عن أوهام الحل السوري وغنيمة الأسد

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

57

قطع بشار الأسد، في خطاب القسم للولاية الرابعة لحكم سورية، يوم السبت الماضي 17 يوليو/ تموز، أي ارتباط لنظامه مع كل عمليات التسوية السياسية للصراع في سورية، سواء تحت مظلة أستانة أو هيئة الأمم المتحدة، ووضع حدّا لكل الأوهام التي تسوقها الفعاليات الدولية، أو دول مسار أستانة (روسيا – إيران – تركيا) أو كيانات المعارضة، بأن العودة إلى مباحثات اللجنة الدستورية قد تبلور حلاً سياسياً، من خلال صياغة دستورٍ بالتوافق بين المعارضة والنظام، يضمن انتقالاً سياسياً حسب قرار مجلس الأمن 2254، وهو الأمر الذي تتحدّث عنه روسيا، نوعا من الترغيب الدولي لحل معضلة تمويل إعادة الإعمار في سورية.
ونفى خطاب الأسد مزاعم موسكو في أن النظام قد يقبل حلا سياسيا، يبدأ من القبول بزعزعة مكانة الدستور الحالي الذي أخذ بيد الأسد إلى ولايته الرابعة التي قد تكون إلى الأبد فعلياً، فعدم الاعتراف منه بوجود معارضة إلا من سمّاهم أو وصفهم بـ”الخونة والمأجورين”، أو المغرّر بهم في أحسن الأحوال، يعني ضمنياً عدم قبول ما يطرحه القرار الدولي من مشاركة معهم في صياغة دستور جديد لسورية، كخطوة نحو انتقال سياسي، كما تصفه اللجنة الدستورية الشريكة أو المتشاركة مع النظام في مباحثات جنيف، فالمنتصر لا يمكنه أن يترك الخاسر يقاسمه الغنيمة.
ويضعنا هذا الحال الآن أمام حقائق غالباً ما نودّ الهروب منها، وهي أنه لا يوجد في معطيات الوضع السوري، أو حتى بين رموز النظام الذين اجتمعوا على التصفيق لكل ما كان يقوله الأسد مدحاً أو ذماً، ما يؤكّد رأي مسؤولين روس في شأن توقع قرب الوصول إلى تسوية سياسية في سورية، على خلفية التوافق مع الولايات المتحدة في القرار الصادر عن مجلس الأمن أخيرا، والقاضي بتمديد آلية دخول المساعدات الإنسانية إلى سورية، فالتسوية المنشودة تتطلب، إضافة إلى الإرادة الدولية “الغائبة حالياً”، وجود إرادة التسوية لدى الأطراف السورية المتنازعة، وهو الأمر الجلي أن النظام لا يملكها، كما أن كيانات المعارضة الموجودة، باعتبارها طرفا مقابلا له، لم تعد تملك التمثيل الشعبي للثورة، ما يعني أنها طرفٌ غير مؤثر سورياً على الأقل.

استطاعت روسيا تحويل الصراع السوري من مدخل الحل السياسي القاضي بإيجاد مرحلة سياسية انتقالية إلى المدخل المتعلق بحل المسائل الإنسانية

بيد أن رفع مستوى توقعات بعض المسؤولين الروس ينطوي على مسألتين: أن روسيا تعتقد أن الولايات المتحدة باتت تتعاطى معها بوصفها دولة عظمى، على قدم المساواة، وأنها تسلم تماما برؤية موسكو وقدرتها على حل الصراع السوري. وأن روسيا استطاعت تحويل الصراع السوري من صراع سياسي إلى مجرد مسألة إنسانية، أي التحوّل من مدخل الحل السياسي القاضي بإيجاد مرحلة سياسية انتقالية إلى المدخل المتعلق بحل المسائل الإنسانية، بدءا من إدخال مواد تموينية وطبية، وصولا إلى إعادة الإعمار لاحقا، وربما عودة بعض من اللاجئين، سيما من دول الجوار.
في وسع روسيا أن تنتشي لشعورها بأنها نجحت في ما سعت إليه، سيما منذ تدخلها العسكري المباشر في الصراع السوري (سبتمبر/ أيلول 2015)، أي استمرار بقاء النظام، واستعادة مساحات شاسعة من الأرض السورية من المعارضة المسلحة. ولكن، عدا ذلك ثمّة مشكلات كبيرة تحول دون استقرار الوضع السوري، وتاليا دون استقرار الآمال الروسية المعقودة عليه.
ليس القصد هنا التحدث فقط عن الجانب الميداني/ العسكري، حيث ما يقرب من ثلث سورية هو عمليا تحت سيطرة الولايات المتحدة، وذراعها قوات سوريا الديمقراطية (قسد، شرقي الفرات)، ووجود تركيا عسكريا في الشمال والشمال الغربي على نحو 11% من سورية (سيما إدلب ومحافظتها)، ويأتي ضمن ذلك الوجود الإيراني المنافس لروسيا، واليد الطويلة لإسرائيل المنسقة مع روسيا.

استطاعت روسيا أخذ الملف السوري بيدها، لكن ذلك ما كان ليتم، لولا رضا الولايات المتحدة، بغض النظر عن اسم الرئيس الحاكم فيها وحزبه

فإضافة إلى تعقيدات الخريطة السورية في بعدها العسكري، ثمّة الضعف الكبير الذي بات يعتري واقع النظام، في الشرعية، والمؤسسات، والاقتصاد، والمؤسسة الأمنية، وهو ما حاول الأسد القفز فوقه في حديثه عن سورية الواقعة تحت حكمه أمنياً بقوة النظامين، الروسي والإيراني، وهو وضعٌ لا يوجد لروسيا ما تقدّمه في هذا الشأن، وهذا ما تدركه الولايات المتحدة جيدا، وتراهن عليه، سواء في سعيها إلى مزيد من توريط روسيا في الصراع السوري، أو في استنزافها وإرهاقها لها، كي تفهم بالطريقة الصعبة استحالة فرض حلٍّ على طريقتها، مع تمكينها بترك الأمور من دون حسم لمصلحة أي طرف.
نعرف هنا أن الولايات المتحدة تتصرف من كونها لا تتأثر بالصراع السوري، ولا بأي شكل، وأنها تملك الوقت لفرض ما تريد من دون أن تُتعب نفسها، أو من دون أن تبذل شيئا يُذكر. وهذا على عكس روسيا التي لا تملك سوى القصف، والتفجير، والتخريب، في حين أنها لا تملك كل الوقت للاستمرار بهذه السياسة، من دون أن تحصد شيئا يذكر، أقله حتى الآن.
في عودة إلى ما مضى، مؤكد أن روسيا استطاعت أخذ الملف السوري بيدها، لكن ذلك ما كان ليتم، لولا رضا الولايات المتحدة، بغض النظر عن اسم الرئيس الحاكم فيها وحزبه، هذا حصل في ما يتعلق بإزاحة بيان جنيف 1 (2012)، وحصل في تفسير منطوق قرار مجلس الأمن 2245 (2015)، وفي جولات التفاوض في جنيف، وجولات التفاوض الثلاثي في أستانة، وفي مداولات اللجنة الدستورية، وهو ما حصل، أيضا، في الصراعات الميدانية/ العسكرية، ومع كل ما تخلل ذلك من أهوال ومعاناة للشعب السوري.

لا بد من ملاحظة الخبث الكبير الذي بدا في موقف الولايات المتحدة بخصوص فتح معبر للمساعدات الإنسانية الأممية

لقد سلمت الولايات المتحدة لروسيا خلال السنوات الست الماضية إدارة الصراع السوري، إلا أن المسألة الأهم أنها حتى اليوم لم تسمح لها بحلّه، وهذا أمر على غاية في الأهمية، وينبغي تمييزه، وهذا هو المعنى الحقيقي لممانعة واشنطن التطبيع مع النظام السوري، وممانعتها إعادة الإعمار، وممانعتها عودة اللاجئين، ويخطئ كثيرا من لا يميز بين هاتين المسألتين. هذا يفترض التأكيد أن موقف الولايات المتحدة ليس بعيدا عن موقف إسرائيل التي لا تجد، حتى الآن، مصلحة لها في حل الصراع السوري.
بل لا بد هنا من ملاحظة الخبث الكبير الذي بدا في موقف الولايات المتحدة بخصوص فتح معبر للمساعدات الإنسانية الأممية، والتي ظهرت وكأنها تستجدي موافقة روسية على فتح معبر، مع وجودها الكبير في حوالي ثلث الجغرافية السورية، وإدخالها الأسلحة لـ”قسد” متى شاءت، ومع وجود تركيا في كامل الحدود الشمالية، ومع هذا الوضع الذي فرضته في شرقي الفرات ببضع مئات فقط من جنود أميركيين. كان حريا بهذا الخبث أن يلفت انتباه الخبراء أو المسؤولين الروس، بدل أن ينشغلوا بالحديث عن “نجاحاتٍ” حققوها إزاء الولايات المتحدة، أو بدل أن ينشغلوا بالأوهام بشأن التعاون المشترك معها، بقرب إيجاد تسوية للصراع السوري.

 

 

 

الكاتبة: سميرة المسالمة – المصدر: العربي الجديد