عملية السلام في سوريا تتبخر

23

لويس شاربونو

تكشف صورة التقطت للرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال قمة مجموعة الثماني في ايرلندا الشمالية مدى عمق الانقسامات بين البلدين حول سوريا فقد علا الوجوم وجهيهما في حين عض الأول على شفتيه وأطرق الثاني رأسه.

تبرز الصورة التي حفلت بها مواقع الانترنت حجم التوتر المتنامي في العلاقات بين الخصمين السابقين ابان الحرب الباردة إذ يجدان صعوبة في الاتفاق على العديد من القضايا مثل سوريا والمتعاقد السابق لدى وكالة الامن القومي الاميركي الذي يرفض بوتين ترحيله.

وتسعى واشنطن وموسكو للاعداد لمؤتمر سلام دولي لانهاء العنف في سوريا منذ مايو/ آيار لكن سرعان ما تضاءلت الامال في ان يعقد عما قريب او أن يعقد من الأساس.

في البداية اعلن وزير الخارجية الاميركي جون كيري ونظيره الروسي سيرغي لافروف انهما سيسعيان لعقد المؤتمر الرامي لالتئام المعارضة وممثلي حكومة الرئيس السوري بشار الأسد على طاولة المفاوضات بحلول نهاية مايو/ ايار.

لكن الموعد تأجل أكثر من مرة اذ ارجيء في البداية إلى يونيو/ حزيران ثم يوليو/ تموز. وفي بداية الاسبوع الماضي استبعد الاخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي الخاص إلى سوريا عقد المؤتمر قبل اغسطس/ آب بعدما اجرى محادثات مع مسؤولين كبار من روسيا والولايات المتحدة في جنيف.

وقال دبلوماسيون بالامم المتحدة في نيويورك انه لم يتضح إن كانت المحادثات ستعقد اصلا. وقال دبلوماسي غربي “لا تبدو الاحوال مطمئنة”.

وكان هدف المؤتمر احياء الخطة التي جرى تبنيها في جنيف العام الماضي حين اتفقت واشنطن وموسكو على ضرورة تشكيل حكومة مؤقتة في سوريا دون تحديد اذا كان الأسد سيشارك في العملية.

وتتفق الولايات المتحدة مع المعارضة على ضرورة استبعاد عائلة الأسد من اي حكومة مؤقتة لكن روسيا ترى انه ينبغي الا تفرض شروط مسبقة.

واعلنت الامم المتحدة الثلاثاء ان كيري ولافروف سيعاودان مناقشة الملف السوري الاسبوع الجاري على هامش مؤتمر رابطة دول جنوب شرق اسيا في بروناي.

ويعرقل انعقاد مؤتمر ما يطلق عليه دبلوماسيو الأمم المتحدة “جنيف 2″ المناقشات الخاصة باختيار ممثلي حكومة الأسد والمعارضة السورية اذ لم يتم الاتفاق بعد على اسماء المفاوضين المحتملين. وايضا قضية مشاركة إيران الحليف الرئيسي للأسد حسب رغبة روسيا إلا ان الحكومات الغربية لا تحبذ ذلك.

وفي الاونة الاخيرة حققت قوات الأسد عددا من الانتصارات العسكرية واستعادت السيطرة على بلدتين قرب الحدود اللبنانية في حين تشكو المعارضة من نقص الأسلحة والذخيرة.

ويقول دبلوماسيون إن الحكومة والمعارضة على حد سواء لا ترغبان في تقديم تنازلات او بذل مساع دبلوماسية في جنيف ويرجع ذلك لاعتقاد الأسد انه قادر على حسم المعركة عسكريا في حين لا تريد المعارضة دخول المفاوضات وهي في موقف ضعيف فيما تنتظر المزيد من الاسلحة.

وصرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضى ان السلطات مستعدة لتشكيل حكومة وحدة وطنية ذات قاعدة تمثيل موسعة لكنه أوضح انها لا تنوي التخلي عن الحكم.

وقال المعلم “اننا نتوجه إلى المؤتمر.. ليس من أجل تسليم السلطة للطرف الآخر ومن لديه وهم في الطرف الآخر انصحه الا يأني إلى جنيف.”

ويقول بعض الدبلوماسيين إن تضاؤل الآمال في مؤتمر سلام جاد يبرز عجز الأمم المتحدة والإبراهيمي الذي يهدد منذ اشهر بالتخلي عن مهمته مثل سلفه كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

ونفض عنان يديه من المهمة العام الماضي نتيجة ما اصابه من احباط لعجز مجلس الامن عن التحرك على صعيد الازمة السورية بسبب الخلاف بين روسيا مورد السلاح الرئيسي للأسد والولايات المتحدة الداعمة للمعارضة وكانت اعلنت في الاونة الاخيرة عزمها البدء في امدادها بالسلاح.

واستبعدت روسيا والصين منذ فترة فرض عقوبات على سوريا واستخدمتا حق النقض (الفيتو) لمنع صدور ثلاثه قرارات يساندها الغرب ودول الخليج تدين حكومة الأسد والحرب الطائفية التي تقول الأمم المتحدة انها اودت بحياة أكثر من 90 ألفا.

وتوقع ريتشارد جوان من جامعة نيويورك ان يضاعف انهيار خطة كيري لعقد مؤتمر السلام من الضغوط على أوباما لارسال أسلحة اثقل وبكميات أكبر للمعارضةالسورية.

وقال “إذا فشل مقترح جنيف فسيكون ثمة ضغوط على الولايات المتحدة للذهاب ابعد من عرضها الحالي بتقديم اسلحة خفيفة للمعارضة لاسيما إذا حقق الأسد مزيدا من الانتصارات”.

وتابع “مراهنة كيري على جنيف قد تأتي بنتائج عكسية إذ تظهر اخفاق الدبلوماسية لكن ربما لا ينزعج كيري لذلك إذ سبق له ان أيد شن غارات جوية”.

جاء تحرك واشنطن الحذر للبدء بتسليح المعارضة السورية المعتدلة وليس اسلاميين متشددين بعد ان اعلنت الإدارة الامريكية أن قوات الأسد تخطت “خطا أحمر” باستخدامها اسلحة كيماوية.

وتنفي الحكومة السورية الاتهامات وبدورها تتهم المعارضة باستخدام اسلحة كيماوية كما تتهم الغرب والحكومات الخليجية بتسليح المعارضة.

وقال دبلوماسيون في الامم المتحدة ان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون يخشى كثيرا احتمال ان يذكره بانه الرجل الذي فشل في سوريا لدرجة انه يفكر في التدخل شخصيا لمحاولة التوصل لاتفاق إذا تخلى الابراهيمي عن مهمته.

وفي الاسبوع الماضي قالت سوزان رايس سفيرة الولايات المتحدة التي تشغل قريبا منصب مستشارة الأمن القومي في البيت الأبيض ان فشل المجلس في تبني تحرك حاسم تجاه سوريا “سقطة اخلاقية وخطأ استراتيجي”.

وأضافت رايس “اعتقد ان اخفاق مجلس الأمن المتكرر في تبني موقف موحد إزاء قضية سوريا وصمة للمنظمة وامر سأندم عليه إلى الأبد – رغم انني لا اعتقد انه نتاج تصرفات الولايات المتحدة”.

واتفق السفير البريطاني مارك ليال جرانت مع رايس في لهجتها اللاذعة الموجهة على ما يبدو لروسيا والصين. كما دافع عن الامم المتحدة في مواجهة تلميحات بانها تتحمل مسؤولية عجز مجلس الامن عن التحرك بصدد سوريا إلى حد ما.

وقال “يتحدثون عن وصمة للامم المتحدة لكن اللوم لا يقع على المنظمة”، مضيفا أن الدول الاعضاء هي التي تتحمل المسؤولية.

وتابع “بذلنا جهودا مضنية على مدار العامين الماضيين من اجل منح الأمم المتحدة شيئا من الثقل في الازمة مع تصاعدها. من المؤسف ان روسيا والصين استخدمتا حق النقض لمنع صدور ثلاثة قرارات.. ربما كانت التطورات على الارض اتخذت منحى مختلفا كلية إذا صدرت القرارات الثلاث”.

وفي مارس/ آذار 2011 اقر مجلس الامن التدخل العسكري في ليبيا ومنح قوات حلف شمال الاطلسي الضوء الاخضر لحماية المدنيين وقاد ذلك للاطاحة بالزعيم الليبي معمر القذافي ومقتله.

ولم تدع اي دولة غربية لتدخل مماثل في سوريا وتعهدت روسيا بمنع اي خطوة مماثلة في سوريا. ربما لن تكون ثمة نهاية سريعة للحرب بل من المستبعد ان يشيع انتصار المعارضة حالة من الاستقرار.

وقال ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية “من المرجح ان تستمر الحرب الاهلية في سوريا لسنوات… اتضح لكثيرين ان الاطاحة بنظام الاسد اصعب ويستغرق وقتا اطول من المتوقع. حتى في حالة الاطاحة بالنظام فسيعقب ذلك جولة طويلة من المعارك بين قوات المعارضة التي تختلف على كل شيء باستثناء معارضتها للنظام.

الاوسط