نفسه، كما لايمكن الموافقة على سردية النظام السياسي القائم المتكررة بأنها مجرد مؤامرة إقليمية أو دولية وحتى كونية جاءت لتحرف سورية عن مسارها الصحيح بكل المجالات ..تُقرأ بأنها حراك شعبي مبرر ومشروع نتيجة أخطاء وخطايا سياسية واقتصادية واجتماعية تراكمت لعقود، رَفَع بدايةً مطالب منطقية ومشروعة منها التغيير السياسي والإصلاح الاقتصادي.
وأضاف: مع الأسف تم الرد عليه من قبل السلطة بطريقة خاطئة واستخدام الأسلوب الأمني القمعي دون تجاوب جدي وحقيقي معه وسرعان ما تمت مصادرة هذا الحراك من قبل الإسلام السياسي وتحويله الى مسار عنفي تدميري.
وجاء تدخل قوى إقليمية ودولية ليحول سورية إلى ساحة صراع مفتوحة وهذا ماعمق الأزمة وأضاف إليها تعقيدات كبيرة .
واستطرد قائلا: للأسف، الحل السياسي لم يتأخر فحسب بل غاب ولا أفق واضح له حتى اليوم برغم صدور قرار دولي عن مجلس الأمن بالإجماع وافقت عليه كل الأطراف يشكل خارطة طريق معقولة للحل وهو القرار 2254، وبرغم اجتماعات جنيف وتشكيل اللجنة الدستورية وتبدل عدة مبعوثين دوليين فشلت كل هذه المحاولات والجهود وهذا برأينا يعود إلى أسباب متعددة منها عدم جدية النظام وقناعته بضرورة الحل السياسي الذي سيؤدي حتماً إلى تغيير سياسي وشراكة وطنية لايرغبها .
ولفت رئيس حزب سوريا أولا، إلى تشتت المعارضة وتبعيتها وخضوعها لمرجعيات إقليمية ودولية مختلفة مع غياب التفاهمات الإقليمية والدولية التي يفترض أن ترعى الحل السياسي وتدفع إليه .
وتطرق إلى تناقضات المصالح بين الدول الفاعلة والمؤثرة بالملف السوري كروسيا وأمريكا وإيران وتركيا فضلا عن غياب أو شبه غياب للدور العربي نتيجة مقاطعة سورية من قبل النظام الرسمي العربي.
ويرى محدثنا أن هناك أسبابا إضافية أخرى منها التصعيد الاقليمي وأجواء الصراعات والصدام التي في المنطقة، والحرب العالمية التي تدور على الأرض الأوكرانية بأبعادها المتشعبة ودخولها في منعطفات بالغة الخطورة، ما أدى إلى تراجع الإهتمام الدولي بالأزمة السورية وغيرها من الملفات الإقليمية.
وأفاد بأن القرارات الأممية تحتاج عادة لصدورها وتطبيقها، إلى تفاهمات بين الدول الفاعلة وخاصة تلك التي تملك حق النقض في مجلس الأمن، وفي غياب هذه التفاهمات تصبح مجرد أوراق لا قيمة لها تركن في أدراج الأمم المتحدة وهذا هو حال القرارات الأممية التي صدرت بخصوص سورية على الأقل حتى اليوم وأهمها القرار 2354.. نحن لانستطيع القول إنها ماتت لكنها مجمدة في ثلاجة الصراعات الدولية وخاصة بين روسيا وأمريكا، والايجابية الوحيدة بالمشهد أن كل الأطراف الفاعلة تؤكد تمسكها بها وعلى مرجعيتها لكل مشاريع الحلول التي تطرحها برغم محاولات البعض تمييعها وإيجاد مسارات جديدة بعيدة عنها.
وتحدث عن التطورات التي تجعل من شبه المستحيل تطبيق هذه القرارات بصيغها الأساسية ولابد من إضافة بعض التعديلات التي تتناسب مع هذه المستجدات، وبالنتيجة مهم جداً لنا كسوريين التمسك بهذه القرارات والتأكيد عليها لأننا ببساطة لانملك حتى الآن غيرها.
كما ننظر بإيجابية ونأمل خيراً بالتحركات العربية الأخيرة ومايتم تسريبه عن مشروع حل عربي يحظى بحد من التوافقات الإقليمية والدولية يوفر على الأقل فرصة للسوريين لإعادة صياغة مشروعهم الوطني الجديد وينقذ سوريا من الهاوية التي تتخبط فيها وتشكل خطراً وجوديا عليها وعلى الأمن القومي العربي وأمن المنطقة، لكن يبقى الأساس الصحيح هو قناعة السوريين وجديتهم بضرورة الحل السياسي وأنه المنقذ الوحيد لهم ولبلدهم ،وأن لغة الحوار والتفاهم هي الوحيدة التي توصل إلى الشراكة الوطنية والتغيير السياسي الذي يلبي مصالح وتطلعات الشعب السوري ويضمن مستقبل سورية ووحدتها وسيادتها ودورها ومكانتها.