عصابات الاختطاف تنتعش في سوريا: الانفلات الأمني والنزوح السبب.. وتجنيد الأطفال وتجارة الأعضاء على رأس قائمة الانتهاكات

75

بات فقدان الشعور بالأمان سمة عامة في أغلب المحافظات والمدن السورية، فعمليات الخطف المتكررة بين الحين والآخر تهدد المواطنين في وضح النهار، لا سيما مع انتشار عمليات خطف الأطفال التي لا تتوقف وتعمل على زيادة نشاطها في عدد من المناطق كدرعا ودمشق وريفها وإدلب والسويداء وحلب.

يمكن تفسير زيادة عمليات خطف الأطفال في سوريا وتصاعد أعداد الضحايا من الأطفال إلى المئات بعدة عوامل، أهمها الحرب الأهلية والانفلات الأمني، حيث إنه منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 وظهور الأطياف والفصائل المتحاربة والمليشيات ذات الانتماءات المختلفة والمصالح المتضاربة بينها، كانت الفرصة سانحة لظهور عصابات الخطف في كافة أنحاء سورية، حيث وفرت الحرب الأهلية مناخا مناسبًا لنشاط مثل هذه العصابات، التي عملت على اختطاف الأفراد والأطفال بصورة خاصة ذكورًا وإناثًا.

وثبت تورط بعض المليشيات والشبيحة التابعة للنظام والفصائل التابعة للنفوذ التركي في مناطق النفوذ المختلفة في عمليات الخطف، لا سيما مع تسوية الأوضاع بين النظام وبين عصابة تأخذ من بلدة عريّقة في الريف الغربي من محافظة السويداء جنوب سورية مقراً لها، إلى ما يصفه بـ”حضن الوطن”، حيث غض النظام البصر عن ارتكابهم عشرات الجرائم من خطف وتنكيل واغتصاب وقتل وسلب.

ومن بين العوامل الأخرى، عمليات النزوح والتهجير، والتي أدت إلى ارتفاع معدلات النزوح للمواطنين السوريين من المناطق التي تشهد تصاعد في موجات العنف والاقتتال إلى المناطق الأقل عنفًا، وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، لا سيما مع تصفية معاقل تنظيم “الدولة الإسلامية” وكذلك عمليات التهجير القسري التي شهدها المواطنين بهدف إعادة التوزيع الديموغرافي كما هو الحال في مناطق النفوذ التركي والفصائل، وكذلك المناطق التي تشهد تفشي للنفوذ الإيراني، ما أدى إلى زيادة عمليات الاختطاف نتيجة انتشار أعضاء عصابات خطف الأطفال بين النازحين الذين ليس لديهم خبرة بالمناطق الجديدة التي نزحوا إليها أو بأهالي هذه المناطق.

يضاف إلى تلك العوامل وجود أطفال بدون جنسية وأوراق ثبوتية، بعد أن تم تشريد ما يقارب من 5 ملايين طفل سوري في الداخل والخارج، ما أسفر عن انعدام وجود أوراق ثبوتية لعدد كبير من الأطفال، لا سيما من ولدوا في مخيمات اللجوء وفي المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الجهادية، ما ينتج عنه أطفالا دون جنسية، خاصة مع غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع؛ ما يترتب عليه زيادة في نشاط عصابات خطف الأطفال في المناطق التي يوجد فيها أطفال لا يملكون أوراق ثبوتية، ما يسهل عمليات خطف واختفاء هؤلاء الأطفال. ويعد مخيم “الهول” من أبرز المخيمات التي ترتفع فيها معدلات تغيب الأطفال.

ومن بين العوامل التي ساعدت على تفشي ظاهرة الاختطاف، تفشي ظاهرة تجنيد الأطفال كمرتزقة، حيث فتحت تلك الظاهرة المجال أمام عصابات الخطف إلى استغلال الأطفال الذين اختطفوا وتسليمهم للقوى المسيطرة في مناطق النفوذ المختلفة ليتم تجنيدهم ضمن صفوف قوات النفوذ. وعلى سبيل المثال، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان تجنيد تركيا أطفالاً سوريين أعمارهم دون سن الـ18 عامًا، حيث تم اقتيادهم من إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين بحجة العمل هناك، وتم تجنيدهم بعفرين من قِبل الفصائل الموالية لتركيا، التي بدورها ترسلهم إلى ليبيا ضمن مجموعات المرتزقة، وتزودهم بهويات مزورة ومعلومات غير صحيحة عن تاريخ ومكان ميلادهم. ووفقا لمعلومات المرصد السوري، هناك نحو 200 طفلًا جرى إرسالهم إلى ليبيا، من بينهم 18 طفلاً استشهدوا في عمليات عسكرية.

إضافة إلى تلك العوامل، تأتي المطالبة بالفدية الباهظة، حيث تلجأ عصابات الخطف إلى طلب مبالغ مالية باهظة كفدية من ذوي الأطفال لإعادتهم. وعلم المرصد السوري في 9/5/2020، أن الشرطة الموالية لتركيا تمكنت من إلقاء القبض على خلية خطف مؤلفة من ثلاثة أشخاص بينهم امرأة، كما تم تحرير طفل من بين أيديهم اختطفوه في وقت سابق من مدينة مارع، لابتزاز ذويه مقابل إطلاق سراحه لقاء مبلغ مالي.

ومن بين العوامل التي ساعدت على انتشار ظاهرة الاختطاف، رواج تجارة الأعضاء حيث تلجأ عصابات الخطف إلى التربح من اختطاف الأطفال عن طريق بيعهم لشبكات تجارة الأعضاء، حيث يتم الاستفادة من أعضائهم بعد الخطف وإلقاء جثثهم. وكشف “المرصد السوري” في 26/7/2020، العثور على طفل مقتولاً في ظروف مجهولة ضمن أحد المنازل الواقعة قرب إحدى الحدائق في حي “الفردوس” بمدينة الرقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

كما أشار المرصد السوري في 3/7/2020، إلى أن عمليات اختطاف الأطفال من قِبل أشخاص مجهولين باتت تؤرق حياة المدنيين القاطنين في العاصمة السورية دمشق، إذ تصاعدت حالات خطف الأطفال في الأسبوع الأخير من شهر يونيو 2020 التي لم يتبعها تواصل بين الخاطفين وأهالي الأطفال، ما يشير إلى أن الخطف كان بهدف تجارة الأعضاء، وقد جرت في كل من “حديقة الثلاث عنزات في حي الميدان، وحديقة الثريا في حي الميدان، حديقة حي الزاهرة الرئيسية، وحديقة جامع الأنصاري في حي الزاهرة، حديقة نيرمين في حي المهاجرين، وحديقة تنظيم كفرسوسة”.

ومن بين الأسباب الأخرى، انتعاش عمليات الإتجار في البشر والاستغلال الجنسي والتسول، حيث تزداد عمليات خطف الأطفال مع ارتفاع معدل استغلال الأطفال في العمالة غير القانونية والأعمال الشاقة وأعمال العنف والجريمة والتسول، وكذلك الاعتداءات الجنسية والاغتصاب. وكشف المرصد السوري في 14/7/2020، عن اختطاف فتاة تبلغ من العمر 15 عامًا من مدينة سقبا الواقعة في الغوطة الشرقية بريف دمشق، ولا يزال مصير الطفلة مجهول.

إن عدم التصدي لعصابات الاختطاف، خاصة خطف الأطفال في مناطق النفوذ المختلفة في الأراضي السورية، يفرز عددا من الظواهر السلبية التي تؤدي لتهديد أجيال بأكملها من السوريين لا ذنب لهم إلا أنهم سوريون، وبالتالي، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدد مطالباته للمجتمع الدولي والأمم المتحدة ومجلس الأمن بضرورة التدخل بشكل جاد لحماية حقوق الأطفال السوريين، وإعادتهم لذويهم وحمايتهم من تبعات الحروب الأهلية في بلادهم.