غموض وتحركات غريبة.. ماذا يحدث في دمشق؟

90

تعيش سوريا تحولات فرضتها أحداث غامضة تتسارع وتيرتها على الأرض. فالليرة السورية تنهار، والتظاهرات تملأ شوارع السويداء مطالبة برحيل الأسد، في ظل أنباء عن إطلاق نار وانسحابات للحرس الجمهوري في دمشق، نفتها الجهات الرسمية. لكن المشهد يبقى مرتبكا

يضاف إلى ذلك، الحرب المستعرة بين رامي مخلوف، الذي يسيطر على 60 بالمئة من ثروات البلاد، وبين الحكومة السورية، حيث يشتم المراقبون رائحة روسيا وراء إعادة ترتيب القوى الاقتصادية في سوريا، ومحاولة موسكو الاستحواذ على حصة من أموال البلد لقاء ما قدمته للأسد.

ما يحدث في سوريا اليوم لا يمكن فصله عما يحمله قانون قيصر للنظام السوري من أيام ستكون عصيبة عليه، وربما يدفع موسكو إلى التخلي عن حليفها الأسد حسب توقعات مراقبين.

وبعد تسع سنوات من الحرب الأهلية، تنذر الأوضاع في سوريا بكارثة إنسانية واقتصادية، وعودة التظاهرات إلى المربع الأول للمطالبة برحيل النظام الذي أثقل السوريين بالدمار والجوع مقابل بقاء الأسد في السلطة.

ويبدو أن النظام السوري يعيش حالة من حالة الصدمة الاقتصادية بسبب قانون قيصر الذي سيجعله في عزلة، في الوقت الذي لن يجد فيه أية مساعدة من قبل حلفائه سواء كانت إيران التي تعاني من عقوبات دولية، أو من روسيا التي أصبحت تتثاقل من فاتورة الحرب ودعمها لبشار الأسد، وفق ما قال محللون وخبراء لـ”موقع الحرة”.

ويشير هؤلاء إلى أن بشار الأسد يواجه وقتا عصيبا، إذ أنه لم يعد قادرا على السيطرة على المناطق التي تتبع للنظام، حتى أنه يتخوف من تخلي موسكو وطهران عنه، ولكنهم سيبقون متمسكين بدورهم في سوريا، والتي ليست بالضرورة أن تكون تحت قيادة الأسد.

ومع انهيار الليرة السورية وتردي الأوضاع الاقتصادية تجددت الاحتجاجات المناهضة للنظام السوري في مدينة السويداء الأحد والاثنين، حيث خرج العشرات بمظاهرات مرددين شعارات تدعو لإسقاط النظام.

مخاوف من تكرار سيناريو العراق

رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان قال في حديث لـ”موقع الحرة”  إن الأوضاع في سوريا تنذر بأنها ستصبح كالعراق في زمن عانت منه من الحصار والحرب معا، والذي لم يعد إلى مساره إلى بعد خلع نظامه بتدخل عسكري.

وأضاف أن المشهد الحالي داخل سوريا كشف عدم قدرة النظام على التعامل مع أولى بوادر الحديث عن قانون قيصر الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد نحو 10 أيام، مشيرا إلى أن العملة السورية فقدت أكثر من 80 في المئة من قدرتها الشرائية الأحد والاثنين، وبلغ سعر صرفها في الأسواق الموازية 3200 ليرة مقابل الدولار.

وزاد عبدالرحمن أنه ليس سرا أن موسكو تبحث عن بديل لبشار، وأنها تبحث عن إيجاد مجلس انتقالي يمكنه التعامل مع الأزمات والحفاظ على ما يمكن إنقاذه مما يسيطر عليه النظام حاليا، مؤكدا أن روسيا يمكن أن تتخلى عن الأسد بسهولة، ولكن لن تتخلى عن سوريا أبدا لأسباب استراتيجية وسياسية واقتصادية.

وحول الأنباء عن إطلاق نار وانسحاب الحرس الجمهوري من دمشق، أكد أنها لا تتجاوز كونها إشاعات، وليست أمرا حقيقيا، رغم أن بشار الأسد في أضعف حالاته الآن، وهو غير قادر على تسيير دفة الأمور كما كان يتعامل معها والده حافظ الأسد، والذي كان محاطا برجال أقوياء داخل النظام.

انقسام داخل النظام

الكاتب السوري مازن عزي أكد أن المشهد الداخلي في سوريا يكشف انقساما كبيرا داخل النظام، خاصة بعدم الخلاف ما بين رامي مخلوف وابن خاله بشار الأسد، حيث تشير بعض المعلومات إلى أن كل طرف يسعى للإطاحة بالآخر  بالتعاون مع أطراف روسية، فصحيح أن موسكو تدعم بشار، لكن مخلوف يرتبط معها بعلاقات اقتصادية هامة.

وأوضح عزي في حديث لـ”موقع الحرة” أن البنك المركزي السوري عاجز عن التعامل مع الوضع الاقتصادي في البلاد، حيث أوقف بيع الدولار في الأسواق الموازية بعدما وصلت أسعاره لمستويات قياسية تجاوز 3400 مقابل الدولار.

وأشار عزي إلى أن السوريين حتى الداعمين منهم للنظام يعانون من وضع كارثي بسبب تبعات الحرب، ومع دخول قانون قيصر حيز التنفيذ قريبا، فإن الأوضاع ستزداد سوء عما هي عليه، فحتى راتب الموظف العادي الآن أصبح بالكاد يعادل 20 دولار شهريا.

وتوقع أن تعود التظاهرات حتى في مناطق سيطرة النظام سواء كان في السويداء أم بريف دمشق، حيث عاد الناس للمطالبة بالإطاحة بالنظام وإعادة توجيه الأنظار نحو مكامن الخلل والفساد في سلسلة الحكم بدمشق.

وأكد أن روسيا ترى أن استثمارها في سوريا وأزمتها يشكل ميزة مضافة لها، ولكن هذا لا يعني تمسكها ببشار الأسد إلا أن استطاع معالجة المشاكل التي تظهر بشكل متكرر.

“مافيا المال”

يقول أحمد رمضان من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية إن النظام يتذرع بقانون قيصر من أجل التغطية على فشله وفساده، فالمعاناة الاقتصادية للمواطن السوري كانت موجودة دائما.

وأشار إلى أن الأزمة بأسعار الصرف التي ظهرت خلال اليومين الحاليين سببها من أسماهم “مافيا المال” والذين بدأوا بإخراج أموالهم خارج سوريا، ناهيك عما كشفته الأزمة من عدم وجود احتياطي من العملات الأجنبية أو حتى احتياطي من الذهب لدى البنك المركزي للحفاظ على استقرار الأسواق.

ويؤكد رمضان أن الروس والإيرانيين لم يعودوا قادرين على دعم نظام الأسد أكثر سواء على المستوى اللوجستي أو المالي، فموسكو أصبحت تطالب بفاتورة نفقات الحرب، وطهران لديها مشاكلها في داخل بلادها حاليا.

وذكر رمضان أن الأسد لم يعد مطروحا ليبقى رئيسا حتى في دوائر صنع القرار القريبة منه، فالكل يريد منه أن يرحل وتنتهي مأساة سوريا.

ويتخوف رمضان من أن استمرار حالة الفوضى التي سيستغلها تجار الحرب خاصة أولئك الذي يعملون مع حزب الله في لبنان، حيث ستزداد تجارة المخدرات من خلال 140 معبرا تسيطر عليه جماعات الحزب.

انهيار الليرة السورية

وقال المرصد السوري الاثنين إنه خلال الـ 24 ساعة الماضية، شهدت الليرة السورية انهيارا بشكل كبير أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى.

وترافق تآكل قيمة العملة مع ارتفاع جنوني لأسعار المواد الأساسية والأدوية، ناهيك عن فقدان العديد منها من الأسواق، ما ينذر بكارثة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها.

وسجلت الليرة السورية أمام الدولار في دمشق 3200 ليرة للبيع و3100 ليرة للشراء، وأمام اليورو 3616 ليرة للبيع و3498 ليرة للشراء، وأمام الليرة التركية 472 ليرة للبيع و455 ليرة للشراء، وفق المرصد.

أما في إدلب سجلت الليرة أمام الدولار 3600 ليرة للبيع و3500 ليرة للشراء، وأمام اليورو 4096 ليرة للبيع و3951 ليرة للشراء، وأمام الليرة التركية 531 ليرة للبيع و514 ليرة للشراء.

وبينما سعر الصرف الرسمي يعادل 700 ليرة مقابل الدولار.

وكان تقرير لوكالة فرانس برس قد عزا هذا الانهيار في سعر صرف الليرة السورية إلى المخاوف من تداعيات بدء تطبيق قانون قيصر في 17 يونيو، ناهيك عن الصراع ما رامي مخلوف رجل الأعمال وابن خال الرئيس السوري.

ويعيش غالبية السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير.

 

 

 

 

المصدر:الحرة