فضيحة أمريكية في سوريا

29

من المقاتلين الستين الذين دربتهم واشنطن لمقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، لم يبق إلا اثنان. 

أجل، تحصي التقارير الواردة من تركيا مقاتلين اثنين فقط هما كل من سلم من “الكتيبة” التي يفترض أن تعزز الحملة الدولية لتقويض “الدولة الإسلامية” تمهيدا للقضاء عليها، على حد قول الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

العام الماضي، طلبت الإدارة الأمريكية من الكونغرس 500 مليون دولار لتسليح المقاتلين السوريين المعتدلين وتدريبهم، على أن يكون ثلاثة آلاف منهم جاهزين للمعارك بحلول هذه السنة. 

وبعدما تعذّر تجنيد أكثر من 60 مقاتلا مستعدين لمحاربة “داعش” دون قوات النظام السوري، دفع بهم مدربوهم الأمريكيون منتصف تموز إلى الحرب دونما ضمانات للحماية، إلا طبعا الوعود الكلامية بـ”حماية الحلفاء” على الأرض. 

ومذ ذاك، خطف من خطف، وقتل من قتل، وهرب من هرب. أما المأساة الكبرى فتكمن في إقرار مسؤولين أمريكيين، استنادا إلى صحيفة “نيويورك تايمز”، بأن واشنطن لم تتوقع هجوما من “جبهة النصرة” على هؤلاء المقاتلين، كأن تنظيم “أبو بكر الجولاني” فريق للدفاع المدني وليس فرعا من تنظيم “القاعدة” تدرجه واشنطن ذاتها على لائحة المنظمات الإرهابية.

برنامج تدريب المعارضة ليس الفضيحة الوحيدة في السياسة الأمريكية في سوريا. التسوية التي أمكن التوصل إليها بين واشنطن وأنقرة بعد طول انتظار ليست أكثر تماسكا. 

فتح قاعدة أنغرليك أمام مقاتلات الائتلاف الدولي يعدّ خطوة مهمة في “استراتيجية” القضاء على “داعش”، لكونها تقصّر المسافات على مقاتلات الائتلاف التي تأتي من الخليج، التي صارت قادرة على الانطلاق من مدينة حدودية مع سوريا، وتاليا توفر ملايين الدولارات. 

وهي مهمة خصوصا؛ لأن مشاركة تركيا في الائتلاف الدولي المناهض لـ”داعش” تعزز السياسة الأمريكية حيال هذا التنظيم المتشدد، ويُفترض أن تساهم في قطع طريق إمداد رئيسي له بالعتاد والمجندين. 

لكن ما حصل ويحصل على الأرض هو العكس تماما، إذ إنه يزيد أضعاف المواجهة مع “داعش”. فبدل أن يدعم الاتفاق المقاتلين المؤيدين للائتلاف، ويطمئن المزيد منهم للانضمام إلى المعركة، ها هو أعطى الضوء الأخضر لأنقرة لقصف “وحدات حماية الشعب” الكردية.

وبذلك تستغل تركيا الاتفاق لإضعاف الشريك “الأرضي” الأكثر فاعلية للائتلاف المناهض للتنظيم. وعلى هذه الحال، ستصير المنطقة الآمنة التي يفترض أن تكون خالية من “داعش” لتضييق الخناق عليه، تمهيدا للقضاء عليه، منطقة خالية من الأكراد، بجهد تركي ومباركة أمريكية!

تدريب مقاتلين وتجهيزهم ودفعهم إلى مصيرهم في مواجهة جحافل المسلحين في سوريا ليس إلا إخفاقا ذريعا متوقعا لبرنامج تدريب المعارضة. 

وربما الأفضل أن تقفل أمريكا معسكراتها للتدريب قبل أن تدفع بمزيد من الأرواح إلى الهلاك. أما السماح لأنقرة بتصفية حساباتها مع الأكراد وقتل حلفائها على الأرض، فهو سابقة تضاف إلى السياسات الأمريكية الجوفاء لسوريا.

 

موناليزا فريحة

النهار اللبنانية