في ظل الحديث عن أن سورية أصبحت آمنة.. الشباب السوريون يهاجرون هربًا من قبضة النظام الأمنية والأوضاع الاقتصادية الصعبة نحو أوروبا ودول عربية أُخرى

30

بعد مضي نحو عقد على الحرب المستمرة في سوريا أسهمت في تراجع الواقع المعيشي لحد كبير وانهيار الاقتصاد وغلاء المعيشة وغياب الأمان وقبضة النظام الأمنية التي لم تتغير رغم ما حل بسوريا، جميعها أسباب ساعدت أن يصبح من المعتاد يومياً أن ترى الطوابير الطويلة أمام مكاتب الهجرة والجوازات في معظم المحافظات السورية لسوريين غالبيتهم من الشباب ينتظرون دورهم للحصول على إذن الخروج من بلدهم، وعلى الجانب الآخر يلاحظ تزايد أعداد الشباب الذين يسعون للهجرة بطرق أخرى غير الطرق الرسمية، حيث شهدت عموم المناطق السورية وعلى اختلاف جهات المسيطرة عليها في الآونة الأخيرة تزايداً في أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء سواء كان عبر الطرق الرسمية أو عبر طرق التهريب الغير شرعية، بدءا من مناطق سيطرة قوات النظام و مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية ومناطق سيطرة الفصائل الموالية لتركيا و وصولًا إلى مناطق هيئة تحرير الشام، لكن في مجملها تؤدي لسببين أساسيين وهما غياب الأمن وتردي الواقع المعيشي للشباب الذي يتطلع لواقع ومستقبل أفضل بحسب العديد من الآراء والشهادات التي رصدها نشطاء المرصد السوري خلال إعداد هذا التقرير،
أما الوجهات الأساسية التي يقصدها السوريون في موجات الهجرة الجديدة التي تصاعدت في الآونة الأخيرة فهي تركيا وبيلاروسيا بهدف الوصول إلى دول الإتحاد الأوروبي، ونسبة أخرى تقصد دول عربية مثل دول الخليج ومصر، كما تختلف التكاليف من طريقة لأخرى بحسب الطريقة المتبعة بالهجرة إن كانت عبر الطرق الرسمية كـ الإنطلاق من مطار دمشق الدولي أو طرق التهريب الغير شرعية والتي عادة ما تكون محفوفة بالمخاطر.

و تبدأ رحلة الهجرة الغير شرعية للراغبين بها من مناطق سيطرة النظام بالخروج من المنطقة باتجاه إما لبنان والأردن أو إلى الشمال السوري غالباً، عبر مهربين بمقابل مالي يتراوح ما بين 2500 و 3500 دولار أمريكي على الشخص الواحد، ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الدخول للأراضي التركية عبر طرق التهريب بتكلفة تتراوح ما بين 600 إلى 2000 دولار أمريكي

ومن تركيا تجري عملية التهريب إلى دول أوروبا بتكاليف مختلفة قد تبدأ بسعر 3500 يورو وقد تصل إلى 10000 يورو، أما الأشخاص الذين يتواجدون أساساً في الشمال السوري فستكون التكاليف أقل من ذلك لأن طرق التهريب من مناطق سيطرة النظام تعتبر ذات تكلفة كبيرة بسبب خطورتها وضرورة أن يتم دفع أموال لضباط و متنفذين في النظام للتعاون مع “المهرب” وتسهيل تهريب المدنيين لاسيما الشبان والمطلوبين للخدمة الإلزامية، وعن أهم الأسباب التي تدفع الشاب السوري للهجرة في الآونة الأخيرة هي شعورهم بالتقييد وعدم القدرة على الإنجاز في حياتهم الدراسية والعملية وعدم وجود بيئة يستطيعون من خلالها التقدم وتحقيق طموحاتهم فضلاً عن الوضع الأمني الراهن في جميع مناطق سوريا من اعتقالات وقبضة أمنية في مناطق النظام و تجنيد إلزامي في بعض المناطق مثل شمال شرق سوريا الواقعة تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” ومناطق سيطرة النظام أيضا، والواقع الأمني السيء في مناطق سيطرة فصائل المعارضة وتحرير الشام، إضافة للواقع المعيشي المتردي وصعوبات الحصول على فرص للعمل.

تظهر ملامح الحزن على وجه المسن (خ.م) من منطقة جبل شحشبو في ريف حماة الغربي بعد أن مضى 7 سنوات على هجرة ثلاثة من أبنائه إلى تركيا وألمانيا، وفي حديثه للمرصد السوري يقول، أن أبنائه يعملون في “مطاعم الشاورما” منذ صغرهم وقد باتوا اليوم شباناً تتراوح أعمارهم ما بين 28 و 35 عاماً وقد أجبرتهم ظروف المعيشة على الهجرة من سوريا إلى تركيا ثم توجه أحدهم منذ عامين لألمانيا

مضيفاً، أنهم استطاعوا تأمين عمل لهم وافتتاح مطعم خاص بتركيا بعد طول هذه المدة من الهجرة، وفي الوقت الذي يتمنى رؤيتهم إلى جانبه يعود من جديد ليحثهم على البقاء في مهجرهم رغم رغبته بعودتهم لعدم وجود ما يشجع على العودة خصوصاً بعد أن حطت به الرحال في أحد مخيمات منطقة دير حسان في ريف إدلب الشمالي ونزوحه مع باقي أفراد عائلته مطلع العام 2019

مشيراً، أن الأحداث الدامية التي عصفت بسوريا أضرت بشكل كبير فئة الشباب الذين أصبح الواحد منهم إما مجند في فصيل أو موظف لا يكفي مرتبه لسد رمق عائلته أو آخر يبحث عن عمل ولم يعد هناك ما يمنح الشباب الأمل بالبقاء فلا وجود لحل سوى الهجرة.

بعيداً أكثر وفي أحد المنازل التي منحتها لها إحدى الجمعيات المعنية باللاجئين السوريين في مدينة “بوردو” الفرنسية تقيم السيدة ( س.م) التي لجأت لفرنسا برفقة عائلتها منذ العام 2017، بعد وفاة زوجها، وفي حديثها للمرصد السوري تقول، أنها من ريف إدلب الجنوبي والسبب الذي دفعها للهجرة هو رغبة ابنها الذي كان يبلغ من عمره حينها 17 عاماً بالانضمام لإحدى الفصائل العسكرية وسبب آخر يعود لتردي وضعها المعيشي

وتضيف، أنها توجهت لتركيا عبر طرق التهريب برفقة ابنها وابنتيها بعد دفعها لمبلغ 2000 دولار أمريكي ثم ساعدها أحد أقاربها في إيجاد طريق تهريب عبر البحر إلى اليونان بتكلفة سبعة آلاف دولار أمريكي ومنها توجهت لفرنسا لتستقر فيها، وقد وجدت فرقاً كبيراً في حياة عائلتها بعد هجرتها لفرنسا حيث وجدت المطلب الأساسي لها وهو الأمان على حد تعبيرها

وتشير (س.م) أنها تستلم مبلغ مالي يقدر بنحو 2000 يورو شهرياً فضلاً عن تكفل الجمعية بدفع إيجار منزلها ومنحها بطاقة تستطيع من خلالها شراء معظم الاحتياجات الشهرية بسعر مخفض من المولات، ولا تقاس طبيعة الحياة التي تعيشها في فرنسا بالمعاناة التي عاشتها في سوريا

وتبرر أخيراً لجميع من يرغب بالخروج من سوريا في هذه المرحلة التي تعتبر أصعب من المراحل الفائتة فمن حق الجميع أن يبحثوا عن مكان يعيشون فيه بعيداً عن الحرب والجوع والمعاناة بسبب استمرار الوضع على ماهو عليه في سوريا وعدم وجود حل يشجع الجميع للعودة.

ويجد طالب اللجوء أو المهاجر من سوريا العديد من الصعوبات أثناء رحلة اللجوء على اختلاف أنواعها براً وبحراً وجواً فمن أبرز هذه الصعوبات هي تأمين التكلفة المالية الباهظة لاسيما عبر”طرق التهريب” التي أصبحت تجارة ومصدر ربح للكثير، ثم طرق التهريب المتعبة والمحفوفة بالمخاطر بدءاً من الحدود السورية التركية ثم من تركيا إلى اليونان ومنها إلى دول”الإتحاد الأوروبي، ومن جانب آخر هناك صعوبات إضافية تقع على السوريين الذين يسلكون طرق التهريب من مناطق سيطرة النظام إلى دول مجاورة أو إلى الشمال السوري، ومن مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” الذين يتوجهون غالباً للهروب نحو “كردستان” أو إلى المحافظات العراقية المحاذية، ومنهم من يتوجه إلى مناطق الشمال السوري لينطلق من خلالها إلى تركيا، وبجميع تلك الحالات هناك مخاطر أمنية تهدد حياتهم وتعرضهم للخطر.

و بوتيرة متصاعدة تستمر الهجرة للسوريين رغم فرض العديد من الدول لإجراءات صارمة على حدودها لمنع تدفق المزيد من اللاجئين لأراضيها مثل تركيا التي تزيد من حدة تعاطيها مع الذين يحاولون الدخول لأراضيها عبر طرق التهريب حيث شهدت الفترة الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في أعداد الاعتداءات بحق سوريين على الشريط الحدودي الفاصل ما أدى لسقوط العديد من الشهداء على يد قوات حرس الحدود التركية”الجندرمة” وبحسب توثيقات “المرصد السوري” فقد قتل على يد قوات حرس الحدود التركية”الجندرمة” منذ بداية أحداث الثورة السورية في العام 2011 نحو 433 شخصاً من بينهم 41 امرأة و 77 طفلاً.

كما شددت مؤخراً السلطات في كل من بيلاروسيا وبولندا من الإجراءات حيث صرح وزير الدفاع”البولندي” في وقت سابق بتاريخ 23 آب/أغسطس الفائت أن بلاده شددت من إجراءاتها على الحدود مع بيلاروسيا، حيث نشرت نحو 900 جندي على طول الحدود البولندية مع بيلاروسيا التي تزيد عن “419 كم” كما عمدت “السلطات البولندية” إلى بناء سياج بارتفاع “2.5 متر” مع طول حدودها مع بيلاروسيا.

وكان نشطاء سوريون قد أطلقوا بتاريخ 26 أيلول/ سبتمبر الفائت حملة تضامنية و هاشتاغ حمل عنوان “Save syrians between Belarus and poland” للمطالبة بالوقوف إلى جانب 51 مهاجراً سورياً من أصل 688 مهاجر من دول وجنسيات مختلف عالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا حيث ترفض السلطات في الدولتين استقبالهم رغم اقتراب فصل الشتاء وشدة البرد على الحدود ونفاد كمية الطعام والشراب لديهم، وأكد النشطاء أن من بين العالقين نساء وأطفال يعانون ظروف صحية ونفسية صعبة.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الدول بدأت مؤخراً بإطلاق التصريحات الداعية لعودة اللاجئين السوريين على أراضيها إلى بلدهم كانت آخرها العديد من التصريحات العنصرية لمسؤولين أتراك وقبلها لبنان الأردن وغيرها بزعم أن سوريا أصبحت “آمنة” بل وتحولت هذه المطالب لمناكفات وخلافات داخلية في هذه الدول، في الوقت الذي تستمر حركة الهجرة من سوريا لاسيما من فئة الشباب من صناعيين ونشطاء ومثقفين وغيرهم من فئات المجتمع السوري دون حلول جذرية تنهي هذه المأساة.