صحافة : إيكونوميست: الحرب السورية لن تنتهي بنهاية سعيدة والدكتاتور بات مفلسا ومعزولا وسجينا !!

17

نشرت مجلة “إيكونوميست” محورا خاصا عن الحرب الأهلية السورية، حيث خصصت صفحة الغلاف لها ووضعت صورة الأسد على حطام سوريا، تحت عنوان “انتصار الأسد الفارغ”.
وجاء في تقريرها: “بعد ثمانية أعوام من الحرب الوحشية لا تزال الصور، فقرب قرية حاس جثة طفل مقطوع الرأس بين أنقاض بيت تعرض للقصف. وفي بلدة أريحا، بنت صغيرة معلقة في بناية من عدة طوابق فوق حطام بناية أخرى، فيما ينظر والدها برعب. وهناك دخان وغبار ودم وحديد معوج واسمنت مهشم والنظرات الخالية من التعبير للناس الذين كان عليهم تحمل العنف على مدى عقد تقريبا”. وتعلق المجلة أن المشاهد هذه هي بداية حملة مستعصية على إدلب في شمال غرب سوريا، والتي تحتوي على قرى وبلدات عدة. والمدينة التي سميت المحافظة باسمها، وتقع بين مدينة حلب ومحافظة اللاذقية على الساحل، وبالضرورة هي آخر معقل في يد المعارضين لنظام بشار الأسد.
وطوال الصيف تعرضت المحافظة لقصف الطيران الروسي والسوري الذي استهدف المستشفيات والمدارس والبيوت والمدارس والمخابز. وحاولت الأمم المتحدة حماية العيادات الطبية من خلال مشاركة مواقعها مع الطيران الروسي، إلا أن الأطباء توقفوا عن ذلك بعدما اكتشفوا أن قوائمهم لا فائدة منها ولا تمنع القصف.
وعلى الأرض سيطر الجيش التابع لنظام بشار الأسد على بلدة خان شيخون التي كانت مركز هجمات بالغاز الكيماوي عام 2017 وهي أكبر البلدات في جنوب المحافظة، ولهذا ستكون قاعدة تقدم للجيش كي يتحرك إلى الشمال ويخوض معركة مع ما تبقى من المعارضة.
وتضيف المجلة أن محاولات يائسة تمت لوقف الهجوم، حيث أعلن الروس وقفا مؤقتا لإطلاق النار “لن يدوم” لأن “الرئيس السوري بشار الأسد، المنتقم دائما، تعهد باستعادة كل قطعة من الأرض سيطرت عليها المعارضة. ولا يستطيع معارضو الديكتاتور السوري عمل شيء لمقاومته، في الوقت الذي لا يقوم حلفاؤه بمنعه أو لا يريدون ضبطه”.
وترى المجلة أن نهاية إدلب “ستكون علامة على نهاية الحرب أو على الاقل القتال ولكنها لن تنهي الضرر. وتهدد بموجة خروج جديدة من اللاجئين إلى تركيا حيث تجمع مئات آلاف النازحين السوريين الجدد على الحدود أو أبعد. وسيجد الأسد نفسه يسيطر على بلد لا سكان فيه ومدمرا، يحكمه عبر الخوف، وأسيرا لحلفاء يتنافسون فيما بينهم على تقاسم الغنائم. وستظل سوريا تعاني وغير مستقرة لسنوات قادمة إن لم تكن عقودا”.
وتضيف أن معركة إدلب طالما تحدث عنها أو رغب بشنها الأسد، إلا أنه وحتى هذا الصيف لم يكن في موقع لشنها، فجيشه قد نضب من جنوده بسبب حرب الثماني سنوات. ولم تكن إيران راغبة بالمشاركة في المعركة هذه، لأنها رأت في إدلب هامشا لمصالحها وغير مهمة. وأكثر من هذا فقد كان الأسد مقيدا باتفاق وقعته روسيا وتركيا عام 2018، أو ما عرف باتفاق سوتشي والذي اشترط قيام تركيا بمراقبة منطقة عازلة من 25 كيلو مترا، لا يسمح أيضا لهيئة تحرير الشام بالاحتفاظ فيها بمقاتلين أو أسلحة ثقيلة.
إلا أن الرئيس السوري العنيد لم يقبل أبدا فكرة بقاء منطقة بيد المعارضة على طرف حكمه. فيما بالغت تركيا في قدرتها بالسيطرة على جماعات المعارضة مثل هيئة تحرير الشام. وخرقت المعارضة والنظام الاتفاق وتبادلوا القذائف. ولم يكن أحد لديه فكرة عن كيفية تحويل اتفاق إطلاق مؤقت لدائم. ولهذا لم يكن اتفاق سوتشي إلا لعبة شراء وقت.
وفي هذا الصيف، بدا النظام جاهزا ولم يعد الاتفاق ضروريا، خاصة بعدما وضع الإيرانيون والروس ثقلهم خلف الأسد. ولم تعد 12 نقطة مراقبة كان الجيش التركي يستخدمها لمراقبة وقف إطلاق النار مهمة. وتمت محاصرة نقطة مورك جنوب خان شيخون.
ومع أن الجنود الأتراك لم يتعرضوا لأذى، إلا أن النقاط الأخرى تعرضت لغارات جوية فيما ضُربت قافلة عسكرية تركية. وحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنقاذ سوتشي، وسافر إلى روسيا في 27 آب/ أغسطس، لحث نظيره فلاديمير بوتين على ضبط الأسد. إلا أنه عاد خالي الوفاض، مع أن بوتين تناول معه أيسكريم أمام الصحافيين.
وترى المجلة أنه طالما لم تبد تركيا رغبة في احتلال إدلب كما فعلت في أجزاء من حلب عام 2016 فلن تستطيع وقف هجوم النظام عليها. وتتحدث روسيا عن إنشاء منطقة عازلة جديدة على الحدود، كما أن 3 ملايين شخص في إدلب يمكن حشرهم في مساحة لا تزيد عن عدة كيلومترات. وهرب منهم حتى الآن أكثر من 400.000 شخص، حيث خيّم الناس في أي مكان وجدوه وتحت أشجار الزيتون. وسيهرب المدنيون والمقاتلون إلى الخارج في حالة تقدم النظام، وسيكون هذا الهروب هو المنفى الثاني.
وزاد عدد سكان إدلب خلال السنوات الماضية بعد اتفاقيات “المصالحة” بين النظام والمعارضة، والتي سمحت لمن رغب بالخروج إلى مناطق أخرى تحت سيطرة المعارضة مثل إدلب.
ومن بين 21 مليون نسمة قبل الحرب، فر ونزح النصف منهم إما في داخل وطنهم أو إلى الخارج. وقد يكون هذا الأمر عرضا جانبيا للحرب إلا أنه نتيجة لسياسة النظام بالتخلص من المعارضة داخل مناطقه. ولم يعد للكثيرين منهم بيوت يعودون إليها، واستخدم النظام القوانين الجديدة للسيطرة على البيوت وحيازتها.
فمشروع مثل “ماروتا سيتي” في الناحية الغربية من دمشق يهدف لبناء مجمع سكني جديد على أنقاض البيوت المهدمة والذي سيتم إسكان الموالين للنظام فيه. وفي مناطق أخرى لا يستطيع النظام إعادة إعمار شيء، فالدخل القومي العام هو ثلث ما كان عليه قبل الحرب. وتبدو فنزويلا بلدا مزدهرا بالمقارنة مع سوريا. وانخفضت قيمة الليرة السورية أمام الدولار لأدنى مستوياتها، ولم يعد هناك صناعة مثل النسيج والمواد الاستهلاكية. وكل صادرات سوريا هي من الحبوب والمكسرات والتفاح، ويعاني السكان من نقص الخدمات الأساسية وانقطاع مستمر للتيار الكهربائي.
ومع قرب نهاية الحرب بدأت الحكومات الغربية مناقشة إمكانية الاستثمار في عملية إعادة الإعمار. ومن المحتمل أن لا تساعد أمريكا التي لا يحب رئيسها إنفاق أموال في الخارج، فيما يجد نواب الحزبين في الكونغرس فكرة مساعدة الأسد، بغيضة.
أما الاتحاد الأوروبي، فيشترط الاستثمار بعملية إصلاح سياسي. ولا يوافق كل أعضاء الاتحاد على هذه الفكرة، وتحاول بعض الدول الأوروبية تبرير التحرك سريعا بمواقف إنسانية ويقولون: “هل تمنح أحدا زجاجة ماء أو تبني أنبوب مياه؟”، فيما يقول آخرون أن الاستثمار قد يقنع الأسد على المشاركة في السلطة.
ويقول مسؤول في السياسة الخارجية في بروكسل: “هناك فرصة حقيقية للحصول على نفوذ حول نتيجته” مع أنه تعلل بالأماني كما تقول المجلة. وهناك من يقدم حلولا صادقة إن لم تكن لخدمة الذات ويقولون إن إعمار البلاد ستشجع اللاجئين على العودة خاصة من أوروبا التي يعيش فيها السوريون حياة أفضل من حياة مواطنيهم في لبنان والأردن.
ولكن الأمر لا يتعلق بالمطالب المادية، فبحسب دراسة مسحية أجرتها الأمم المتحدة في شباط الماضي، بين المقيمين في مخيم الركبان على الحدود السورية- الأردنية، أظهرت أن 80% منهم يريدون العودة إلى بلداتهم وقراهم المحطمة إلا أنهم خائفون. وقالوا إنهم لن يجدوا بيوتهم أو قد يعتقلهم النظام أو يرسلهم إلى الجيش.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان فقد اعتقل 2.000 شخص من العائدين خلال العامين الماضيين. فيما قالت منظمة أخرى إن نسبة 75% من العائدين تعرضوا للتحقيق أو الاعتقال أو أرسلوا إلى الجيش.
وربما بحثت سوريا عن دول أخرى مثل الصين التي لا تهتم بحقوق الإنسان، إلا أن الوضع السوري لا يحفزها على تحقيق الارباح من وسط الحطام. وبالنسبة لحليفتي النظام روسيا وإيران فهما تعانيان من آثار العقوبات الأمريكية والأوروبية ولا تستطيعان الدخول في مناقصات إعمار تقدر قيمتها بـ250- 400 مليار دولار أمريكي.
وهناك مشكلة للمساهمة في الإعمار نابعة من تحلل السلطة المركزية في البلاد، وظهور إقطاعيات اقتصادية تعاونت مع روسيا وإيران. ففي غياب الحكومة التي كانت تتحكم في كل شيء من الصحة إلى الخبز، ظهر رجال أعمال ومحتالون يملأون الفراغ ويتربحون من الوضع. وكلهم يقسمون الولاء للأسد، إلا أن لدى كل واحد منهم مصلحته.
وهناك مخاوف من ظهور الميليشيات على سلطة الأسد، لدرجة حاول وزير الدفاع الحد من قوات النمر التي يقودها سهيل الحسين المقرب من روسيا. ولدى هذه القوات سجل في الوحشية وارتكبت مجازر ضد المدنيين. وتم دمج القوات في الجيش، ولا يعرف إن كان هذا تغيير حقيقي أم تجميلي.
وأشارت المجلة إلى رامي مخلوف، رجل الأعمال وابن خال الأسد، الذي يدير أكبر شركة اتصالات في سوريا “سيرياتل” ويدير عددا من الشركات الأخرى. ويعد من داعمي قوات النمر.

المصدر: ديار النقب