عامان على سيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها على مدينة رأس العين (سري كانيه).. معاناة ومأساة مستمرّة وصمت دولي مخجل*

108

صادف التاسع من أكتوبر الذكرى الثانية  لاحتلال سري كانيه\ رأس العين\ قطف الزهور\ رش عينو – تلك التسميات  التي  يطلقها أهاليها  كمناطق للتعايش  والتحابب- من قبل القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها. ويتّهم الأكرادُ تركيا بارتكاب مجازر فظيعة في حق الأهالي وانتهاكات جسيمة بدأت  بالتهجير القسري  وافتكاك الأراضي وفرض اللغة التركية والمناهج العثمانية التي تؤمن بها تركيا، وهو ما حذّر  ويحذر منه المرصد السوري لحقوق  الإنسان.
وبمناسبة هذه النكسة  يندّد  المرصد السوري لحقوق الإنسان بمواصلة  احتلال الأراضي السورية  وتهجير أبنائها وسبي نسائها، ويجدد مطالبته للمجتمعَ الدولي  بالسعي إلى إرجاع الأرض لأصحابها وخروج قوات الإحتلال.
 وجدد رياض درار، الرئيس المشترك  لمجلس سوريا الديمقراطية، في حديث مع المرصد  السوري لحقوق الإنسان، تنديده بما تعرضت له تلك المناطق، مستذكرا مقاومة الكرامة في رأس العين ومترحما على أرواح الشهداء التي أزهقت، لافتا إلى أن الاحتلال جثم في أكثر من منطقة  بالأراضي السورية العزيزة في رأس العين وتل أبيض والباب وجرابلس وعفرين، ويمارس التغيير الديمغرافي وإحلال العناصر المرتزقة الذين يشترك معهم مجرمون من خلايا تنظيم “الدولة الإسلامية” لإحداث الدمار والسطو على مقدرات أبناء المنطقة.
وأفاد شيخ درار، بأن الجرائم التي ارتكبت تندى لها جباه الإنسانية بداية من اغتيال المناضلة  هفرين خلف، مع مرافقيها والذي  يرتقي إلى جريمة بحق المناضلين السياسيين والأكراد المدنيين، معتبرا  سكوت تركيا على هذه الجرائم  مشاركة فعلية في ذلك.
ودعا الرئيس المشترك للإدارة الذاتية، المجتمعَ الدولي إلى تحمّل مسؤولياته الكاملة  وتخليص تلك المناطق من الاحتلال، وتمكين أهاليها من العودة إلى ديارهم  وذلك عبر الضغط على السلطات التركية من أجل الخروج وإعادة الأرض.. وأكد” أنهم مستمّرون في الدعوة إلى تحرير تلك المناطق”، داعيا “كل الأطراف الوطنية السورية إلى الحوار للوصول إلى حلّ سياسي على ضوء القرار2254  لكي نصل إلى تأسيس سورية جديدة ذات حكم  مدني لا مركزي ، حكم ديمقراطي يتّسع لكافة المكونات الإثنية والثقافية والدينية دون إقصاء  أو تفريق، في دولة تحظى بعلاقات طبيعية مع  كل بلدان الجوار “.
بدوره  أشار الناطق الرسمي باسم لواء الشمال الديمقراطي محمود حبيب، في حديث مع المرصد، إلى أن “الأوضاع في المناطق المحتلة من قبل تركيا تشهد مزيدا من العنف والانفلات الأمني والاقتتال الداخلي بين فصائل المرتزقة هناك لتضيف هذه الممارسات المزيد من الضغط على ما تبقى من السكان و خصوصا في ظل التهجير القسري و التغيير الديمغرافي، حيث تجري أنشطة تدل على تأسيس لاحتلال طويل كما حدث في لواء اسكندرون.. يجري كل هذا التدمير أمام سمع المجتمع الدولي وبصره، ولقد اعتدنا صمته المخزي إزاء ما يحدث للشعب السوري من ممارسات إجرامية  إن كان ذلك على يد النظام أو تركيا التي تعيث فسادا في سورية”.
وأضاف: “لقد أصبحت الأرض السورية مسرحا دمويا للمصالح الدولية و صندوق بريد لتبادل الرسائل فيما بينها، ونشهد الكثير من التعقيد في إمكانية التوافق الدولي حول سورية، لذلك أعتقد أن الحل معطل حاليا و ستبقى المعاناة مستمرة طالما بقي الوضع في سورية تحت رحمة ذلك التوافق والأطماع الخارجية”.
وبخصوص احتمالية وجود عمليات عسكرية لقوات سوريا الديمقراطية لتحرير المناطق المحتلة قال محمود حبيب:” من الثابت لدينا أن تحرير كل الأراضي التي احتلتها تركيا واجب مقدّس لن نتراجع عنه وفي نفس الوقت ندرك أن ما يحول دون تحريرها أمران: الأول يتمثل في فارق بالأسلحة النوعية و خصوصا سلاح الطيران، و الثاني يتمثل في صعوبة الضغط لإنشاء تحالف دولي على غرار ما حصل أيام انتشار “داعش” لأن تركيا مرتبطة بعلاقات دولية قوية مع الغرب وخصوصا أنها ثاني أكبر دولة في حلف الناتو، لكن في المقابل لا يمكن أن نسكت عن جريمة الاحتلال في الوقت الذي نشاهد صمت النظام السوري الذي يدعي السيادة الوطنية، كذلك الجامعة العربية ومجلس الأمن، و نؤكد أن هذه القضية راسخة في وجدان الشعب ولن نتنازل عن تحرير أرضنا أبدا”.
وبخصوص الانتهاكات، لفت محدثنا إلى أن الجرائم التي وصلت إلى درجة استخدام الفوسفور الأبيض والنابالم لم تلق أي ردة فعل دولية تذكر ، موضحا أن الانتهاكات و الجرائم يتم توثيقها من قبل المنظمات والمؤسسات الحقوقية حول العالم ولكنها تصطدم بحاجز الخلاف الدولي حول المصالح لذلك تبقى المحاسبة حتى الآن إعلامية لا ترقى إلى مستوى الأحداث. 
أما المحلل السياسي الكردي كادار بيري، فيرى، في حديث مع المرصد، أن لتركيا أطماعا في سورية وقد حددت أهدافها عبر مسؤولين كبار في الدولة التركية بدءً من أردوغان  وصولا إلى وزير دفاعه زاعمين أنهم ظلموا في سايس بيكو وأن الميثاق الملّي التركي يقول إنّ شمال شرق و شمال غرب سورية  أجزاء من الأراضي التركية!
وتحدث عن فشل سياستها في سورية وانفضح دعمها للتنظيمات الارهابية، ويلاحظ أن المناطق التي دخل إليها الجيش التركي بقواه ومع المرتزقة هي نفس المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش” الارهابي، واتضح أن تركيا هي من كانت توجه “داعش” إلى احتلال المناطق لتقطيع أوصال شمال شرقي سورية وتحديدا مناطق الإدارة الذاتية.
وإعتبر بيري، أن تركيا احتلت عفرين وقبل عامين كان احتلال رأس العين- السليكاني- تل آبيض وقليسي بي،  لتقوم بتقطيع المناطق مرة أخرى إذ أنها  باحتلالها عفرين فصلت  منطقة منبج كوباني عن عفرين، والآن باحتلالها تل أبيض ورأس العين تفصل كوباني عن المناطق الأخرى في الجزيرة وتلك هي سياسات تركيا إذ تطمح إلى ضم هذه المناطق إلى الدولة التركية عن طريق التتريك باستعمال العملة التركية  واللغة التركية  والكهرباء.. كل هذا يوضح الأطماع التوسعية التركية لتكون تكرارا لحالة لواء اسكندرون المحتل.
وأوضح أن”التنظيمات الارهابية في تلك المناطق وتحديدا عفرين ورأس العين وتل أبيض كانت من أكثر المناطق أمنا في سورية و الآن تحولت إلى أكثر المناطق خطورة بوجود الإرهابيين و قيامهم بالسطو على الأرزاق والخطف طلبا للفدية و الاغتصاب، وهذه ليست بالعمليات أو الحالات الفردية أو المعزولة من إرهابيين يقومون بذلك على أهوائهم وإنما هي توجيهات من الدولة والاستخبارات التركية لخلق حالة من الفوضى في تلك المناطق لإجبار الأهالي على الهروب الجماعي من أجل إحداث التغيير الديمغرافي.. فمدينة رأس العين يسكنها الآن الإيغور الصينيين والشيشان ممن كانوا مع تنظيم “داعش” الارهابي، وأيضا مجموعة من العراقيين ممن كانوا كذلك مع تنظيم “داعش” . 
وتطرق إلى سلسلة الإنتهاكات ، قائلا: إنّ كل شي مباح لهؤلاء الإرهابيين بل ليس فقط مباحا بل هنالك توجيهات رسمية من قبل الدولة التركية “افعلوا ما يحلو لكم”!
وأعرب عن الأسف الشديد إزاء استمرار الصمت الدولي، وكذلك الصمت الرسمي السوري، مؤكدا أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا تتحرك على كافة الأصعدة عبر هيئاتها الدبلوماسية و ممثليها في عديد العواصم و عبر منظمات المجتمع المدني في أوروبا وفي أمريكا من أجل فضح تلك الانتهاكات ووقفها  وإنهاء الاحتلال التركي، لكن للأسف دمشق التي هي معنية ولديها الصفة الرسمية في المحافل الدولية لم تتحرك بخصوص هذا الملف.
 وأضاف أن روسيا وأمريكا  سمحتا باحتلال تلك المناطق في عهد إدارة الرئيس ترامب انطلاقا من تثبيت مصالحهم وكذلك الأمر بالنسبة إلى  تركيا.. الجميع يبحث عن مصالحه باستثناء السوريين.. المرتزقة منهم مع تركيا يبحثون عن مصالح الدولة التركية، والنظام السوري أصبح عاجزا لا يتحرك ولو حتى بالمفهوم الدبلوماسي و السياسي”.
وختم بالقول: “إنهاء هذه الانتهاكات وهذا الاحتلال لن يكون بالأمر السهل، فنقطة التحول ونقطة البداية ستكون في الحوار السوري –السوري، وإيجاد حل لكل الملف السوري يكون مشروطا بطرد المحتل التركي من كافة الأراضي وعلى دمشق أن تتحاور مع الإدارة الذاتية من أجل تحرير الأراضي السورية وإعادة الاعتبار إلى كرامة السوريين وحقوقهم. 
وجدد التأكيد على أن الحلّ يكمن في حوار سوري- سوري وفي تغيير عقلية النظام في تعامله مع مكونات الشعب السوري الأخرى والاعتراف بالإدارة الذاتية لشمال وشمال شرقي سورية كخطوة أولى من أجل إيجاد أرضية صلبة  للحل، وقت ذاك لن يبقى لوجود المحتل التركي مكان في سورية..
بدوره ندّد الدكتور كمال سيدو، مدير قسم الشرق الأوسط في منظمة دعم الشعوب المضطهدة، في حديث مع المرصد، بممارسات الإجرام والنهب التي  تُسلّط على تلك المناطق وعمليات  الاضطهاد  من قبل الاحتلال التركي، لافتا إلى أن ماشهدته رأس العين من قبل القوات الغازية قبل عامين لايمكن السكوت عنه خاصة بعد طرد الأهالي من أرضهم والاستيلاء عليها في خرق فاضح للقوانين الإنسانية، مذكرا بسياسة التهجير القسري للأهالي الأصليين وتوطين العرب السنّة الموالين لتركيا.
وأوضح أن احتلال سري كانيه نذير شؤم وعنوان معاناة كبيرة للأهالي، وجوع وتهجير قسري، لم تعرفه تلك المنطقة من قبل.