“شارلي ايبدو” وسياسة “احتواء” سورية

39

 ليس من باب الصدفة أن تؤكد السلطات التركية أن المشتبه بها الرابعة في اعتداءات باريس، حياة بومدين، دخلت الأراضي السورية عبر الحدود التركية في اليوم التالي بعد مجزرة صحيفة “شارلي ايبدو”.

فسورية التي حاول أيضا شريف كواتشي دخولها في 2005 وفشل، هي اليوم الساحة الأشرح لمتطوعي “القاعدة” وأخواتها، في شكل يطرح علامات استفهام كبيرة حول مدى صواب استراتيجية باراك أوباما “الاحتوائية” للنزاع هناك.

حياة بومدين، زوجة احمدي كوليبالي المتورط في الاعتداء، والذي قضى برصاص الشرطة الفرنسية الجمعة الماضي، عبرت الى سورية قبل أن تجف دماء الضحايا في صحيفة “شارلي ايبدو” وأحمد مرابط، الشرطي الذي أعدمه مرتكبا الهجوم عند مدخل الجريدة.

دخولها بهذا الشكل المفضوح وتمضيتها أياما عدة في تركيا يحرج السلطات الأوروبية التي عجزت عن القبض عليها وهي تعبر من  فرنسا الى اسبانيا فتركيا، ويضاعف أزمة السلطات التركية المتهمة من أوروبا والولايات المتحدة بغض النظر عبور “الجهاديين” الى الأراضي السورية، وأحيانا تسهيله. أما الحكومة السورية التي فقدت السيطرة على الحدود الشمالية والشرقية، فليس هناك تعويل كبير عليها من الغرب في امتلاك القدرة أو حتى النية أو الوسائل لضبط تسلل المتطرفين.

بومدين لن تشعر بالوحدة داخل سورية، لا بل ستكون بين “اخوة وأخوات” فرنسيين التحقوا بـ “النصرة” و “داعش” هناك،  ويصل عددهم بحسب شبكة “سي أن أن” الى أكثر من 700 مقاتل. من بين هؤلاء ديفيد دروجان، صانع المتفجرات في “جماعة خراسان” التابعة  لـ “القاعدة” والملتحقة بـ “النصرة”. وكانت الضربات الجوية للتحالف استهدفت دروجان في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت من دون أن تقتله، مع تأكيد الاستخبارات الأميركية أنه نجا من الاعتداء. وقبل دروجان وبومدين كان هناك الفرنسي أيضا مهدي نموش، الذي تلقى تدريباً على مدى عام في سورية، قبل العودة وتنفيذ اعتداء أمام المتحف اليهودي في بروكسيل أودى بحياة شخصين.

وصول بومدين الى سورية يؤكد تحول الساحة السورية الى نقطة التلاقي الجديدة للتنظيمات الارهابية بعد أفغانستان واليمن. اذ يوجد على الأراضي السورية اليوم أكثر من 15 ألف مقاتل أجنبي، وليس هناك من مؤشر الى ان الضربات الجوية شلت حركتهم. لا بل ان العكس قد يكون صحيحا في استراتيجية “العراق أولا” التي ينتهجها أوباما، والتي أدت الى انتقال الكثيرين من مقاتلي “داعش” من الأراضي العراقية الى سورية، كونها الملاذ الأكثر أمنا لهم. ويأتي توسع “جبهة النصرة” في الشمال السوري ليعزز هذه الفرضية، وليعطي “القاعدة” مجالا أكبر للتحرك والتنسيق هناك.

هذه الوقائع تضع مسمارا جديدا في نعش استراتيجية احتواء سورية. فما يجري في ادلب ودير الزور وغيرها، تصل أصداؤه الى قلب بروكسيل وباريس، وتدق ناقوس الخطر على أعلى مستوياته منذ اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001.  فـ “القاعدة” عادت من الباب العريض الى تهديد العواصم الغربية، وفي عملية باريس تشابكت الخيوط بين اليمن وسورية ووجوه مثل أنور العولقي وأبو حمزة المصري، “معلمي” الأخوين كواشي.

 

جويس كرم

المصدر : جريدة الحياة