عندما استنجد الأسد “المنتصر” بروسيا

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

19

تفضح الرسالة التي نشرها الدبلوماسي الفلسطيني السوري، رامي الشاعر، في صحيفة زافترا الروسية، ادعاءات بشار الأسد، ومن خلفه، حلف الممانعة، بالنصر الذي حققوه ضد “المؤامرة الكونية” التي تعرّضت لها سورية، وتؤكّد أن الهزيمة الكبرى لنظام الأسد حصلت على يد رجال سورية ونسائها، على الرغم من كل ما صبّه من جحيم ودمار فوق رؤوسهم.

في رسالته التي استنجد فيها بوتين للمسارعة في إنقاذه من مصيرٍ قاتمٍ باتت نذُره على بعد أمتار قليلة من القصر الجمهوري، يقول الأسد “قدّمنا الأسلحة الكيميائية للمجتمع الدولي، واضعين ثقتنا بأن تقدّم روسيا البدائل اللازمة لمواجهة العدوان الإرهابي على وطننا. لكن الأمور في الوقت الراهن تشير إلى انهيار مفاجئ محتمل خلال أيام معدودة، بعد خسارتنا بالأمس أكبر خمس بلدات في الغوطة، ووصول المسلّحين إلى مسافة ثلاثة كيلومترات من مطار دمشق الدولي، وقطعهم طريق دمشق حمص الدولي، بعد احتلالهم مدينة دير عطية، ونفاد قدرتنا البشرية والنارية. لهذا فإن هناك ضرورة ماسّة جداً للتدخل العسكري المباشر من روسيا، وإلا سقطت سورية والعالم المدني بأسره بيد الإرهابيين الإسلاميين”. يكشف نص الرسالة حقائق لطالما حاول الأسد وحلفاؤه نكرانها:

أولاً: كان نظام الأسد يعتبر الأسلحة الكيماوية جزءاً أساسياً من منظومته الحربية ضد الثورة، وهو يطالب روسيا بتعويضه بسلاح مكافئ لردع الثوار ومنعهم من إسقاطه.

ثانياً: استطاعة الثوار تفكيك أدوات النظام العسكرية والأمنية بعد سنتين من قيام الثورة، وبعد سنة من تسلّحها، وهو وقت قصير جداً قياساً لحجم البنية التحتية العسكرية والأمنية للنظام، وخصوصاً في الأماكن التي يذكرها الأسد في رسالته، وهي ريف دمشق، حيث تتموضع أكبر فرقه العسكرية حجماً، وأكثرها تسليحاً وعدداً، حيث يوجد في تلك المنطقة ثلاثة فيالق من أصل خمسة فيالق من مجموع الجيش السوري البالغ عدد عناصره عشية الثورة 325 ألف عنصر، بالإضافة إلى أكثر مائة ألف عنصر مخابرات.

روسيا لم تتأخر في مساعدة الأسد، ففي الأصل هي موجودة عسكرياً قبل الثورة، وفي أثناء الثورة قدّمت مساعدات لوجيستية وعسكرية قيمة إلى النظام

ثالثاً: يكشف تاريخ الرسالة، 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، أن الأسد أرسل استغاثته، بعد أن استنفد كل أوراقه في مواجهة الثورة، وبعد استهداف غوطة دمشق بالكيميائي في 21 أغسطس/ آب، وقتل مئات من أطفال الغوطة ونسائها، بغرض إجبار الثوار على التراجع. وعلى الرغم من حجم الألم فإن من صرخ هو بشار وليس المنكوبين.

رابعاً: لم يغير تدخل إيران وأذرعها، رغم بطشهم ومجازرهم، الوضع لصالح نظام الأسد، مع أنه قد حصل باكراً، ومنذ الأيام الأولى للثورة. صحيح أن حزب الله كان قد دخل القصير في نيسان/ إبريل عام 2013، لكن ذلك لم يحصل إلا بعد تدمير سلاح الجو التابع للأسد القصير، بالإضافة إلى ضعف تسليح ثوار القصير وقلة عددهم، وزجّ حزب الله كل قوته، وساعده في ذلك قربها من حدود لبنان.

خامساً: يكشف تاريخ الرسالة أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لم يكن قد ظهر بعد، إذ إن تاريخ إعلان ولادته مسجلة لدى العالم في 2014. كما أن التنظيم لم يتدخل في الحرب السورية قبل بداية 2015، وبدأ نشاطه ضد الجيش الحر وأحرار الشام وجبهة النصرة في أرياف الرقة وحلب ودير الزور، كما أن جبهة النصرة لم تكن بهذا الحجم من القوة، ولم يكن عدد أفرادها يزيد عن مئات، بعد الإعلان عن تأسيسها في بداية 2012.

تحاول روسيا، ولديها فضائح كثيرة مخفية، القول للأسد إياك أن تمطّ رقبتك كثيراً، نحن من صنعنا ما تسميه الانتصار، ونحن من سيقبض ثمنه

سادساً: لم يكن الدعم العربي للثورة قد ظهر بحجم كبير في ذلك الوقت، فالمعلوم أن هذا الدعم بالسلاح والمال قد حصل في سنتي 2014 و2015، عندما تم تأسيس جيش الفتح في شمال سورية. أما “غرفة الموك”، التي تخصصت بدعم وتنظيم عمل الثوار في جنوب سورية وتنظيمه، فقد تأسست نهاية عام 2013.

ويعني ذلك أن من قام بهذا الضغط الذي دفع الأسد إلى الاستنجاد بروسيا هم الثوار الذين أجبرهم نظام الأسد على مغادرة المظاهرات، وبمساعدة الجنود والضباط الذي انشقّوا عن جيش الأسد الذي بدأ عملية قتل واسعة للمدنيين السوريين. .. والسؤال المطرح هنا بقوّة، على خلفية نشر رسالة الأسد: لماذا تأخرت روسيا عامين لنجدة الأسد؟ تثبت الوقائع أن روسيا لم تتأخر في هذا، ففي الأصل هي موجودة عسكرياً قبل الثورة، وفي أثناء الثورة قدّمت، وبحسب اعتراف رامي الشاعر “مساعدات لوجيستية وعسكرية قيمة إلى النظام، بما في ذلك عن طريق الإمدادات من الأسلحة والذخائر وغيرها من مستلزمات تعزيز وضع المؤسسة العسكرية، فضلاً عن إرسال الخبراء العسكريين، وإطلاق نشاط واسع لتزويد دمشق بالمعلومات الاستخباراتية، بما في ذلك عن طريق صور الأقمار الصناعية التي رصدت مواقع المسلحين”. ولكن ذلك كله لم يمنع احتمالية سقوط الأسد. وفي رسالته، طالب الأسد بضخ مزيد من المساعدة، وربما أراد تغيير نمط التدخل الروسي إلى تدخل أكثر كثافةً وحجماً. والدليل أن هذا الانخراط الكبير حصل بعد زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، بأيام. ما يعني أن الأخير ذهب لطلب زيادة الدعم، ومن غير المعقول أن تستطيع روسيا تجهيز نفسها بأيام. المؤكّد أن خطوط إمداد لوجستي كانت موجودة، وبنية تحتية للوجود الروسي، وقواعد يعمل بها الروس.

تحاول روسيا، ولديها فضائح كثيرة مخفية، القول للأسد إياك أن تمطّ رقبتك كثيراً، نحن من صنعنا ما تسميه الانتصار، ونحن من سيقبض ثمنه.

 

 

 

الكاتب: غازي دحمان – المصدر: العربي الجديد