عفرين السورية في قبضة “تحرير ال-شام”: أوضاع متردية ومستقبل قاتم

59

أدت التطورات العسكرية الميدانية في منطقة عفرين (شمال غربي سوريا) بعد اجتياحها من قبل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” الأسبوع الماضي وقتالها الفيلق الثالث التابع للجيش السوري المدعوم من أنقرة، إلى دخول تركيا بقوتها العسكرية على الخط.

وظهرت أبرز ملامح التدخل العسكري بتمركز مصفحات ودبابات تركية قرب قرية كفر جنة (ثمانية كيلومترات شرق مدينة عفرين) لتمنع توجه قوات هيئة تحرير الشام نحو مدينة إعزاز.

الموقف التركي الميداني جاء عقب اشتباكات قوية بين الهيئة والفيلق الثالث الذي كانت أبرز فصائله (الجبهة الشامية) تسيطر على عفرين، على رغم رعاية تركيا اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

إضافة إلى ذلك شهدت مدينتا إعزاز والباب اللتان تعرفان بمنطقة “درع الفرات” احتجاجات من قبل السكان رفضاً لدخول الهيئة إلى مناطقهم، حيث أغلقت المحال التجارية وسط سوق المدينة وخرج أعداد من المتظاهرين في ساحات المدينة.

انسحاب جزئي للهيئة

من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن هيئة تحرير الشام سحبت مساء الثلاثاء الماضي رتلين من قواتها من عفرين باتجاه إدلب، فيما أبقت على قوات جهاز الأمن العام وانتشرت على جميع الحواجز في مدينة عفرين وريفها.

ووفقاً لنشطاء المرصد، فإن الهيئة سحبت فقط القوات المقاتلة المتخصصة بالاقتحام، وأبقت القوات العسكرية غير القتالية في النقاط التي سيطرت عليها، “حيث يتم تصوير الأرتال على أنها انسحاب من عفرين بينما تدخل من جديد عبر مناطق سيطرة فيلق الشام من ناحية شيراو بريف عفرين، ومعبر دير بلوط بناحية جنديرس”.

الهيئة تستميل سكان عفرين

وفي السياق منعت هيئة تحرير الشام عناصر الفصائل وعمالاً من المهجرين في القرى المحيطة بعفرين من قطاف الزيتون من دون وجود صاحب الأرض، إذ طردت عناصر الهيئة صباح اليوم عناصر يتبعون لفصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” بعد محاولتهم سرقة محصول الزيتون من إحدى الأراضي الزراعية شمال عفرين بحسب المرصد السوري.

رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري، قال في تصريح لـ”اندبندنت عربية” إن هيئة تحرير الشام تحاول استقطاب الأهالي في عفرين وبالتحديد السكان الكرد، إذ اعتقلت عناصر من فرقة سليمان شاه المعروفة بـ”العمشات” عند محاولتهم جني قطاف الزيتون العائدة ملكيتها إلى السكان الأصليين في منطقة عفرين، وحثت الأهالي على الإبلاغ عن وجود أي انتهاكات ضدهم من قبل المسلحين وطلب المساعدة من عناصر الهيئة.

وشهدت منطقة عفرين منذ اليوم الأول لاجتياح هيئة تحرير الشام حركة نزوح لدى المقيمين فيها، خصوصاً أولئك الذين كانوا يقيمون في مخيمات وتجمعات سكنية أنشئت بعد عملية “غصن الزيتون” التركية، وهم عائلات هجرت مناطقها الأصلية بعد تفاهمات دولية وميدانية، مثل الغوطة الشرقية ودرعا وحماة وحمص وغيرها، إضافة إلى عائلات عناصر الفصائل التابعة للجيش السوري المدعوم من أنقرة، وأجبروا على النزوح بعد أن شهدت المنطقة قصفاً أثناء الاشتباكات.

كما أن عائلات هؤلاء العناصر التي كانت تقيم داخل مدينة عفرين والقرى التي دخلتها “هيئة تحرير الشام” فرت من المنطقة، خوفاً من اعتقالات أو مضايقات تطالهم، وهو بالفعل ما سجله ناشطون على مدى الأيام السابقة عن اعتقال عناصر من الفصائل وآخرين تعاملوا معها في تلك المنطقة.

وأوضح مدير المرصد السوري أنه لم تحدث حركة نزوح عامة للسكان، ومن غادر هم بعض المهجرين الذين كانوا على خلاف سابق مع الهيئة، وكانوا يقيمون في بعض القرى والمخيمات التي أنشئت في عفرين، ويتعاونون مع القوات التركية لذلك يتخوفون من وجود الهيئة في مناطقهم.

مستقبل قاتم

تثير سيطرة هيئة تحرير الشام على منطقة عفرين مخاوف مراقبين وباحثين في الشأن السوري، ولا سيما أولئك المدافعين عن حقوق الإنسان والراصدين انتهاكها في مختلف المناطق السورية.

وفي حديثه لـ”اندبندنت عربية” يرى بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، والتي تنشر تقارير حول الانتهاكات التي تحصل في مختلف المناطق السورية، أن هجوم هيئة تحرير الشام على منطقة عفرين شكل رعباً لدى السكان الأصليين، خصوصاً الأقليات كالإيزيديين، “لا سيما أن الهيئة أو جبهة النصرة ارتبط اسمها بعديد من الانتهاكات الفاضحة كنهب البيوت وفرض الحجاب والأيديولوجيا المتشددة على رغم محاولتها تلميع صورتها لاحقاً بعد ممارسة الضغوط عليها وفضح انتهاكاتها”.

ويتوقع الأحمد بأن منطقة عفرين ومع سيطرة الهيئة عليها بشكل كلي أو جزئي ستشهد أنماطاً مختلفة من الانتهاكات وستكون مختلفة تماماً عما ارتكبته الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري كفرض الحجاب على النساء والفكر المتشدد بالمناهج التدريسية.

في سياق آخر، أعلن ناشطون ومنصات إعلامية معارضة في عفرين أمس الخميس اكتشاف مقبرة جماعية في بستان للزيتون قرب سجن في قرية كفر جنة، التي كانت تسيطر عليه عناصر الفيلق الثالث الذين انسحبوا من القرية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”.

من جهتها قالت منظمة حقوق الإنسان في عفرين إن “هيئة ثائرون” التي حلت محل هيئة تحرير الشام بموجب الاتفاق برعاية تركية، استقدمت آليات لحفر المقبرة الجماعية المكتشفة وانتشل منها جثث لـ17 شخصاً، فقدوا حياتهم “إما تحت التعذيب أو نتيجة الظروف الصحية السيئة والمعاملة القاسية التي عانوها داخل السجن على أيدي مسلحي فصيل الشامية السيئ الصيت” بحسب المنظمة.

وأضافت المنظمة أن مصادرها أشارت إلى أن الجثث كانت متفسخة ولم يتم التعرف إليها، وأن عناصر فصيل “هيئة ثائرون” فرضوا طوقاً أمنياً حول المكان ومنعوا الهواتف الخلوية.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين فإن الفصائل احتجزت خلال السنوات السابقة مئات المختطفين في هذا السجن، كان بينهم مختطفون كرد تعرضوا لأنواع مختلفة من التعذيب، وأن أكثر من 100 معتقل نقلوا من هذا السجن منذ نحو أسبوع إلى سجن الراعي أثناء انسحاب “الجبهة الشامية”.

المصدر: اندبندنت عربية