ف.م.. قصة سورية فقدت ذويها وغرقت في معاناة وأوضاع إنسانية صعبة بصحبة أطفالها

28

تغص مخيمات الشمال السوري بآلاف القصص لنساء تجرعن مرارة الفقد والأحوال المعيشية الصعبة، بعد أن تركهن أزواجهن مع أطفالهن الذين يحاولن أن يعملن من أجل تأمين تربية جيدة لهم، فما من عائلة إلا وفقدت زوجا أو أخا أو أبا، ما بين معتقل وشهيد، لتبقى النساء الضحية الأكبر. السيدة ف.م التي تنحدر من قرية “شهرناز” الواقعة بجبل “شحشبو” في ريف حماة الغربي، هي واحدة من تلك النساء اللاتي تعرضن لمرارة الفقد والأحوال المعيشية الصعبة، فعلى الرغم من صغر سنها الذي لا يتجاوز 35 عاما، فإن جسدها الهزيل ووجهها الشاحب، يدلان على حجم المعاناة فقد فقدت الأب ثم الأخ ثم الزوج، ثم وجدت نفسها تلعب دور الأب في تربية أسرة مكونة من 4 أفراد.

تروي “ف.م”، في شهادتها لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، تفاصيل معاناتها وقصة استشهاد 3 من ذويها، حيث تقول: “عمري 33 عاما، عشت ضمن أسرة فقيرة وكبيرة العدد، عانيت بشدة قبل أن أتزوج، حتى أنني لم أتمكن من إكمال تعليمي، فقد درست للصف السادس الابتدائي فقط، وتزوجت في سن مبكر. ومع اندلاع الأحداث السورية، كانت عائلتنا من أوائل من خرج في المظاهرات التي طالبت بالحرية، فشقيقي الأكبر كان من المشجعين لها ودعا للتظاهر على المنابر يوم الجمعة، حيث كان يعمل خطيب مسجد، أما زوجي فقد شارك في جميع المظاهرات وساهم في انشقاق عناصر وضباط للنظام، ووالدي  أيضا كان يستقبل الناشطين الذين يحضرون للحراك السلمي في منزله. كانت تلك هي الأسباب التي عجلت من فقداني لهم في غضون 3 سنوات فقط، حيث قتل والدي وزوجي في نفس العام، ثم تبعهما شقيقي بعد أقل من عامين”.

وتابعت “ف.م”، في شهادتها التي حصل عليها “المرصد السوري”، أنه “في 28/5/2012، خرج والدي البالغ من العمر 58 عاما، من منزله باتجاه أرضه الزراعية الواقعة بمنطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي من أجل زراعتها. وأثناء ذلك، كان هناك رتلا من السيارات لعناصر موالين للنظام من قرية الرصيف، أطلقوا النار عليه من بعيد، ليسقط شهيدا في سبيل تأمين لقمة عيش أسرته. كانت تلك هي أولى الحوادث المؤلمة التي أثرت بي تأثيرا كبيرا، ولكنني لم أكن أعلم أنها ستكون بداية للمزيد، فبعد استشهاد والدي بشهر تقريبا، استشهد زوجي الذي كان من أوائل نشطاء الحراك السلمي، ولكن قصة استشهاده لا تشبه باقي القصص، فلم يقتل بسبب النظام ولا حتى في معركة أو عن طريق القصف، بل سقط قتيلا على يد صديقه الذي كان يرافقه بشكل دائم في جميع تحركاته، حيث عمل زوجي في أيامه الأخيرة على تأمين انشقاق عناصر قوات النظام، وتأمين السلاح الفردي لعناصر الجيش الحر. وفي 15/6/2012، حصل زوجي على مبلغ كبير من المال لشراء السلاح من أحد التجار في سهل الغاب وانطلق بسيارته، قاصدا منزل صديقه الذي تواصل معه عبر الهاتف ليدعوه لشرب الشاي، وذلك حسب ما اعترف به. وبعد وصول زوجي للمنزل، وضع صديقه حبوب مخدرة له في الشاي، وتواصل مع شخص آخر يساعده في الجريمة، حيث قاموا بشنقه باستخدام خيط بيجامته، ثم وضعوه في سيارته بعد سرقة مبلغ مليوني ليرة سورية، بالإضافة لقناصة وكلاشنكوف ومسدس ولاب توب وجوال وعدد من القنابل اليدوية”.

وأضافت السيدة “ف.م”: “وضعوا زوجي في سيارته وقاموا بتغطيتها بالبلوك، إلى أن فقدناه وبدأنا البحث عنه بكل المنطقة، ليتمكن أهالي القرية من إمساك الفاعل وقتله بعد اعترافه. أما شقيقي، فقد قتل في 25/8//2015، إثر قصف صاروخي تعرضت له القرية. أثر في فقدهم بشكل كبير، ثم بدأت معاناتي مع الفقر الشديد وتربية أطفالي وإعالتهم، وعلى الرغم من استشهاد زوجي بقيت في منزلي مع أطفالي لإعالتهم، حيث يبلغ عمر الأكبر من أطفالي 16 عام. بعدها، توجهنا في عام 2017  إلى تركيا وعملنا كعمال في الأراضي الزراعية، حتى جمعنا مبلغ من المال وقمت بافتتاح محل ألبسة نسائية في القرية، أستعين به على تكاليف الحياة ومتطلباتها. بعد ذلك، بدأت الحملة العسكرية التي شنتها قوات النظام على مناطق ريف إدلب وحماة، ونزحت برفقة أسرتي باتجاه الشمال السوري، وحطت رحالي في خيمة صغيرة بالقرب من بلدة كفرتخاريم في ريف إدلب الشمالي. وبعد فترة قصيرة من النزوح، دُمر منزلي بشكل جزئي بقصف جوي من الطيران الحربي على القرية، فأرسلت الطفل الأكبر من أطفالي عبر التهريب إلى تركيا للعمل، ويعمل الآن في أحد معامل الخضار حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه وتأمين مستقبله والزواج، أما هنا فالأوضاع المعيشية تكاد لا تطاق في هذا المخيم، حيث أعاني ظروفا مادية صعبة، فالخيمة ممزقة، إضافة لذلك أعاني من عدم توفر مياه الشرب التي أُجبَر على شرائها بسعر مرتفع، وكذلك شح المواد الطبية والأدوية والمواد التموينية. ويحتاج أطفالي البالغين من العمر 14 و10 و8  أعوام للدخول للمدرسة وممارسة حقهم في التعليم”.

واختتمت “ف.م” شهادتها لـ”المرصد السوري”، بتوجيه نداء استغاثة عاجل للمنظمات الإنسانية والهيئات الخيرية، لمد يد المساعدة لها، ومساندتها في تحمل أعباء النزوح ومستلزمات أطفالها، قائلة: “أناشد المنظمات الإنسانية والهيئات وجميع الجهات المعنية بشؤون النازحين، بأن يساهموا معي في تحمل تكاليف المعيشة والنزوح في هذا المخيم، ومد يد العون لي، وتقديم خيمة جديدة ومواد غذائية وطبية ومياه للشرب، إضافة لمساعدة أطفالي في الدخول للمدرسة بأسرع وقت ممكن”.