سياسيون ومعارضون يتحدثون للمرصد السوري عن الإرهاب الفكري والإرهاب المسلح في سورية.

27

من الإرهاب المسلح والقتل لكل من يقول لا للظلم والاستبداد والاحتلال إلى الإرهاب الفكري وتكميم الأفواه.
لا يزال الشعب السوري في مختلف المناطق يعاني من هذه الممارسات وقد تشعبت في الآونة الأخيرة عمليات التخويف ولجم الأصوات بشكل ينذر بالمزيد من المخاطر ويزيد من تعقيد المشهد في سورية حيث أصبحت الملاحقات للمدونين سمة مقلقة في المجتمع.
إلي متى يتواصل هذا الإرهاب الفكري في وقت يعاني فيه السوري الأمرين؟
يشدّد مراقبون على أنّ الكلمة الجريئة التي تساهم في إنقاذ الوطن هي ما يحتاجه الشعب السوري الآن ليتجنب المزلات ويتلمس طريقه نحو الحرية، إذ طالما كان الاهتمام مركزا فقط على معالجة أعراض هذه الممارسات بعيدا عن المواجهة الفعلية لها، بينما لا يمكن علاج المشكلة أو اقتلاعها من جذورها إلا بتجسيد رؤية مشتركة وتنازل من جميع الأطراف لوضع أسس الاستقرار بعيدا عن منطق الانقسام والإقصاء.
ويرى محسن حزام، القيادي بالحزب الاشتراكي العربي الديمقراطي، والقيادي بهيئة التنسيق، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ الإرهاب أخذ أشكالا متعددة في الآونة الأخيرة، حيث بات سلاحا تستخدمه القوى المتنفّذة عالميا في تسييس هذه المقولة واستخدامها في سياسات الإملاء لتنفيذ مشاريعها في المنطقة وعلى مستوى العالم.
ولفت حزام إلى أن الإرهاب الممنهج والمعمم أصبح أداة نظم الاستبداد والفساد في تكميم الأفواه ومحاربة أي رأي حر معارض للسياسات التي تهدف إلى المحافظة على ديمومة هذه النظم في كرسي الحكم دون أي منافس ” بالمعنى السياسي ” لأنه لا يوجد في منطقتنا العربية ما يسمى منافسة حرة وشريفة في إدارة البلاد لأنها تفتقد أصلا لناظم الحكم الرشيد المبني على ثقافة حقوق الإنسان في دولة مدنية ديمقراطية تحقق مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
وشدّد على أن الإرهاب استخدم أيضا في محاربة الإسلام على خلفية ما يسمى الإسلام السياسي المتطرف الذي تم استجلابه من أفغانستان وسجون “أبو غريب” بمسمى “داعش والنصرة” وتم تصديره إلى المنطقة في مشروع حروب الوكالة في زرع الفتن الأهلية والطائفية والقومية بهدف تقسيم المقسم عبر إدارات الأمر الواقع المدعومة أمريكيا.
وأوضح أن “الإرهاب الفكري هو أحد الأشكال الأكثر ممارسة في نظم الاستبداد من خلال الجيش الالكتروني الذي يراقب معظم وسائل التواصل بهدف تكميم الأفواه ومحاربة النشطاء والمدونين وملاحقتهم قضائيا على قانون الإرهاب”.
وبخصوص سؤال المرصد بشأن كيفية مواجهة هذه الأشكال المتعددة للإرهاب التي تستهدف الإنسان والعمران، أكّد أن “المواجهة ضرورة وطنية ملحة من خلال برنامج يعتمد كل الأشكال المدنية والسياسية التي تستند إلى القانون الدولي والشريعة الإنسانية التي تجرم هذه الممارسات وإحالتها إلى محكمة الجنايات الدولية، وهذا يحتاج إلى حراك مدني على مستوى كافة المؤسسات مدعوما من قبل حاضنة اجتماعية مؤهلة ولها شبكة علاقات دولية مع منظمات حقوقية تهتم بالانتهاكات التي تمارس بحق الأفراد والجماعات.بغية محاصرة النظام من أجل تغييره”.
وتعلّق السياسية المعارضة راغدة الحريري بالقول: “كفانا سكوتا وكمّا للأفواه.. هذا لسان حال كل من يعيش في سورية .. الغريب أن هذا كان معروفا في مناطق سيطرة الأسد ولكنه بات أيضا في المناطق “المحررة” في الشمال وكلمة المحررة بين قوسين .. إننا نسمع من بعض الإخوة في إدلب أنهم يعانون من كبت الحريات أيضا ، أعرف هذا من الناشطين الذين غادروا إلى الغرب بعد عدة محاولات للاغتيال.. النظام وعصابته من جهة والفصائل المخترقة المتطرفة التي تحاكي النظام في تصرفاته من جهة أخرى ، والشعب بين رحى الطاحون يُطحن كما القمح” .
وتساءلت: “هل يعقل بعد عشر سنوات ونصف ، أن يزداد قمع النظام وتهجيره للمواطنين من جهة، وأن يمارَس قمع من نوع آخر من قبل رهنوا أنفسهم لمن هو خارج سورية حتى لو اعتبر نفسه صديقا؟.. للأسف حتى من يعيشون في الغرب يخشون على أهلهم في الداخل فيمارسون كم الأفواه لأنفسهم طوعيا” .
وتابعت: “إلى متى سيبقى هذا حال السوريين الأحرار الذين لايسمع صوتَهم أحد حتى في الغرب المتقدم؟.. متى يدرك السوري أن طريقه إلى الحرية هي كلمة الحق التي يقولها بجرأة ، حتى لو تكالب علينا معظم العالم وساندوا كل القوى اللاّديمقراطية عدوة الحرية؟”.
ودعت الناشطين الذين تصفهم بالأحرار إلى”مواصلة النضال من أجل إعلاء الكلمة الحرّة”، مردفة: ” لكم الله ولسانكم الحر الذي يكشف الغطاء الفاسد عن أعداء الحياة”.
وللتصديّ لممارسات التخويف والإرهاب الفكري، ترى الحريري ان ذلك يكمن”عبر الوصول إلى أصحاب القرار لشرح عدالة القضية السورية ، وطبعا هذا لايكفي بل يجب أن يعلموا بطريقة ما أن لهم مصلحة مع الأشخاص الأحرار لقيام العدل والديمقراطية، وليست مصلحتهم مع الديكتاتوريين أو المتطرفين حتى لو قدموا لهم منافع آنية”.
من جانبها تعلّق فدوى الخير، عضو هيئة التنسيق الوطنية في سورية ومناضلة سياسية يسارية، وهي زوجة المعتقل منذ 2012 عبد العزيز الخير، في تصريح للمرصد،قائلة:”إن قمع الأصوات الحرّة المعارضة للنظام منذ عهد حافظ الأسد والنفي والتهجير والاعتقال، هو أسلوب منظومة كاملة مستمرة منذ عقود”.
وأوضحت أن”المنظومة السورية منذ السبعينات تسعى إلى إسكات الأصوات الحرّة المطالبة بالتعددية وبنظام ديمقراطي وعدالة اجتماعية”، مشيرة إلى أن ” عائلتها وزوجها المعتقل عبد العزيز بالخير عانوا من الاستبداد وكمّ الأفواه وهم ضحايا التعبير والرفض لنظام الرأي الواحد”.
وختمت بالقول: ” نعاني من النظام المستبدّ بسورية ولا زالت الاعتقالات والقتل لأصحاب الكلمة الحرّة مستمرة”، مشيرة إلى “اعتقال الرفاق خلال الفترة الأخيرة نتيجة مواقفهم المناهضة لما يقوم به النظام وزبانيته”.
ويقول وزير الإعلام الأسبق حبيب حداد، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان: “فعلًا إن ما يحتاجه الشعب السوري اليوم هو الموقف الجريء الواعي الذي يشخص الأسباب والعوامل الأساسية التي قادت الى الكارثة والمحنة المصيرية التي يعيشها الآن”.
ويضيف: ” صحيح أن نظام الإرهاب والفساد والاستبداد هو الذي قاد المجتمع السوري إلى هذا الواقع المأزوم غير أن المعارضات السورية بصورة عامة وخاصة معظم معارضات الخارج لم تجسد في مواقفها وممارساتها دور الأداة المؤهلة لقيادة عملية التغيير وبناء دولة ديمقراطية حديثة ، فهي لم تكن عاملا في طريق الحل والإنقاذ وإنما كانت نتيجة من نتائج هذه الأزمة . لذا فإن نقطة البداية في استعادة ثقة الشعب السوري بنفسه من جهةٍ وبأبنائه المكافحين من أجل الحرية من سياسيين وإعلاميين ومدونين من جهة أخرى ، هو وجود نخبة واعية صادقة ومخلصة تعمل على حشد كل طاقات الشعب السوري في إطار الجبهة الوطنية العريضة أو الكتلة التاريخية في مسار بناء المستقبل المنشود”.
وتعاني سورية من الإرهاب المسلح والإرهاب الفكري، وهما سببان دفعا إلى تشعب الأزمة السياسية والأمنية وتغذية التدخلات الأجنبية التي ساهمت في دمار البلد وتقسيمها وتشتيت المجتمع الذي طالما كان متعايشا متسامحا عقودا من الزمن.