شيء من أوهامنا السورية

69
يُستبعد أن تنتهي قريباً الاحتفالات المبكرة بوهم أن روسيا قرّرت إطاحة بشار الأسد. فقط حين تنجز عصابة آل الأسد تصفية نفوذ الطرف الآخر من المافيا، آل مخلوف، ممثلين برامي، ربما يعي معارضون سوريون كثيرون أنهم لم يحلّوا أزماتهم المستعصية عبر الذهاب بعيداً في تبنّي مقولات عن اتفاق أميركي روسي أنجز حول سورية، وقد بدأ التنفيذ بالفعل، لتضحّي موسكو بالأسد وتنضم إلى أميركا لطرد إيران من سورية، وذلك في مقابل فتح صنبور التمويل الغربي الضروري، لا لإعادة إعمار البلد المدمّر، بل لإعطاء معنى سياسي للحسم العسكري الذي فرضته روسيا لمصلحتها في الحرب السورية. وما هو دليل معارضينا على هذه القناعة الحتمية؟ مقالات وتعليقات وردت في صحف روسية أو مراكز تفكير وأبحاث، تنتقد الأسد وفساده. 
يخلط مريدو هذه الحتمية المتخيلة بين ما لا يمكن وضعه في إناء واحد: أن تكون موسكو موافقة على صدور انتقادات إعلامية وسياسية بحق الأسد للضغط عليه فيستعجل توفير مليارات الدولارات التي يحتاجها الاقتصاد الروسي في أسرع وقت، هذا شيء، وأن يعني هذا السماح أن موسكو تهيئ الأرضية للتضحية برئيس لم تكن تحلم بأن تجد مثله تابعاً ذليلاً إلى هذه الدرجة، فذاك أمر آخر تماماً. ومَن ينسى الموجات الموسمية التي تجتاح الإعلام الإيراني، لا في انتقاد بشار الأسد فحسب، بل في شتمه حرفياً؟ هل هذا عنى أو يعني أن طهران ومرشدها قررا التضحية برجلهما في الشام؟
قلّما أصابت تحليلات واستشرافات المعارضين السوريين وصحبهم منذ 2011. لا أصابوا في تحديد مواعيد لسقوط بشار الأسد، ولا وُفِّقوا في ثقتهم العمياء بحتمية حصول تدخل عسكري أجنبي ينقذهم من الجيوش العالمية التي تقتلهم، وطبعاً سقطوا في تمنيات إقامة منطقة آمنة تركية منذ مطلع 2012 تكون منطلقاً لتحرير البلد من العصابة وحكمها. واليوم، نتيجة البطالة السياسية المفروضة على ما بقي من هيئات سياسية معارضة، من حكومة مؤقتة وائتلاف وأحزاب موجودة بالاسم وأشلاء مجلس وطني، تجد هؤلاء يستسلمون للرغبات، فتستحيل عندهم وقائع ومعلومات، وهم يشاهدون اقتتال الأسد ــ مخلوف، فينسون سابقة رفعت الأسد، ويغفلون عن تركيبة النظام التي يدركونها جيداً، ويتغاضون عن حقيقة أن لدى العصابة الحاكمة قدرات ذاتية واجتماعية وطائفية ومسلحة، ولديها طبقة اجتماعية عريضة فعلت وهي مستعدة لفعل كل ما يتصوره عقل من أجل إبقاء مؤسسات حكم يعتاش منها كثيرون. أما الانطلاق من مبتدأ التنافس الروسي ــ الإيراني على الهيكل السوري العاري، وهو أمر صحيح، للوصول إلى خبر إطاحة الأسد كنتيجة منطقية لهذا التنافس، فهو إيغال في الوهم، ذلك أن كلاً من روسيا وإيران يدركان إلى درجة اليقين أن ديناميات النظام السوري لا تسمح بخروج بطة سوداء من داخل صفوفه تحل محل رئيس النظام ــ الجيش ــ الطائفة ــ الكارتل المالي.
والحال أن الأسد العاجز عن الحكم، سيُطاح به، من الداخل أو بموجب تفاهمات أجنبية، لكن الأوان لم يحن بعد. ولا عيب في أن يراقب المعارضون نبض تعامل الخارج مع الشأن السوري، لكن المصيبة الواقعة هي أن كل ما لدى معظم المعارضين، هو انتظار أمر ما يحصل في هذا الخارج، فيعفون أنفسهم من مهمة بناء قاعدة اجتماعية تثق بهم وتفتح احتمال أن يصبح ممكناً الحديث عن معارضة سورية حقيقية.
القسوة في نقد سلوك المعارضين السوريين، من منطلق الاقتناع بعظمة الثورة السورية وضرورة إسقاط أحد أسوأ الأنظمة التي عرفتها البشرية، هو شرط لأي مشروع يبغي تصويب المسار. تصويب أول ما يفرضه على أصحابه، حسن القراءة السياسية والتمييز بين الرغبات والينبغيات من جهة، والوقائع وموازين القوى من جهة ثانية. الوقائع وموازين القوى تفيد بأن بشار الأسد لا يزال جاثماً على صدور السوريين، وإن كان عاجزاً عن الحكم لا اليوم ولا غداً ولا بعد مائة سنة. لكن الوقائع نفسها تؤكد أن عجز السوريين عن إنتاج ملامح بديل حقيقي للنظام الدموي، لا يفعل سوى تأخير إطاحة الأسد وبقية العصابة.

 

 

 

 

 

الكاتب:أرنست خوري – المصدر:العربي الجديد