في ذكرى الثورة.. سياسيون سوريون للمرصد السوري: عشر سنوات من الانقسام السوري والحرب التي دمّرت البلاد والعباد

50

برغم كل الخسائر الاجتماعية والاقتصادية والبشرية وكل الأسى الذي عاناه السوريون ظلّ نهج الثورة والتظاهر مستمرا.. عشر سنوات من المطالبة بحياة آمنة وكريمة وبالحرية التي دفع السوري ثمنها باهظا..
لم تكن الانتفاضة السورية سهلة بل كانت الأصعب على الإطلاق والأكثر قسوة.. انطلقت سليمة مسالمة بروح شبابية تاقت إلى الحياة الحرة ممهورة بمئات الآلاف من الشهداء والمعتقلين والمغيبين والنازحين واللاجئين.. ثورة كانت على شكل حراك شعبي عفوي ، وانتهت بتدخلات أجنبية مقيتة أزمت الوضع وحوّلت سورية إلى أكبر حروب القرن 21 وجوّعت شعبها وقسّمت أرضها.. لم تكن سهلة على العامل والموظف والسياسي والمواطن العادي والفنان والشاعر.. ثورة كتبت بدماء أبنائها لتستمر حتى بلوغ غاياتها النبيلة.
يقول المحامي حسين السيد، عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر القوى الوطنية السورية، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن المجزرة المفتوحة على الشعب السوري منذ عشر سنوات لم تنل من عزيمته وإصراره، برغم الصمت الدولي المشبوه الذي وصل حدَّ التواطؤ العلني المفضوح ..
“لقد مضى عقد كامل من الزمن، ومالا يزال السوريون الأحرار فرسان الحرية والكرامة صامدين على مبادئ ثورتهم مصممين على تحقيق أهدافها و انتزاع النصر وصولاً إلى سورية المحررة من الأسد وعصابته ومن الاحتلالات المتعددة جميعا.”
وأضاف: ” الثورة السورية العظيمة، كانت الكاشفة لزيف الذين يتغنون بحقوق الإنسان، في الوقت الذي يكيلون الطعنات المتتالية لجوهر الوجود الإنساني برمّته ، وكانت الفاضحة لألاعيب الطغاة والمستكبرين الذين عطلوا مؤسسات المجتمع الدولي في قمة هرميتها عن القيام بدورها المنوط بها .. والعالم المتحضر يتفرج ويراقب وينتظر مآل هذا الإجرام المتفاقم على شعب ثار من أجل حريته وكرامته، الأمر الذي منح كل الفرص للنظام الفاشي البوتيني، وللإجرامية الدموية الموروثة لنظام ملالي الشر في طهران، لارتكاب كل هذا الفجور بحق شعبنا الصامد…ولعل المتراخين المنبطحين المزورين لإرادة شعبنا وتمثيل ثورته عبر رهنهم للقرار الوطني السوري، وارتهانهم لأجندات الدول المتدخلة في سورية وارتباطهم الوظيفي معها، أسهم في تسهيل مهمة الطامعين الذين هالهم أن تحقق ثورتنا انتصارها الحقيقي لما لذلك من تداعيات تفتح أبواب التغيير وبرامجه على مصراعيها في المنطقة.”
وختم محدثنا بالقول، ” باسمي وباسم مؤتمر القوى الوطنية السورية نؤكد للعالم أجمع أننا ما زلنا متمسكين بحق السوريين في استرداد قرارهم الوطني السيادي وإنهاء حالة التبعية الوظيفية للآخرين ومصممين على وحدة سورية أرضاً وشعباً وصيانة استقلالها وسيادتها ورفض مشاريع التقسيم الدولية تحت أية مبررات يضعها الغرباء ، مع رفضنا الكامل والقطعي لجميع أشكال المحاصصة الطائفية والسياسية في سورية الجديدة، وإننا على هذا العهد باقون ، وبثورتنا مستمرون ، ومن أجل سورية الحرة صامدون ..صامدون ..صامدون .وعلى تحقيق النصر عازمون مهما بلغ حجم التضحيات .. المجد للشهداء والحرية للمعتقلين، والشفاء للجرحى ،والنصر المؤزّر لثورتنا”.
من جانبه، يرى رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان والحقوقي المعارض البارز مروان حمزة، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الشعب السوري عاش 10 سنوات من التدمير والتشرد والنزوح والتهجير واللجوء والموت والاختفاء والاعتقالات والكثير من الانتهاكات بحق المدنيين وغيرها من أشكال القسوة.. وكل ما يؤلم يحصل هنا في سورية.
وأضافت حمزة: ” سورية اليوم أصبحت حلما بعيد المنال لأغلب أبنائها الذين يحلمون بدولة مواطنة تحترم حقوقهم وواجباتهم لأنها ببساطة أصبحت ساحة ورهينة صراعات سياسية دولية وتنظيمات إرهابية وقوى غربية جاءت لتتقاسم ثروات سورية ولتزيد من المعاناة الإنسانية من 15 آذار /مارس 2011 إلى اليوم، وخاصة مع ازدياد الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني وتراجع سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار إلى درجة أن المواطن السوري إلى حالة كبيرة من اليأس بقرارات الحكومة الخاطئة التي أسهمت بدرجة كبيرة في تفاقم الوضع المعيشي الاقتصادي للمواطن السوري إذ أصبح المواطن يقضي نصف يومه لتأمين ربطة الخبز ” وظلت وقفته في طوابير الغاز والمازوت والبنزين والتموين إهانة لكرامته”.
وتحدّث مروان حمزة عن محافظة السويداء التي لم تعرف تدميرا وخراب الحجر كباقي المحافظات السورية ولكن حصل ما هو أصعب وأقسى وهو دمار البشر، موضحا أنه ” من 2011 إلى اليوم زدات أعمال السرقة والقتل والخطف والخطف المتبادل وانهيار منظومة الأخلاق وخاصة في صفوف الشباب وانتشار المخدرات والسلاح العشوائي وتشكيل بعض العصابات والجماعات المسلحة التي توقع الأبرياء في شرها ، فكل يوم نستيقظ على أخبار قتل وسطو وخطف واختفاء دون تدخل أي أحد من رجال الأمن أو الشرطة ودائما يأخذون دور المتفرج من بعيد، وللأسف نحن في بلد أصبح الأمن والأمان مفقودا بالكامل، وأصبحت شريعة الغاب سائدة فيه”.
ووصف الحقوقي البارز الوضع في سورية بالمأساوي بكل المقاييس وخاصة مع تلك العقوبات الدولية التي لم تمسّ إلا المواطن السوري الذي أصبح كل همّه هو تأمين قوت يومه وثمن ربطة خبر لأولاده، في حين يروج النظام أن ذلك بسبب قانون قيصر بينما يعلم الجميع مسؤولية النظام في الوصول إلى هذا الوضع المأساوي.
ولفت ضيفنا إلى أن النظام يتهيّأ لتنظيم انتخابات صورية أمام نسبة كبيرة من اعتراضات المواطنين على ذلك في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة، وقال:” انكشفت لعبة النظام ومندوبيه في تعثر اللجنة الدستورية وفشلها في مناقشة الدستور وإقراره كما كان متفقا للتمهيد لتلك الانتخابات (المهزلة) والتي يكون فيها رأس النظام مرشحا ورئيسا للمرة الرابعة من سنة 2000 إلى 2028 دون أي اعتبار لنتائج المأساة السورية المستمرة منذ 2011 وذلك في انتهاك صارخ لكل مبادئ حقوق الانسان والأعراف الدولية المتفق عليها في كل العالم”..
وغير بعيد عن نفس السياق، تساءل المحلّل السياسي والصحفي ياسر البدوي، في حديث مع المرصد، عمّا حقّقته الثورة السورية في عامها العاشر، مشيرا إلى أن الإنتفاضة دخلت التاريخ لأنها تعكس عقارب العلاقات الدولية وجعلت القوى العظمى تعيد اختبار قواها على الأرض السورية .
وقال ياسر ، إنّ الثورة حطّمت نظام الأسد الذي بنى جذورا إقليمية ودولية صعبة التفكيك كما بنى نظامه العسكري والاقتصادي والسياسي والاجتماعي لمحاربة الشعب السوري وليس أعداء الشعب السوري ،وجاءت الثورة لتعري هذا النظام الذي كان وكيلا للقوى الطامعة بسورية ما تسبب في كل الخراب والدمار بتحالفه مع الايرانيين الذين ينتقمون من العرب والمسلمين إلى جانب الروس، ومع ذلك بقيت الثورة مستمرة، ولفتت أنظار العالم إلى وحشية وكذب النظام وحلفائه، وفق تعبيره.
وختم بالقول: “انتصرت الثورة لأنها حطمت أخطبوط الخوف الذي حوط الشعب السوري واليوم كل تفكير العالم يتجه إلى التخلص من نظام الإجرام، وإعادة السلام إلى سوريا وإيجاد نظام يحقق العدالة، وبدأت البوادر بالدعوات إلى مجلس عسكري انتقالي يقود مرحلة انتقالية وفق القرارات والمعايير الدولية”.
من جهته،يعتبر حسن عبد العظيم، الناشط القومي اليساري والمنسق العام “لهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي”، في حديث مع المرصد، أن “سورية بعد مرور عشر سنوات على ثورة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية بقيت صامدة برغم التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب والأوضاع الكارثية التي تعرض لها من قبل النظام القائم وتصميمه على الحل الأمني العسكري قمعا واعتقالا وتعذيبا وتدميرا ونزوحا وتهجيرا وأوضاعا معيشية منهارة وفقدانا للمواد النفطية والغازية والمواد الغذائية والصحية وأزمات الخبز والمازوت وانهيارا اقتصاديا وماليا وموجات غلاء، وانهيارا لأسعار الليرة السورية بلا توقف وبرغم تفشي البطالة واتساع دائرة الفقر والجوع وانتشار الوباء والأمراض المعدية وتعاظم موجة النهب والفساد المعمم وجرائم الخطف بهدف الفدية والابتزاز وخطف الأطفال وفقدان الأمان وتواطؤ بعض أجهزة الأمن والدفاع الوطني”.
وأضاف عبد العظيم:” يبدو أن لقاء المسؤولين الروس والأتراك مع الدول الخليجية في الدوحة والرياض تصب في هذا الاتجاه وفي الضغط على النظام ولجنته الدستورية للانخراط.في الجولة القادمة دون تعطيل عمل اللجنة الدستورية المصغرة بأطرافها الثلاثة”.
بدورها، تحدثت الشاعرة السورية ليندا عبد الباقي، للمرصد،قائلة إن سورية عاشت عشر سنوات من الدمار النفسي والروحي والاقتصادي قسمت المجتمع إلى فئات، فئة متضرري الحرب من المعاقين جسديا والمفقودين والمشردين،وفئة التجار المنافقين وسماسرة الحرب والبشر،وهذا خلّف طبقتين أيضا: طبقة الفقراء المعدمين وطبقة رأسمال المجتمع من المحتالين.
وأوضحت عبد الباقي أن “السماسرة ساهموا في غلاء الأسعار، في حين طبق قانون قيصر فقط على الطبقة المسحوقة وهذه الطبقة ذاتها قدمت الكثير من الشهداء للدفاع عن الوطن الذي ينعم به الأثرياء، وكثير من الشعراء الذين ينتمي معظمهم إلى الطبقة المسحوقة حاولوا جاهدين التعبير عن حالة الذل والقهر والموت والدمار بالحرف مما جعل شهاداتهم خلال هذا العقد المرير لا تخلو من مفردات الحرب والأحزمة الناسفة لكل مقومات الجمال التي تناثرت مع شظايا الحرب فوق رؤوس الأبرياء”.
أما طالب ابراهيم، ممثل حزب سوريا المستقبل في أوروبا، فقد أوضح في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، عمق الجروح والمأساة بعد 10 سنوات من عمر الأزمة السورية، مع أكثر من 7 ملايين لاجئ سوري في دول الجوار وأوروبا والعالم، وأكثر من 10 ملايين نازح ومشرد في الداخل السوري، ومع الانهيار الاقتصادي المتواصل، والانهيارات السياسية والفكرية والاجتماعية والأخلاقية، ومع الانقسامات العمودية والأفقية في المجتمعات السورية، وأكثر من 80% منها في الداخل جوعى، وعقوبات غربية قاسية يدفع ثمنها بالدرجة الأولى السوريون، وتقاسم الأرض السورية بين ثلاثة مشاريع، مشروع النظام السوري المأزوم وعجزه عن القيام بأي دور سوري حقيقي بحكم الوصاية الروسية الإيرانية، ومشروع المعارضة السورية في المناطق المحتلة بإدارة تركية، ومشروع الإدارة الذاتية بإدارة محلية، وتحالف غربي لإدارة الحرب ضد داعش.
وقال:”على هامش المشاريع الثلاثة، تعقد التحالفات، ويغيب حل واضح يضع حداً للكابوس السوري المتواصل”.
وتطرّق محدّثنا إلى إنشاء التحالف الغربي في سورية، الذي اعتمد مناطق شمال وشرق سورية، كقاعدة انطلاق لمحاربة داعش، وما يحمله ذلك من مقدمات للتنافس على مناطق نفوذ أمريكي روسي، لتدخل تركيا كطرف رئيسي، وتقلب خارطة المنطقة رأساً على عقب.
ولفت إلى أن إدارة الرئيس بايدن تُظهر مقدمات لسياسة أمريكية جديدة في المنطقة، لم تظهر تفاصيلها حتى الآن، برغم تسلم شخصيات أمريكية سياسية، مناصب مهمة فيما يتعلق بالشرق الأوسط، شخصيات كان لها مواقف سلبية من النظام السوري، ومواقف حدية من الاحتلال التركي.

واتهم طالب إبراهيم تركيا باستغلال الحرب السورية لاحتلال مدن سورية كبيرة، وشريط كبير في الشمال السوري، مستعملة صنوف المعارضات السورية، سياسية وإعلامية وجهادية وغير جهادية. كما استثمرت في بناء تحالفات إقليمية ودولية.
أمّا روسيا فتعيد بناء تحالفاتها “الآنية” بدون أية استراتيجية واضحة لعلاج الأزمة السورية المتراكبة، ورشح عن ضبابية هذه الاستراتيجية تحالف جديد ضم قطر وتركيا، واستثنى حليفها “القريب- البعيد” إيران التي حصلت مسبقاً على ثمن تدخلها العسكري في سورية، بقاعدتين كبيرتين في الأراضي السورية وبالمجان، وساحة حرب حقيقية لتجريب مختلف صنوف أسلحتها وبالمجان، وعادت لتمارس سطوة الدولة العسكرية في مربع التنافس الدولي. وفي سياق إعادة سيطرتها ورسم دور إقليمي ودولي، يغيب تماماً أي أمل في قيامها بنسج حل سوري، إلا من زاوية مصالحها، واستكمال ترتيب دورها.
وأردف: “تستمر إيران في توسيع نفوذها الإقليمي، برغم كل الضربات التي تتعرض لها قواتها وميليشياتها من قبل أمريكا وإسرائيل، وبرغم وجود تحالف خليجي غير كامل لمواجهتها،في حين تستغل الأزمة المعيشية الكبيرة في سورية للقيام بعمليات تجنيد للأهالي عسكرياً وايديولوجيا”ً.
ووفق محدثنا تنقسم سورية اليوم بين هذه القوى، بدون أن يظهر في الأفق حتى الآن ما يوحي بالحل. وتبدل التحالفات وتغييرها، وتغيير القوى المؤثرة في كل تحالف يشير إلى استمرار الأزمة السورية على ما هي عليه.
ويختم بالقول: “لكن حتى القصيدة باتت في هذا الزمن خلبية وسط ضجيج المدافع، لذا كان الدمار الحضاري والثقافي أشد وطأة، وانتحارا حقيقيا للحرف بسبب الابتعاد عن المراكز الثقافية وانحسار الأمسيات الشعرية وعن الكِتاب والكاتب أيضا لأنهم انشغلوا باللهاث وراء الرغيف الذي بات حلم الأغلبية.. الحروب جرائم نكراء بحق الإنسانية ولعنة النفس البشرية تحل على كل من ساهم فيها.”