شلال الدم السوري والأجنبي

22

233448281151

من المحزن أن نسمع من إخوة نحبهم ونقدرهم وهم منّا ونحن منهم، خصوصاً بعض الأطراف من مصر العزيزة على كل عربي وكل مسلم، ما مقتضاه أنه مهما زادت شلالات تدفق الدماء السورية، فلا ينبغي الاستعانة بأي جهة غير عربية لمد حبل النجاة إلى شعب يغرق في دمائه. وهو ما سمعناه نفسه بعد احتلال طاغية العراق، الهالك صدام حسين، لدولة الكويت.

إن دوافع مثل هذه الأقوال حينذاك وحالياً ربما كانت نبيلة، ولكنها تبقى خاطئة.

هل كان للإخوة في البوسنة والهرسك أي وسيلة أخرى غير الاستعانة بالأجنبي الأوروبي والأميركي لإنقاذهم من مذابح الصرب؟

وهل النظام السوري لم يستعن بالأجانب لمحاربة شعبه الذي كان يجب أن يكون مؤتمناً على حماية دمائه وعرضه لا استباحته وترويعه؟

استعان النظام السوري بالروس، وسمح لهم بإقامة القواعد البحرية على أرضه. وفي مرحلة لاحقة استغاث بـ «حرس الثورة» الإيراني وممثله في لبنان وغير لبنان من ميليشيات «حزب الله».

إن الشعب السوري حالياً يجاهد ضد قوى دولية وليس ضد نظامه المستبد فقط.

وعندما عجز النظام وحلفاؤه الأجانب عن حماية حدوده، وسادت المآسي وانعدم الأمن، توافد إلى سورية آلاف التكفيريين. وضاعف النظام عددهم بإطلاق سراح التكفيريين الذين كان يحتفظ بهم في سجونه لتوظيفهم بما يخدم مصالحه في المستقبل.

ثم وظّف وجود التكفيريين إعلامياً، بزعمه أنه لا يحارب إلا الإرهابيين وعملاء إسرائيل، وهو كاذب، ويعرف أنه كاذب. فهو يعرف قبل غيره أن وجود الفئات التكفيرية يضر الشعب السوري أكثر مما يضر النظام. فمن الواضح أن النظام استفاد من وجود الفئات التكفيرية إعلامياً برفع قميص الإرهاب لإخافة العالم.

فجميع المنتمين إلى «القاعدة» وأمثالها الموجودين في سورية حالياً لا يتجاوز عددهم الذي جاء إلى البوسنة من الأقطار كافة، وحتماً لا يصل إلى أكثر من الأعداد الغفيرة، التي كان النظام السوري بالأمس يمهد لهم كل السبل لجلبهم من كهوفهم وأوطانهم، ويُسهّل على قادتهم إقامة مخيمات التدريب للأحداث منهم، ثم يذلل لهم كل الصعاب للذهاب إلى العراق ليكونوا عوناً لـ «أبي مصعب الزرقاوي»، هذا نظام مستبد فاجر. بالأمس يحتضن أفاعي الإرهاب، واليوم يزعم كذباً أنهم هم الذين ثاروا ضده وقاتلوه، وينذر العالم بأن سقوط نظامه يعني أن الإرهاب هو الذي سيحكم سورية.

لن يصدق ذو عقل وتجربة أن الإرهابيين الذين بدأت أعدادهم بالتناقص سيحكمون سورية بعد أن يركد (الرمي) كما نقول أو يهدأ الغبار كما يقول الآخرون، إن هذا منطق أعوج.

فالمحايدون الأجانب الذين غامروا بحياتهم ورافقوا كتائب المقاومة يؤكدون أن أهم وأكفأ المحاربين للدفاع عن الشعب السوري هم منسوبو «الجيش الحر». بل إن نفراً منهم ذكروا أنهم رأوا كتائب «الجيش الحر» تدافع عن القرى ذات الغالبية العلوية أو غيرها من الأقليات من اعتداءات الإرهابيين.

ولا يشكّك من يعرف الواقع السوري، دع عنك تراثه الحضاري ومكونات شعبه بأن مجددي فكر الخوارج القدماء سيتمكنون من حكم سورية. إن التخويف من «بعبع الإرهاب» ما هو إلا زعم كاذب اختلقه نظام الأسد وحلفاؤه لإخافة الغربيين لمن اختاروا التخاذل عن نصرة الشعب السوري.

هل حكمت «القاعدة» البوسنة بعد تحريرها؟

لقد استخدم النظام السوري الأسلحة الكيماوية عشر مرات في أماكن عدة، وكان عاشرها وأكثرها فظاعة المرة الأخيرة في غوطة دمشق ضد مقاتلي «الجيش السوري الحر»، ولم تكن ضد العناصر التكفيرية، لأن قوات «الجيش الحر» كادت أن تستولي على دمشق وتسقط النظام الحاكم، ولو كان النظام لا يحارب إلا الإرهابيين كما تفتري وسائل إعلامهِ وإعلام حلفائه لوجّه الأسلحة الكيماوية إلى التكفيريين لا إلى عناصر «الجيش السوري الحر» الذين لا أجندة لهم غير تحرير سورية من نظام مستبد مجرم.

إن الوضع في سورية كارثة إنسانية حقيقية ألحقت العار بالقوى الدولية القادرة التي خذلت الشعب السوري، إما بإمداد جزاره بأحدث الأسلحة، أو بالتردد في إمداد «جيشه الحر» بالسلاح المطلوب. فوضع حد لإيقاف شلالات الدماء في سورية أمر لا يحتمل التأجيل.

وحتى لو لم يستعن النظام السوري بالروس والإيرانيين وحلفائهم العرب، فإن من غير المعقول ترك الشعب السوري يواجه مصيره على يد ذباحه.

الحياة